معركة عرسال: تسليم أميركي بدور حزب الله

هتاف دهام

يقتضي حلُّ المعضلة السورية القضاءَ على الإرهاب بكلّ أشكاله، ولذلك لن تبقى في لبنان جزيرة خارجة عن الشرعية ومنطقة تهدّد الأمنَيْن اللبناني والسوري على حدّ سواء. لكن يبدو أنّ معركة جرود عرسال ورأس بعلبك ليست مستعجلة بالشكل الذي يتمّ تناوله، خاصة أنّ هناك مجموعة وقائع نوعية استجدّت تجعلها غير ملحّة.

الواقع الاول: انقطاع الطريق البرية من شمال لبنان وعرسال إلى تدمر- السخنة – القريتين – الرقة. وهذا الانقطاع جرى نتيجة التطورات الميدانية التي حصلت في تدمر والقريتين والسخنة وقبلها في مهين، وهذا عملياً قطع الربط الذي كان بين البادية السورية والجرود السورية اللبنانية وصولاً إلى عرسال وحتى إلى الضنية وعكار. وتبقى الطريق البحرية طرابلس، اسطنبول بحراً كليس غازي عنتاب جرابلس، الرقة، التي تربط بين هذه المجموعات الكامنة ومحركيها، وإن كانت حركتها مرصودة من الأجهزة الأمنية في مرفأ طرابلس عندما تتوفر معلومات مسبقة.

الواقع الثاني: الاقتتال الداخلي لدى المجموعات الإرهابية في الفترة التي سبقت تحرير تدمر والقريتين ومهين وجعل وضعها صعباً للغاية وإن كان هناك أكثر من ثلاثة آلاف من مقاتلي داعش الذين فروا من هذه المناطق باتجاه البادية السورية في القلمون الشرقي على بعد 40 كيلومتراً من دمشق وقاموا بهجوم مفاجئ على معمل للإسمنت، واختطفوا أكثر من 300 من عمال شركة الإسمنت ومقاوليها وأعدموا 50 منهم، وأغاروا أيضاً بهجوم مفاجئ على مطارَيْ السين والضّمَيْر، وفي البادية نفسها، نجح الجيش السوري في صدّ الهجوم الكبير الذي تعرّض له المطاران، كما نجح والمقاومة في صدّ هجوم على محطة حرارية في الضمَيْر، وقضى على 27 داعشياً جثثهم احتفظ بها الجيش السوري.

هذه الهجمات الالتفافية من مناطق هزم فيها هذا التنظيم الإرهابي، سبق لها أن نفذت عندما انسحب داعش من المحطة الحرارية بقلب ريف حلب الشرقي هجوماً كبيراً باتجاه طريق خناصر، واضطرت القوات السورية وحلفاؤها إلى التعامل مع هذه الجحافل الداعشية التي هاجمت شلالة الكبيرة والصغيرة وقضت في حينه على المجموعات المنسحبة.

وما يتخوَّف منه حالياً تكرار سيناريو هجمات التفافية كهذه لجحافل إرهابية منسحبة، وأن تحاول إحداث خرق عبر البادية نحو لبنان على القاعدة نفسها في الهجومين السابقين. لكن حجم الإمساك بالموقف من القوات السورية وحلفائها في الداخل السوري، ومن قبل حزب الله والجيش اللبناني على السلسلة الشرقية، يجعل هذا الأمر مستبعَداً.

العامل الثالث: مستوى الجهوزية التي أصبح يملكها الجيش اللبناني والتطور النوعي في إدارة عملياته، وغرفة العمليات المشتركة بينه وبين الأميركيين في إحدى مناطق لبنان القريبة من مسرح العمليات، والمدعَّمة بكثير من أجهزة الرصد الاستخباري والتقني لتوفر متابعة على مدى أربع وعشرين ساعة. وهذا ما أحدث نقلة نوعية في التصدي للمجموعات الإرهابية ويبدو في عرسال المدينة وريفها المباشر أن المسألة سياسية أكثر منها عسكرية لها. وتتعلق بالقوى المعنية بوضع عرسال وتحديداً تيار المستقبل، الذي لا يريد في المدى المنظور تغطية معركة تكرس الشراكة عملياً بقوة بين المقاومة والجيش بتوزيع المهام والجغرافيا ومناطق السيطرة. وقد يكون الأمر لأسباب تتعلق بملف النزوح السوري لأن المخيمات الموجودة في عرسال ليست بيئة حاضنة للإرهابيين فحسب، بل معسكرات إرهابية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى لكن عندما يحين الوقت ستجد المقاومة نفسها مضطرة للقيام بما يُنهي هذا الواقع الشاذ، بالشكل المناسب. فتوقيت العمليات الذي ستحدده وفقاً لقراءتها الميدانية والعسكرية سيكون منسقاً مع معسكر الدفاع عن سورية، لا سيما أن هناك غطاء روسياً لحزب الله بضرب الإرهاب في الجرود ضمن منظومة مكافحته واستئصاله، وتسليم أميركي واقعي بالدور المحوري الذي يؤدّيه حزب الله في حماية لبنان من خطر الإرهاب العابر للحدود البرية وسدّ هذه النافذة الخطيرة عليه لأنه يمثل راهناً للغرب واحة هدوء لخدمة توطين 2 مليون نازح سوري على أراضيه. في وقت يرفض الحزب خيار توطين النازحين الذي يعمل له الغرب بشكل مقنّع، ويرى الحزب أنّ استئصال الإرهاب يحمي لبنان أولاً ويسهم بعودة النازحين ثانياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى