قالت له

قالت له: لماذا أشعر ببعدٍ في ما بيننا بسبب المسافات في المكان والزمان، ولا أملك لغة العتاب، لأن العتاب يخيفني من ابتعادٍ أكثر؟

فقال لها: لأن ارتباط الزمان بنبض القلب كساعة توقيت لأعمارنا. وارتباط المكان بتقارب الأنفاس ونظرات العيون والشعور بالاندماج، ما يجعل الابتعاد إحساساً بالفراغ. بينما الذاكرة والثقة صناعة العقل لتعويض هذا الاحساس. ومن يحسن استخدام العقل يجدهما قبل أن يتسلّل إليه الإحساس بهذا الفراغ.

فقالت: لكن كلام الحبّ والسؤال علامات اهتمام. فما الحبّ إن لم يكن علمَ الكلام؟ فقال لها: كثيراً ما يتسبّب تباين الأوقات وتباعد العيون بسوء فهم لمواقيت الكلام، فنستعين بالذاكرة لنستعيد كلاماً من الماضي إلى الحاضر، ونستحضر الثقة لنجد الأعذار لمن لا يلام في الغياب، حتى يحضر.

فقالت: لكن مقاييس الأحكام كلها بالمقارنة، ومتى صارت لغة الحبّ أقلّ نبضاً بالقياس، لما كان يحضر الإحساس بالفراغ.

فقال: وقد يكون الأمر نفسه بالمقابل في مكان وزمان مختلفين، ولم يصدر الحكم الصارم. بل اخترقت الذاكرة قاعة المحكمة وتقدّمت الثقة للمرافعة.

فقالت: لعلّ الفارق بين تطلّب المرأة والقناعة عند الرجل، فأطلب منك ما لا أستطيع أن أفعل مثله، لأن المرأة تريد أن تسمع ما يرضيها فتطرب، وصعب عليها أن تسعى لتنال الرضا فتغضب.

فقال لها: والرجل يطرب لسماع تفهّم أعذاره أكثر ممّا يغضب لعدم الإعجاب بأشعاره.

فقالت: إذن، أنت تستحضرني في الذاكرة وتصنع أعذاراً لغيابي؟

قال: بلى. وسألها: وأنت؟

فقالت: بلى!

ففتح عينيه تعجّباً، وذبلت عيناها تحبّباً، وتعانقا ومضيا معاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى