النتائج غير المرئية المترتبة على انتقال جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية
ميشيل حنا الحاج
كثر الحديث والنقاش حول قضية اعتراف مصر بالسيادة السعودية على الجزيرتين ثيران وصنافير. وكتب في هذا الموضوع عدة كتاب بارزين منهم الدكتور عمرو حمزاوي، والدكتور معتز عبد الفتاح، والدكتور جهاد عودة، وآخرون كثر منهم الكاتب الساخر باسم يوسف، والمرشح السابق للرئاسة المصرية أحمد شفيق. وكان من أبرز من ناقش في هذه القضية، الأستاذة أماني الخياط، التي استضافت في برنامج «أنا مصر»، خبير الخرائط الفلسطيني خليل تفكجي الذي ناقش موضوعياً وعلمياً في هذا الموضوع، كاشفاً عن صحة الخطوة المصرية.
وثارت تلك الضجة الكبرى نتيجة أمرين، أولهما عنصر المفاجأة في الإعلان المصري عن الاعتراف بالسيادة السعودية، وثانيهما توقيت ذاك الإعلان الذي جاء عشية، أو مع اليوم الأول لزيارة الملك السعودي سلمان إلى مصر، وما تلاها من الإعلان عن صفقات مالية واقتصادية كبرى بين البلدين، وأهمّها إنشاء جسر يربطهما بما في ذلك من فائدة كبرى خصوصاً لمصر، مما أوحى للبعض بوجود صفقة سرية بين البلدين، بادلت فيها مصر الجزيرتين بتلك الصفقات المالية والاقتصادية، مضافاً إليها ما بدا على ضوء زيارة الملك سلمان المفاجئة لمصر، عن احتمال وجود تحوّل جدّي في الاستراتيجية السعودية تجاه عدة قضايا كانت موضع خلاف بين البلدين، لم تكن أهمّها المشاركة المصرية الجدية في الحلف الإسلامي، بل احتمال وجود تحوّل في النظرة السعودية نحو المسألتين السورية واليمنية، وبداية جنوح المملكة للحلول السلمية عوضاً عن سياسات كسر العظم السابقة.
وكشفت التحليلات والمناقشات التي جرت خلال الأسبوع الماضي، عن أمرين هامّين، أولهما أنّ لجزيرة ثيران أهمية استراتيجية كبرى، كما يقول معتز عبد الفتاح، لكن مصر حتى بدون الجزيرتين، تظلّ قادرة على إغلاق الملاحة في منطقة الخليج إذا اقتضت ضرورة استراتيجية ذلك. والمعروف أنّ قضية إغلاق الملاحة في مضائق ثيران أمام السفن «الاسرائيلية» عام 1967، نتيجة إقدام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على مطالبة المراقبين الدوليين بمغادرة موقعهم في جزيرة ثيران، الى نشوب حرب حزيران 1967 التي أفرزت النكبة المسمّاة النكسة. وثانيهما ما كشفه عمرو حمزاوي وغيره، بأنّ مفاوضات عديدة ومراسلات كثيرة قد جرت وعلى مدى أعوام طويلة بين البلدين، حول مستقبل السيادة على الجزيرتين. فالصمت المصري وعدم الكشف مسبقاً عن وجود مفاوضات كهذه، هو ما استدعى الكاتب الساخر باسم يوسف، لينتقد ذاك الصمت وعدم الإعلان مسبقاً عن وجود مفاوضات ومناقشات ومراسلات كهذه، تجنّباً لوقع الصعقة على الشعب المصري لدى الإعلان المفاجئ وبدون تمهيد، عن تأكيد السيادة السعودية على الجزيرتين، مما استدعى البعض للتذكير بأنّ التنازل عن السيادة على أراض مصرية، ليس بوسع الحكومة أو الرئيس تقريره، بل هو أمر سيادي من حق البرلمان وحده إقراره وبنسبة مميّزة من عدد الأعضاء قد تبلع نسبة الخمسة وسبعين بالمائة من عدد أعضائه.
وتقول التقارير أنّ السيادة على الجزيرتين كانت حتى عام 1950 للسعودية، لكن المملكة تنازلت عنهما، أو سلّفتهما لمصر، بسبب ظروف الحرب مع «إسرائيل». فالتقسيمات والخرائط الدولية، تشير الى سيادة السعودية منذ أوائل القرن الماضي. ويتساءل كاتب آخر: ولكن لأيّ جزء من المملكة كانت السيادة على الجزيرتين؟ فالمملكة السعودية لم تتأسّس رسمياً كدولة متماسكة الا في عام 1932. أما قبلها، فقد كانت تتكوّن من إمارات صغيرة أربع هي: الوهابية، نجد، الحجاز، والرياض. فأيّ جزء من هذه الإمارات أو المشايخ كانت له السيادة على الجزيرتين؟ يتساءل الكاتب.
وتذكر الدراسات الأخيرة، أنّ مصر قد توقفت منذ عام 1990 عن ذكر السيادة المصرية على الجزيرتين في مراسلاتها وخرائطها، كما أنّ مذكرة للأمم المتحدة صادرة في 25 آذار/ مارس 2010، قد تضمّنت ذكر السيادة السعودية على الجزيرتين. وهذا كله يوحي بعدم وجود صفقة سرية أو مفاجئة، ويرجح بأنّ الخطأ الحقيقي الذي ارتكبته مصر، هو بعدم التمهيد مسبقاً وعلى مدى سنوات، بحق السعودية في السيادة على الجزيرتين، مما جعل الإعلان المفاجئ والمباغت، يبدو بأنه قد جاء نتيجة صفقة سرية ما.
ومع ذلك، ورغم اتضاح حقيقة من له حق السيادة الفعلية على الجزيرتين، تظلّ هناك نتائج هامة غير مرئية للبعض، وربما للكثيرين، حول النتائج الهامة المترتبة على عملية انتقال هذه السيادة الى السعودية. وأهمّ النتائج لخطوة الانتقال السلمي للسيادة على الجزيرتين تتمثل بالآتي:
1 أنّ السيادة للسعودية على مضائق ثيران خاصة، تضعها على قدم المساواة مع إيران المسيطرة على مضيق هرمز في الجانب الآخر من الخليج. فإذا كانت إيران قادرة على إغلاق ذاك المعبر في وجه الملاحة السعودية، فقد بات الآن بوسع السعودية أن تغلق مضائق ثيران في وجه مرور السفن الإيرانية عندما تقتضي الحال ذلك، خصوصاً أنها لم تنجح حتى الآن، رغم حرب اليمن وكلّ المعارك التي جرت خصوصاً في عدن، في بسط هيمنتها على باب المندب كورقة لملاحقة أو مراقبة السفن الإيرانية التي يُقال إنها تنقل السلاح إلى الحوثيين والسوريين أحياناً، علماً بأنّ نقل السلاح لسورية، بوسعه أن يتمّ عبر النقل الجوي، ولا يحتاج بالضرورة إلى النقل عبر السفن.
2 انّ عبء الحدّ او مراقبة السفن «الاسرائيلية» المارّة عبر مضائق ثيران، وخصوصاً في حالة وقوع حرب عربية ـ «إسرائيلية» جديدة، قد انتقل الآن من مصر، الأمر الذي مارسته فعلاً عام 1967، واضطرت منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد للتخلي عنه نهائياً… انتقل عبؤه الى السعودية التي قد تجد نفسها لمراعاته، ولو كالتزام أخلاقي عربي في حالة وقوع حرب عربية «إسرائيلية» جديدة، يعزز التزاماً أخلاقياً سعودياً مارسه سابقاً الملك فيصل في عام 1973 بفرضه حظر تصدير النفط للدول المساندة لـ«إسرائيل» في حرب عام 1973. فعبء السيطرة على تلك المضائق الحيوية، قد بات الآن على عاتق السعودية، ولم يعد هناك التزام ما على مصر بممارسته.
3 انّ انتقال السيادة للسعودية، أو عودتها للمملكة بطريقة سلمية وبدون نزاعات جوهرية قد تؤدّي الى حرب أو نزاع مسلح، أرسى مبدأ أساسياً لكيفية التعامل بالنسبة لحلّ النزاعات حول حق السيادة على موقع ما بين دول شقيقة. اذ يفترض به أن يتمّ سلمياً، وبأساليب المفاوضات الأخوية، وبنوايا حسنة، تسعى لحسم نزاع بين شقيقين، وليس بين دولتين متعاديتين. فقد طرح نهجاً لحلّ الخلافات العربية ـ العربية سلمياًً، قد يستند اليه في حلّ نزاعات قد تنشب مستقبلاً في نزاع عربي – عربي، يتعلق بالسيادة على أرض عربية أو موقع عربي موضع خلاف بين طرفين عربيين.
فالسيادة لهذه الدولة العربية أو تلك، تظلّ سيادة عربية على أرض عربية، وينبغي معالجته بوسائل سلمية، معتمدة مبدأ التفاوض بنوايا حسنة، الأمر الذي لم تعتمده الكويت للأسف في مناقشاتها مع العراق عام 1990 حول السيادة المتنازع عليها على الجزيرتين «وربا وبوبيان» اضافة الى حقل نفط الرميلة. وكشفت الحقائق لاحقا، أنّ التشدّد الكويتي كان مردّه تحريض بريطاني وربما أميركي أيضاً عززته الرسالة المكتشفة من رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر الموجهة إلى أمير الكويت، تحثه على التصلّب وعدم تقديم تنازلات للعراق، «فأنتم أقوى مما يتصوّرون» كما قالت «تاتشر» في رسالتها سابقة الذكر… مما استفزّ صدام حسين ودفعه الى غزو الكويت وهو أمر مُدان طبعاً كإدانتنا للتصلب الكويتي غير المبرّر … ذاك الغزو الذي بذريعته، وفي مسعى لإنهائه، وقعت حرب عام 1991 التي أدّت إلى تدمير القوة العسكرية العراقية، والى مقتل مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء.
والمعروف أنّ منح السيادة للعراق على الجزيرتين، كان سيساعد العراق على حماية الكويت، بل ودول الخليج قاطبة، من أي خطر إيراني توسعي مستقبلي، الأمر الذي كانت تخشاه دول الخليج، وبسببه حثت العراق وشجعته عام 1980 على خوض حرب السنوات الثماني مع ايران. فهذا يعزز وجود خطأ ما في التصلب الكويتي غير المبرّر، والذي كان بوسعها تفاديه بإيجاد حلول أخرى، اذا لم ترغب بالتنازل عن سيادتها على الجزيرتين، بتأجير الجزيرتين للعراق لعشرين عاماً مثلاً. فقضية التأجير لها سوابق في التأخير، ومنها تأجير غوانتنامو الكوبية لأميركا من قبل العهد السابق عهد سوموزا على العهد الشيوعي الوطني القائم حالياً.
وهنا تتجلى مرونة، بل عبقرية وعروبة التوجه المصري بتعاملها المرن والمسؤول بالنسبة لقضية الجزيرتين. فقد كان بوسعها المماطلة والاحتفاظ بسيادتها عليهما لسنوات عديدة مقبلة، رغم أنّ أهمية الجزيرتين مجرد أهمية استراتيجية ولا جدوى اقتصادية أو سياحية منهما. الا أنّ مصر قد اختارت بعقلانية واضحة، التخلي عن سيادتها عليهما طواعية، ارضاء لشقيقة كبرى… بل وكان توقيتها المفاجئ للإعلان عن ذلك، دون التمهيد له بالكشف عن وجود مراسلات سعودية مصرية حوله، ليتماشى الإعلان مع زيارة العاهل السعودي لها، خلافاً لكلّ ما قيل وتردّد… ضربة معلّم كما يقولون، مما أدّى ربما، لكلّ هذه الاتفاقات التي صبّت جميعها في المصلحة المصرية، سواء جاءت كمكافأة لمصر على خطوتها المباركة، أم جاءت نتيجة لتبدّل سعودي جدّي في استراتيجيتها حول بعض القضايا العربية التي كانت موضع اختلاف في وجهات النظر السعودية المصرية.
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب برلين
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي واشنطن
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين