العلمانية بين التنوير وفتاوى التكفير
نظام مارديني
انتهت الانتخابات التشريعية السورية وسيكون استحقاق إصدار القوانين المدنية من مهمات البرلمان الجديد، ولعل أهم تلك القوانين سيتناول علمانية الدولة، وإضافة إلى كونها محايدة تجاه القضايا المتعلقة بالدين، فهي أيضاً تعامل جميع مواطنيها بشكل متساوٍ بغض النظر عن انتماءاتهم أو تفسيراتهم أو أفكارهم الدينية والعرقية.
في بلادنا تتشكل الهُوية من جديد، ويُعاد تشكيلها لتأكيد «سورنتها» التي ستقتضي شرط المواطنة حين نعاينها من منظور تنويري عقلاني علماني لتكون مسعىً اختيارياً يضمن الاتصال في مجال أنساني رحب ومفتوح على الآخر.
ولأن شرط العلمانية تكريس مفهوم المواطنة في المجتمع السوري الذي صعد فيه الإسلام السياسي إلى السطح بصورة أكدت للعامة من المواطنين أن هذا الإسلام السياسي يعاني من انحطاط قيمي، وهو ما تظهره بوضوح زيادة نسبة التحرش الجنسي، وجرائم الاغتصاب، والنكاح الجهادي والعنف إزاء المرأة، مع زيادة نسب الطلاق، وغياب شبكة الأمان الاجتماعي.. فهل هذه مصادفة؟
لعل متابعتنا للكثير من الفتاوى الدينية تظهر بلا شك مقدار الانحدار الأخلاقي الذي يسبح في مياهه الآسنة ما يُسمى بالإسلام السياسي، وهنا نستعين بإحدى هذه الفتاوى التي نوعاً ما لا تخدش الوجدان العام، وكانت قد نسبت إلى الشيخ السلفي علي الربيعي الذي أفتى في تغريدة غريبة نشرت على تويتر وتقول «إن نزول المرأة للبحر يعتبر زنى وإن من أكبر الكبائر نزول المرأة في البحر حتى لو كانت محجبة، لأن البحر ذكر وبدخول الماء إلى مكان حشمتها تكون قد زنت ويقع عليها الحدّ»!
أين نحن من عصر التنوير في أوروبا الذي ربط منذ البدء هذا العصر بمبدأ التسامح بالعلمانية، أي بالمجتمع المدني القائم في إدارته على فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية. وعلى الرغم من أن بعض مفكري تلك الحقبة انطلق من ثقافة دينية، إلا أن تأويلهم للنصوص المقدسة كان يصب غالباً في تعزيز قيمة التسامح وتأكيدها ببراهين منطقية، عقلانية.
أي أنهم اختزلوا العقل بالعلم وحده، مثلما حاجج بذلك الفيلسوف الفرنسي ـ البلغاري، تودوروف، في صيغة تساؤل: «أهو أمر مشروع أن نرى في العلم سيد الحقيقة الأوحد؟».
لقد كان العقل الأوروبي مكبلاً بالأغلال والأوهام والأساطير، وكانت السلطتان الكنسية والملكية، تحجبان عن الناس التزود بالمعرفة الحقة، لذلك استعان المفكرون الفرنسيون وهم يمهدون لثورة التنوير بكل الذخائر الفكرية والفلسفية والعلمية الإنسانية لكي يتحرّروا من سيطرة لاهوت القرون الوسطى واستبداد الملكية، معتمدين على إعمال العقل والفكر النقدي في معالجاتهم الفكرية والحياتية، ومتحدين بنحو صارم كل مقولات الفكر الدوغمائي المتخلّف، لقد استفاد صانعو أسس الدولة الحديثة من النظريات العقلانية لنقد الواقع وتشييد واقع سياسي واجتماعي جديد بما يجعل المستقبل واعداً من خلال مساهمة فعالة لكل العلوم.
كانت حروب الثوار والمفكرين مع السلطتين الملكية والكنسية دامية ومرعبة إلى درجة جعلت أحد ابرز التنويريين الفرنسيين وهو دينيس ديدرو يقول: لن يتحرر البشر إلا عندما يتم خنق آخر مَلِكٍ بأحشاء آخر رجل دين!!
فمتى تلتفّ أحشاء الإرهابيين على ألسنة شيوخ الفتاوى فيخرسون؟