بدء المسار اليمني اليوم… ودي ميستورا في دمشق على إيقاع حلب السعودية و«لعبة الثلاث ورقات»: اليمن أولاً وسورية ثانياً ولبنان أخيراً

كتب المحرر السياسي

كما تعلّم الجراحون منذ أيام أبي الطب أبوقراط، الجرح الأخير الذي يفتح هو الجرح الأول الذي يُخاط، وهكذا يبدو اليمن، رغم تأخّر نضجه للمسار السياسي والأمني نحو الهدنة والحوار الأكثر تبلوراً، في مساره الذي تهيّأت له أسباب لم تتوافر بعد للجرحين المفتوحين في سورية ولبنان، حيث السعودية هي اللاعب وبيدها الأوراق الثلاث، جماعة تيار المستقبل التي بدونها لا يتحقق نصاب الانتخابات الرئاسية في لبنان ولا التوافق على اسم الرئيس، وجماعة الرياض في مفاوضات جنيف السورية التي تستطيع تنفيذ التعليمات السعودية بالمماطلة والبقاء تحت ظلال تكرار معزوفة هيئة الحكم الانتقالي وهي ترى الجيش السوري يتقدّم من منطقة إلى منطقة، ومواقع «داعش» و«النصرة» تنهار وحجمها الضحل عسكرياً ينفضح، بينما حجتها السياسية في طريق مسدود، حيث التوافق الأميركي الروسي على ترك شأن الرئاسة السورية للسوريين تفاوضاً أو انتخاباً، رغم التباين بين موسكو وواشنطن إعلامياً على التمنيات، والرياض قادرة أن تمون وأن تلقى استجابة من جماعتها اللبنانية والسورية، ريثما تطمئن إلى مسار التسوية اليمنية التي تدخل الهدنة فيها يومها الأول.

تهيأت لهدنة اليمن أسباب وافية للنجاح، رغم ما تحمله الأيام الأولى من عقبات عملانية، ستتولى تذليلها غرفة عمليات الكويت، التي يرعاها المبعوث الأممي وفرق مراقبين مساعدة ومندوبين للقوى اليمنية، وضباط سعوديون، والأهمّ من أسباب النجاح اليمني أنّ الذين يتقاتلون، وهم السعوديون في ضفة والحوثيون في ضفة مقابلة، قد أنهوا مفاوضات سياسية شاملة وتفصيلية في الرياض تقول مصادر على صلة بالفريقين إنها رسمت خارطة طريق للتسوية، بينما في سورية الذاهبون إلى جنيف باسم المعارضة لا يملكون القرار العسكري إلا حيث تتنازل «جبهة النصرة» وتعيرهم وجودها لتتغطّى بالهدنة، عندما يكون لها مصلحة بذلك وتنزعهم كقناع وترمي رايتهم عندما تتغيّر الحسابات، كما يحدث في أرياف حلب حيث خرجت «النصرة» للتفجير باسمها وأعلنت أنها القوة الممسكة بالريف الجنوبي بعدما حسم الجيش السوري تدمر، التي راهنت «النصرة» على احتمائها بالهدنة لجعل تدمر حرب استنزاف بين «داعش» والجيش السوري لشهور تنعم فيها مواقعها في أرياف حلب بالهدوء تحت راية «الجيش الحر»، وتؤجل معركة معقلها في إدلب إلى زمن بعيد، فجاءت مفاجأة تحرير تدمر السريعة تجبرها على تغيير الأولويات والتحرك في ريف حلف الجنوبي مباشرة، بينما تتحرك في الريف الشمالي لتسلُّم مواقع «داعش» من الأتراك مرة أخرى تحت علم «الجيش الحر»، ولذلك تدور المفاوضات مع الجهة الهامشية في الحرب، وتدور الحرب مع الجهات التي لا مكان للتفاوض معها لا حاضراً ولا مستقبلاً.

إمساك السعودية بورقتي تعليق الحلّ السياسي في سورية ولبنان، مع إقلاع قطار الحلّ في اليمن، يتزامن مع الإمساك بغطاء مصري وفّرته المليارات التي ستسدّدها السعودية على خمس سنوات لمصر تضمن خلالها، ترتيب الخريطة الإقليمية، التي يشكل التفاهم التركي المصري السعودي مقدّمتها التفاوضية مع إيران، ليبدأ التقدّم السياسي تدريجاً نحو حكومة موحّدة في سورية وتالياً نحو الرئاسة في لبنان، مع تبلور الصورة اليمنية وتقدّم الخارطة العسكرية في سورية، التي دخل ميدان حلب عدّه التنازلي فيها، مع إعلان رئيس الحكومة السوري وائل الحلقي عن الاستعداد السوري الروسي مع الحلفاء لحرب تحريرها مع أريافها، بينما تبدو جولة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عاجزة عن تخطي عقد التفاوض التقليدية في الجولة المقبلة والمتمثلة، أولاً بإشراك الأكراد في الوفد التفاوضي للمعارضة مقابل التراجع عن إعلان الفدرالية من طرف واحد، رغم التأكيد الأميركي الروسي على الاتفاق حول هذا التمثيل، وما سيليه من توسيع لتمثيل الأطراف الأخرى من المعارضة، وثانياً بالإجابة عن سؤال مَن سيشكل حكومة موحدة في سورية، في ظلّ استمرار الخلاف على المفهوم السيادي المتمثل بطلب جماعة الرياض بوضع بلدهم تحت الفصل السابع ونزع سيادته وإخضاعه لوصاية دولية، كطريق وحيد لتشكيل هيئة حكم انتقالي تجنّبهم الاحتكام لاحقاً لصناديق الاقتراع، مقابل تمسك الدولة السورية، بضمان آليات الانتقال إلى دستور جديد لسورية وفق الآليات الدستورية الحالية، ضماناً للسيادة وبقاء القرار السوري بيد السوريين، وبالتالي اعتبار الرئيس السوري بصلاحياته خطاً أحمر، هو مَن يشكل الحكومة، وهو مَن يقود الحرب على الإرهاب.

لبنانياً، تبدو السياسة معلّقة مع غياب رئيس المجلس النيابي نبيه بري في القاهرة لترؤس أعمال الاتحاد البرلماني العربي، لتصل كلماته عن بداية رؤية أمل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلى صالونات السياسة التي ستنشغل بمساعٍ لتفسيراته لهذا التفاؤل والإشارات التي بُنيت عليه، بعد عودته، بينما بقي الوضع الأمني في عرسال وجنوب لبنان، حيث الغموض يخيّم على جبهتي مزارع شبعا والتحصينات «الإسرائيلية» الجديدة، وأصوات التفجيرات المتواترة من هناك، مقابل معارك متعدّدة الجبهات بالمدفعية في جرود عرسال والقلمون، بين الجيش اللبناني من جهة، ومسلحي «داعش» و«النصرة» من جهة مقابلة، وعلى جبهات أخرى بين جماعات كلّ من «داعش» من جهة و«النصرة» من جهة أخرى.

السلة المتكاملة إلى الواجهة مجدداً

لا يزال «الستاتيكو» على حاله في لبنان، فالاستحقاقات اللبنانية مرتبطة بتفاهمات المنطقة وتبادل الأوراق التفاوضية بين القوى الدولية والإقليمية على ملفات اليمن وسورية والعراق ولبنان، ولذلك فإن انتخاب رئيس في لبنان سيكون إحدى نتائج هذه المفاوضات.

وعلى وقع الحراك الدولي اتجاه لبنان للدفع في الإسراع لانتخاب رئيس للجمهورية، مع ما يتردد عن نية انتخاب رئيس وسطي في إطار التهويل والضغط الداخلي والخارجي على الجنرال ميشال عون، كما تؤكد مصادر دبلوماسية لـ«البناء»، كان لافتاً أمس موقف حزب الله أمس، الذي عبر عنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وأعاد السلة المتكاملة إلى الواجهة، بعدما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قدم مبادرة حسن نية منذ أشهر دعت إلى الاتفاق على انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً ووضع السلة جانباً. وأمام عدم تلقف تيار المستقبل حسن النية، واتهامه حزب الله بتعطيل الانتخابات الرئاسية والعمل على تضليل الرأي العام، أكد رعد أمس خلال، الاحتفال الذي أقامه حزب الله بمناسبة مرور أربعين يوماً على استشهاد الشهيد القائد علي احمد فياض الحاج علاء «نحن على طاولة الحوار في عين التينة برعاية الرئيس نبيه بري كل الأطراف السياسية متمثلة في هذا الحوار، جدول الحوار لم يكن نقطة واحدة وإنما كان عبارة عن ست أو سبع نقاط، كان الاتفاق منذ الجلسة الأولى منذ بدأ الحوار».

وأضاف رعد «إننا الآن نتحاور من أجل أن نصل إلى نتيجة نهائية في كل نقطة، لكن إذا حسمنا النقطة الأولى لا نذهب إلى التنفيذ قبل أن نتفق على النقاط الأخرى، فإذاً لا يوجد فريق الآن بالمعنى السياسي والعملي يعطل انتخاب رئيس الجمهورية، بل توجد طاولة حوار ينبغي أن تنتهي إلى نتائج نهائية في كل النقاط التي يجري التحاور حولها ثم نبدأ بتنفيذها واحدة تلو الأخرى ولا مانع لدينا من أن نبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية».

هل يلتقي بري وسلمان؟

إلى ذلك، وفيما تتجه الأنظار إلى اللقاء المرتقب عقده على هامش القمة الإسلامية في اسطنبول الأربعاء بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ورئيس الحكومة تمام سلام ترددت معلومات عن إمكانية عقد لقاء بين الملك سلمان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري اليوم على هامش أعمال المؤتمر الـ23 للاتحاد البرلماني العربي في القاهرة، الذي بدأ يوم السبت وينتهي اليوم. وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن اللقاء إن حصل فسيبحث في التوتر الحاصل في العلاقة بين لبنان والسعودية والإجراءات العقابية ضد اللبنانيين في الخليج وفي مصير الهبة التي كانت مقررة لدعم الجيش والقوى الأمنية وجمدت راهناً».

وترأس بري أمس أعمال المؤتمر الثالث والعشرين، بعدما كان ترأس مساء أول أمس اجتماع اللجنة التنفيذية في دورتها التاسعة عشرة، بحضور رؤساء المجالس والوفود البرلمانية العربية، التي ناقشت جدول الأعمال والقضايا التنظيمية وتشكيل اللجان المتعلقة بفلسطين والقدس والقضايا الأخرى، كما ترأس اجتماعاً تمهيدياً لرؤساء المجالس والوفود، ثم أولم لهم في عشاء عمل. وأشار إلى «أن الفتن داخل الطائفة الإسلامية وداخل المجتمعات العربية انطلقت ولا تزال، والمؤثر الأول والأكبر في هذا الموضوع هي مقاربة ومصالحة بين الخليج والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خصوصاً بين المملكة العربية السعودية وإيران ودعا إلى إنشاء غرفة عمليات أممية تنسق النشاط العسكري ضد الإرهاب التكفيري. أكد دعم بلاده لدعوة شيخ الأزهر احمد الطيب والملك سلمان بن عبد العزيز لتوحيد الأمة ونبذ الإرهاب والتطرف والدعوة إلى الاعتدال والوسطية.

بري يعالج موضوع المبعَدين من السعودية

وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إن «لا معلومات مؤكدة عن لقاء الرئيس بري والملك سلمان»، مشيرة إلى أن «رئيس المجلس التقى عدداً من المسؤولين المصريين على هامش المؤتمر وتطرّق معهم إلى عدد من الملفات الداخلية والعربية».

ولفتت إلى أن «بري لن يقصر في لعب أي دور إيجابي على خط التقارب بين إيران والسعودية، وكلمته أمس واضحة عن ضرورة التقارب والتفاهمات والتسويات بين الدول العربية والخليجية وبين دول إقليمية لا سيما إيران»، مرجّحة أن تتجه العلاقات الإيرانية – السعودية والخليجية إلى التفاهمات وليس إلى التصعيد والمواجهة لوجود مصلحة مشتركة بذلك».

ودعت المصادر إلى التزام الصمت حيال موضوع إبعاد اللبنانيين العاملين في دول الخليج، نظراً لحساسية الملف ودقته وحرصاً على 500 ألف عامل لبناني في هذه الدول، وتحدثت عن جهود تبذل من قبل الرئيس بري وأعضاء في الكتلة مع الجهات المعنية في دول الخليج فضلاً عن جهود الحكومة ورئيسها تمام سلام لمعالجة هذا الموضوع»، مؤكدة أن «رئيس المجلس لن يترك هذا الملف ويجري اتصالات ولقاءات خلال وجوده في القاهرة مع مسؤولين عرب وخليجيين، ومنهم سعوديون للبحث معهم في أوضاع اللبنانيين في دولهم».

واستبعدت مصادر دبلوماسية الإبعاد الجماعي لعدد كبير من اللبنانيين العاملين في دول الخليج، لافتة إلى أن الإبعاد سيقتصر على حالات فردية ومحدودة نظراً للعدد الكبير للبنانيين العاملين في الخليج والذي يصل إلى 500 ألف»، وأوضحت لـ«البناء» أن «إبعاد 74 شخصاً فقط يعتبر عدداً قليلاً نسبة إلى التهديدات السعودية ضد لبنان وحجم اضطراب العلاقة معه مؤخراً ولا سيما أن هؤلاء المبعدين تعتبرهم الدول الخليجية بأنهم مقربون من حزب الله».

ورأت المصادر «أن اللقاء الأخير بين وزير الخارجية جبران باسيل والسفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري هو رسالة من السعودية بأن لا مشكلة للمملكة مع التيار الوطني الحر ولا مع باسيل، بل مع مَن استدرجه إلى هذا الموقف الذي اتخذه ضد المملكة في القاهرة وجدة».

وعن العلاقات الإيرانية السعودية، لفتت المصادر إلى أن «إيران اتبعت خلال ولاية الرئيس حسن روحاني سياسة انفتاحية على الخارج، وبالتالي تريد إقامة علاقات جيدة مع دول الخليج، كما أن السعودية حاضرة للقاء إيران في منتصف الطريق، لكن ضمن شروط تبدأ بمساعدة طهران في حل قضية اليمن في إطار حماية الأمن القومي السعودي، إضافة إلى ملفات أخرى في المنطقة».

«أمن الدولة».. الأزمة مستمرة

حكومياً، يلتئم مجلس الوزراء غداً الثلاثاء على وقع أزمة جهاز أمن الدولة المستفحلة والتي لم تجد طريقها إلى الحل بعد. وفيما يعقد وزير السياحة ميشال فرعون، الذي أخذ على عاتقه حل ملف جهاز امن الدولة مؤتمراً صحافياً في مكتبه في الاشرفية، يتحدث فيه عما توصلت إليه لقاءاته مع المعنيين، علمت «البناء» أن اللقاء الذي حصل بين وزير المال علي حسن خليل وفرعون لم يصل إلى أي تسوية»، مشيرة إلى أن اجتماع فرعون ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل، بحضور وزير الاقتصاد ألان حكيم بحث في تنسيق الخطوات التي يمكن اتخاذها في حال استمر التعاطي مع هذا الجهاز بطريقة مجحفة ومن دون إيجاد حل يكمن في احترام القانون والنظام والتراتبية وفك الحصار المالي والإداري عن هذه المديرية. في المقابل أكد خليل من بعلبك خلال تمثيله الرئيس نبيه بري في حفل افتتاح مركز «الدكتور ركان علام الطبي» التابع لمستشفى دار الأمل الجامعي «أن الموقف من «أمن الدولة» ليس له علاقة بموقف من طائفة أو مذهب أو تيار، المسألة عكس ذلك تماماً، الموضوع هو موضوع انتظام عمل المؤسسة، ومدى التزام المؤسسة بالقانون، ومدى التزام القيمين على المؤسسة بالأصول التي ترعى تنظيم عملهم مع بعضهم البعض».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى