الأخطار التـي تواجه الانتفاضة الفلسطينية

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

على الرغم من كل قوة وجبروت وطغيان الاحتلال وما استخدمه ويستخدمه من إجراءات وممارسات قمعية وإجرامية باتت أكثر «تغولاً» و«توحشاً» مثل:

عمليات الإعدام الميداني التي رأينا آخرها بحق الشهيد عبد الفتاح الشريف، وجدنا أن «إسرائيل» تفشل بقوة في إخماد ووأد هذه الانتفاضة التي أصبحت ترى فيها تحدياً وجودياً لها كما هو حال حركة المقاطعة BDS .

«إسرائيل» فشلت في إنهاء الانتفاضة، وفي المقابل، نحن حتى اللحظة الراهنة فشلنا بامتياز، كقوى وأحزاب، في تحويل الاشتباك الانتفاضي إلى خيار سياسي يتجاوز أوسلو والانقسام. وما زال هذا الاشتباك الانتفاضي يسير من دون قيادة وأهداف وطنية موحدة، وتغيب عنه الركائز الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية الموحدة.

الانتفاضة تتعرض لمخاطر جدية عدة، يراد منها ذبحها، فالاحتلال «المتوحش» في ظل سلطة منهارة يصعّد من هجومه السياسي، وفي الجانب الآخر يستخدم أقصى قوته العسكرية والأمنية لكي يسحق بأقصى سرعة عصب الانتفاضة، وقادتها الميدانيين، ويطوّع ويخترع ويشرع قوانين «قراقوشية» ويتخذ قرارات عنصرية مغرقة في التطرف لخدمة هذا الهدف، حيث نشهد تصاعداً في عمليات الإعدامات الميدانية بشكل سافر، مثل: محمد أبو خلف في باب العامود بالقدس بوابة دمشق وعبد الفتاح الشريف في الخليل، واستمرار احتجاز جثامين شهداء القدس الـ 14 ، الذين مضى على وجود بعضهم في ثلاجات الاحتلال ستة أشهر. كما ترك الشهداء ينزفون حتى الموت، بينما الاعتقالات مستمرة، وبالذات اعتقال الأطفال القاصرين، وتوسيع دائرة الاعتقالات الإدارية والإبعاد عن الأقصى والقدس، والهجوم الاستيطاني المتصاعد كـ«البلدوزر» والملتهم للأراضي الفلسطينية، والمصادقة بالقراءة الأولى على إبعاد أهالي الشهداء إلى خارج الضفة الغربية والقدس، وهدم منازل أهالي الشهداء والأسرى، وتوسيع طائلة العقوبات الجماعية، حيث تشمل فرض حصار مشدد على البلدات التي يخرج منها الشهداء، وسحب تصاريح العمل والعلاج من أبناء البلدة …إلخ.

الخطر السياسي على الانتفاضة يتأتى من أطراف معنية عدة بوقف مفاعيلها وتطوراتها، لأنّ من شأن استمرارها وتصاعدها خلق حالة من عدم الاستقرار في الدول المحيطة بفلسطين وبالذات مصر والأردن، واستعادة القضية الفلسطينية لمكانتها كحلقة مركزية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأن تصبح على رأس الاهتمام الدولي، بعد النجاح في تغييبها فترة طويلة، الأمر الذي يتعارض مع سلم الأولويات الأميركية والأوروبية الغربية والإقليمية والعربية التي باتت ترى أنّ الأولوية للصراع والحروب المذهبية والطائفية وحروب التدمير الذاتي العربية، والمسألتين السورية والعراقية، ولذلك سعت أميركا لممارسة أكبر قدر من الضغط على السلطة الفلسطينية، لكي تعمل على وقف الانتفاضة، ومنع تطورها وتصاعدها واتساع نطاقها وشموليتها، والمساعدة الجدية من أجل السيطرة على الوضع. وعلى الرغم من أن السلطة، حسبما قالته الحكومة الإسرائيلية وأجهزة أمنها، أحبطت أكثر من 40 من العمليات ضدّ الإسرائيليين جنودا ومستوطنين ، وأبعد من ذلك ما ذهب إليه الرئيس أبو مازن من أنّ الأمن الفلسطيني بات يفتش حقائب طلبة المدارس وصادر أكثر من 70 سكّيناً! فإن كلّ ذلك لم يجعل أميركا تمارس أي ضغوط جدية على «إسرائيل» من أجل وقف الاستيطان أو حتى إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل «أوسلو»، الذين عطل نتنياهو إطلاق سراحهم، عندما أفشل المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمدة تسعة شهور، بل كان يريد العودة إلى المفاوضات من دون أي شروط، مع تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عما يسمى العمليات الإرهابية، وتبني الموقف الإسرائيلي ومفاده أنّ «إسرائيل» تدافع عن نفسها في وجه «الإرهاب» الفلسطيني! ولذلك وجدت السلطة أنّ عودتها للمفاوضات، هي ربح صاف لـ«إسرائيل»، وغطاء لها من أجل الاستمرار في الاستيطان، ولم تتمكن أميركا من تحقيق هدفها بوقف الانتفاضة لأنها لم تقدّم للسلطة الفلسطينية سوى الوعود الفارغة الجوفاء التي خبرتها جيداً.

أما الخطر الآخر فهو «إبر المورفين» والتخدير والرشى الاقتصادية للمنتفضين والشعب الفلسطيني، من خلال زيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين، والتصاريح للتجار وغيرهم، بما يوهم بأنّ تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال من شأنه أن يوقف الانتفاضة، ولكن هذه الانتفاضة، لم تكن دوافعها الفقر والبطالة والجوع، بل الاحتلال واستمرار وجوده، هو جوهر قيام هذه الانتفاضة، واستمرارها.

وكذلك تواجه الانتفاضة خطر الخفوت والهبوط في ظل غياب القيادة الوطنية الموحدة، وتعمق وتكرس الانقسام وشرعنته، كمشروع تفكيكي للحقوق والخريطة، واستمرار التنسيق الأمني وتطوره والإصرار على بقائه وفق تصريحات قيادة السلطة الأمنية والسياسية.

والخلاصة، إننا كشعب فلسطيني مع دخول الاشتباك الانتفاضي شهره السابع، فإن صراعنا مع المحتل ما زال في مربّعه الأول، وما زلنا كشعب نواجه تحدياً وجودياً وليس سياسياً فقط، مرتبطاً باستمرار إنكار قادة الاحتلال وجود الشعب الفلسطيني، تأسيساً على إيديولوجيا «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، الذي نجم عنه نجاح الحركة الصهيونية في إنشاء، وتوسيع حدود، كيانها الغاصب «إسرائيل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى