حقّ العودة… خط أحمر!

أسامة العرب

بتاريخ 16/7/2003 اتخذ الكنيست «الإسرائيلي» قراراً بضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وتعميمها على دول العالم، وقد انطلق مؤخراً خطاب إعلامي «إسرائيلي» موحّد، مفاده المطالبة باعتراف الفلسطينيين بـ«إسرائيل» دولةً يهوديةً، بل إنّ وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان ذهب أبعد من ذلك، مطالباً بالاعتراف بها «دولةً يهوديةً وصهيونيةً»، واتفقت أحزاب «الليكود» و«البيت اليهودي» وحزب «إسرائيل بيتنا» لاحقاً على صياغة وإقرار قانون يهودية الدولة وثُبّت ذلك، كجزء من الاتفاق الائتلافي الموقّع بين هذه الأحزاب، ما مهّد الطريق أمام تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة في آذار 2013.

هذا الاتفاق لم يأتِ من عبث، بل حمل في طياته هدفاً رئيسياً مهمّاً ألا وهو الرفض المباشر لحقّ عودة اللاجئين إلى حدود ما قبل حرب 1948، لأنه ووفق المنطق الذي ينتهجه «الإسرائيليون»، ينبغي على الفلسطينييّن العودة فقط إلى الضفة الغربية وغزّة، لا إلى الدولة اليهودية المزعومة.

سعت «إسرائيل» وتسعى منذ العام 1948 ولغاية اليوم إلى القضاء على بنية الشعب الفلسطيني من خلال تشتيته وتجزئته من أجل القضاء عليه. وإن كان الحديث مرة عن ثلاثة أجزاء للشعب الفلسطيني: فلسطينيو 48، الشتات والمناطق المحتلة عام 1967، فقد أصبحت الضفة الغربية اليوم معزولة تماماً عن قطاع غزة المحاصر، وكلاهما معزول عن القدس المحتلة، وميدانياً فإنّ شمال الضفة معزول عن جنوبها وأوصالها مقطّعة بالحواجز وجدار الفصل العنصري الصهيوني.

وذلك فإنّ مشروع «الفوضى الخلاقة» الصهيوني بامتياز، وُضع ليمهّد لطمس حقّ عودة الفلسطينيين إلى حدود ما قبل حرب 1948، وذلك من خلال إعلان العدو لاحقاً إقامة الدولة اليهودية، فور إشعال المنطقة بنيران الحروب المذهبية، ومن يطّلع على نصّ مشروع خارطة الطريق يتأكد من ذلك، ويلاحظ أنّ هدف المشروع، منذ نشأته، طمس حقّ العودة، مشترطاً نزع سلاح المقاومة والحفاظ على أمن «إسرائيل» كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات.

تقرّ القيادات الصهيونية كافة بما تقدّم، لافتة إلى أنها ترفض حقّ العودة لأنه سوف «يُغرق إسرائيل بالديموغرافيا الفلسطينية ويقضي عليها ويلغي هويتها اليهودية بالكامل».

قدّم وزير الخارجية الأميركي جون كيري للقيادة الفلسطينية مؤخراً خيارات عدة لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين ليس من بينها حقّ العودة. وتتمثل هذه الخيارات في تخييرهم بين الهجرة إلى كندا أو التوطين حيث هم، خاصّة أن الغالبية التي تتواجد في الأردن ولبنان. وعلى ما يبدو، فقد أتت زيارة بان كي مون مؤخراً إلى لبنان بصحبة رئيس البنك الدولي، تنفيذاً لهذا المخطط القذر.

من ناحية أخرى، فمنذ «كامب دايفيد» مروراً باتفاق «وادي عربة» و«مؤتمر مدريد»، ووصولاً إلى «مبادرة بيروت» عام 2002 والمبنية كلّها على مبدأ الأرض مقابل السلام، لم تُشدّد أيّ من تلك الاتفاقيات والمبادرات على حقّ العودة، ذلك أنّ الجانب العربي بات يتمسك بتبني كلّ ما ينمّ عن جزع وخوف أمام «الإسرائيلي»، مع تسليمه المعلن بروحه الانهزامية، متظاهراً بانحيازه إلى استقرار المنطقة والتعامل معها كخيار وحيد لا ثاني له، وكأنه يريد أن يمنح نفسه مبرّرات وأعذاراً واهية لا وجود لها من أجل الاستسلام والتخلي عن القضيّة، في حين أنّ ستة ملايين لاجئ فلسطيني اعترفت دول العالم أجمع بحقهم بالعودة إلى حدود ما قبل العام 1948 من خلال القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948. وعليه، فمن غير المسموح لأيٍّ كان أن يساوم على حقوقهم تلك أو أن يتنازل عنها بأيّ شكل من الأشكال.

وبالتالي، كان اندلاع الانتفاضات الفلسطينية الشاملة والعامة خير وسيلة لهذا الشعب المقاوم للدفاع عن أرضه ومقدساته، وللردّ على مشاريع التسوية الانهزامية كافة، ذلك أنّ خيار الجهاد ومقاومة الاحتلال كان الخيار الأوحد والأنجح لمواجهة الاحتلال الصهيوني الغاشم، ولاستعادة الحقوق المسلوبة منه كافة. حتى أنّ الدعم الأميركي لـ«إسرائيل» والذي لا تحدّه حدود، لم يستطع أن يوقف لا الانتفاضات الفلسطينية المستمرة ولا الهبّات الشعبية المتواصلة. كذلك، وبالرغم من كلّ ما قدّمته أميركا لـ«إسرائيل» من سلاح جو حربي متطوّر وقنابل ذرية وهيدروجينية عديدة، وغطاء مالي وسياسي وإعلامي مستمرّ، لم تُفلح الأخيرة بأيّ شكل من الأشكال بأن توقف مسار الكفاح الفلسطيني المسلح ولا انتصارات مقاومته الباسلة. كما أنّ جدار الفصل العنصري والحصار الاقتصادي اللذين ما زالت تفرضهما «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني، لم يكسرا بتاتاً عزيمة المقاومين، بل زاداهم قوّةً وإصراراً على التمسُّك بخيار الصمود والتحدّي. حتى أنّ إغلاق معابر قطاع غزّة كافة لم يجدِ نفعاً أيضاً، ولا حتى كلّ التنديدات والتهديدات الإقليمية والدولية. كما أنّ «الحروب الثلاثة» التي شنتها «إسرائيل» على قطاع غزة باءت جميعها بالفشل الذريع، بل لقيت المقاومة هناك التفافاً شعبياً حاشداً، تأكّد بفوزها الساحق في الانتخابات التشريعية عام 2006، وهذا ما أكره الاتحاد الأوروبي على شطب «حماس» عن لائحة الإرهاب، بعدما صدر قرار بذلك من محكمة العدل الأوروبية، حيث أوضحت تلك المحكمة في بيانٍ أنّ إدراج حركة «حماس» على هذه اللائحة عام 2001 لم يستند إلى أي أسُس قانونية، بل إلى معلومات من الصحافة والإنترنت فقط. والمفارقة هنا بالنسبة إلى قيام مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب بوضع المقاومة اللبنانية على لائحة الإرهاب، أننا نحن العرب بلا عدل، ولا حتى محكمة عدل عربية.

من جهة أخرى، فإنّ المقاومة الفلسطينية في غزّة استطاعت مؤخراً أن تطال الكيان «الإسرائيلي» في الأعماق، فلأول مرة في التاريخ أطلق المقاومون صاروخاً محلي الصنع أسموه «آر160»، وصل مداه إلى 160 كيلومتر، حيث ضرب مدينة حيفا وزعزع صورة «الإسرائيلي» أمام العالم أجمع، كما أطلقوا صواريخ عدة أخرى كصاروخ «براق 70» الذي سقط في تل أبيب، وسيّروا أيضاً طائرات من دون طيار في المجال الجوي الصهيوني. ومن ثم انتهت المفاوضات في حروب غزّة الثلاثة بإقرار وقف إطلاق النار، من دون أن تحصل «إسرائيل» على وعود بتحقيق أهدافها من نزع سلاح المقاومة ووقف إطلاق الصواريخ. ولاحقاً جاءت المطالب الفلسطينية المتعلقة بفكّ الحصار وفتح المعابر وإنشاء ميناء ومطار وبالإفراج عن الأسرى كافة لتشكل صدمة حقيقية لـ«الإسرائيلي»، ذلك أنّ الجميع كان يعتقد أنّ السياسة الانهزامية لدى معظم الدول العربية سوف تنعكس سلباً على موقف الفلسطيني، فإذا بهذا الأخير يصعِّد ويربح ويصبح رقماً صعباً تعجز «إسرائيل» عن التصدي له.

كلمة حقّ تُقال، ثبت فعلاً أنّ مشاريع التفاوض عبر بوابة «أوسلو» فاشلة بامتياز، ذلك أنّ كلّ مشاريع التسوية مع الاحتلال لم ولن تقدم شيئاً لفلسطين والعرب أكثر من التبعية المطلقة للاحتلال الصهيوني وللاستعمار الأميركي. كما ثبت أيضاً أنّ قدرة المقاومتين الفلسطينية واللبنانية على الصمود والتصدي أبهرتا العالم، حيث شكلتا معاً الحصن الحصين للقوى الوطنية كافة في مواجهة عوامل التراجع والتشتُّت. فتحية خالصة إلى هاتين المقاومتين الباسلتين، لا سيما أنّ كلتيهما استطاعتا أن تأسرا جنوداً «إسرائيليين» في الحروب الأخيرة على وطنيهما.

حقّاً إنّكم بإنجازكم النوعي هذا أيها الأبطال الأشاوس، أعطيتم أملاً جديداً للشعب العربي الرازح بمعظمه تحت سياسات انهزامية لن توصله إلا إلى مزيد من الذلّ والخنوع للاستعمار الأميركي، أدامكم الله فخراً وعزّاً لأمتنا يا بُناة المجد وحماة الوطن!

محام، نائب رئيس

الصندوق الوطني للمهجرين سابقا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى