ورد وشوك
في بواكير الجلسات على شرفات المنازل في المساء، بداية فصل الربيع الواعد بالهدوء والجمال والاستقرار، كان القمر بدراً يتوسّط صفحة السماء. منظر تتفطر له الألباب، كنّا قد افتقدناه منذ سنوات عدّة، هجرنا فيها جلسات السمر على الشرفات أو في صحن الدار، إذ لم يعد لها معنى تلك اللمّات لتَفَرُّق الأحبة والأصحاب والأصدقاء بسبب فوضى عارمة أصابت الوطن، وكل من فيه من عائلات.
وبينما كنت أراقب منظر القمر بانبهار، لفتني انتشار النجوم حوله وكأنها فصوص من الألماس متبعثرة في كلّ الاتجاهات. مرت من الوقت ساعات، تلاشت نجوم، وأخرى خفّ وهجها، وبقي عدد ثابت في المكان على الحجم نفسه وقوة اللمعان ذاتها.
هنا، حملني خيالي إلى قصص الجدّات عن السحرة والجان وما يفعلونه بالطيبين من الأنام. ملأني خوف الأطفال، ما حقيقة هذه النجوم؟ لا بدّ أن كلّ واحدة منها عبارة عن مشعوذة شمطاء تضمر لنا نحن البشر العداء. تتجسّس علينا وتحصي كلّ التحركات. تغار منّا، تغار من النقاء فينا، فتنسج لنا الشرّ وتسوقه في جماعات تحجّرت قلوبهم وعُميت بصائرهم. تجردوا من صفات البشر لم يعرفوا معنى الحبّ والتآخي. تروّج لهم عن طريق أقمار صناعية تشبه النجوم في السماء، تعود لذوي النفوذ المتخمين بالأموال، أعداء الله والإنسان! استغلوا العلم والتكنولوجيا أسوأ استغلال، ودخلوا إلى أوطاننا بحجّة أنهم ينشرون العلم والحضارة للمحرومين من الناس، وما هم إلا عبارة عن محطات فضائية تقبل اشتراك هذا المؤيد لها وتقصي ذاك المناهض الذي يخالفها الفكر والرأي والمعتقدات.
تبثّ سمومها وترمي الفتن بين الشعوب والحكومات، متخذة لها أسماء توحي بأنها تهدف إلى الوحدة والتضامن والوفاق… تباً لها!
ألا نستطيع نحن معشر محبّي الحرّية والأمن والسلام، أن نملك قمراً حرّاً نجعله في الفضاء دائم الضياء، فيكشح عن سمائنا الظلم والظلام، ويبثّ الحقائق عن نوايا الآخرين لسرقة ثروات البلاد ومحو التاريخ وإضاعة الأمجاد؟
فعلاً إنها محطات فاقت بفعلها فعل المشعوذين وكبار السحرة في أساطير القدماء. حتى أن الشيطان لو نُسبوا إليه، لتبرّأ منهم.
ترى، أما آن الأوان لتغيير قواعد اللعبة والعمل على تبادل الأدوار نصرة للإنسان؟
رشا مارديني