اسطنبول: فشل المصالحة التركية المصرية وتردّد باكستاني يُحبطان السعودية سلام موعود بسلمان بعد حكم سماحة… والمحكمة الدولية تستعدّ لاتهام نصرالله

كتب المحرر السياسي

لم تشهد استحقاقات حلب وجنيف في المسارين العسكري والسياسي تباعاً ما يجعل من أحدهما حدثاً سورياً، ففي حلب تستمرّ الاستعدادات في الأرياف الجنوبية والشمالية لمواجهة، لا يبدو ممكناً توقع موعدها، وفي جنيف تبدأ الجولة بوصول الوفد السوري الرسمي برئاسة السفير بشار الجعفري يوم غد الجمعة، فيما يملأ المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وقته، والصفحات الفارغة من ملفاته بمحاضر جلساته مع وفد جماعة الرياض التي يبدو من مواقفها المعلنة أنّ جنيف سيراوح مكانه في انتظار أن تقول حلب كلمتها بتصفية آخر جيوب التدخل التركي وآخر معاقل «جبهة النصرة» في إدلب، باعتبارهما السند المادي الذي يمنح جماعة الرياض موطأ قدم في الجغرافيا السورية.

الانتخابات التشريعية السورية صارت هي الحدث، بصفتها استحقاقاً سورياً مئة بالمئة، لم ينجُ من انتقادات بعض الحلفاء ونصائحهم بتأجيله، وكان محور هجمات وضغوط متعدّدة في جبهات الغرب من واشنطن إلى لندن وباريس، وشكل الإصرار على إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري في موعده رسالة متعدّدة الأبعاد، طغت على البعد الداخلي فيه، الذي يدور حوله نقاش تفصيلي لاستخلاص العبر والدروس لتمرين ديمقراطي تحتاجه سورية لمعاركها المقبلة، وتحتاج للإفادة من كيفية جعله قادراً على حشد أوسع الشرائح الشعبية إلى الإيمان بالسياسة وممارسة العملية الانتخابية بما يتخطى وظيفة الاستفتاء على الخيارات التي غلبت على هذا الاستحقاق، الذي نجح السوريون في تقديمه دليلاً على فهمهم وممارستهم للتحالفات ضمن مفهوم الحفاظ على القرار السيادي المستقلّ، فلا أحد يملك قرار سورية السيادي إلا سورية نفسها، وبرغم حجم عمق التحالف الذي يربطها بمن تقاتل معهم في خندق واحد منذ سنوات ولا تزال، فسورية ليست ورقة بيد أحد ولا يمكن لأحد أن يقرّر بصدد مناصبها السيادية ومؤسساتها الدستورية بالنيابة عنها، كما نجح السوريون في إيصال رسالة تؤكد للخارج أنّ الشعب الذي يحتضن الجيش ويقاتل في وجه الإرهاب، لا يزال رغم كلّ التضحيات والمعاناة بوجوهها المتعددة ممسكاً بالبوصلة السياسية لسورية الموحدة والسيدة ولدولتها المدنية العلمانية العابرة فوق المناطق والطوائف والأعراق. وهذا ما يؤكده كلّ من تناول الانتخابات، من مختلف المشارب السياسية، بمن في ذلك من تناولوا العملية الانتخابية بانتقادات إجرائية أو بتمنيات وتطلعات تحت عنوان كي تكون أفضل، فبقي الإجماع على المضمون السياسي للرسائل السورية، كما اختصرها الرئيس السوري بشار الأسد، بقوله إنّ هذه الانتخابات هي وجه من وجوه الكفاح الذي يخوضه السوريون ضدّ الإرهاب، وتأكيد على فشل الحرب التي استهدفت سورية في تحقيق أهدافها وخصوصاً النيل من الهوية الجامعة للسوريين، التي عبّرت عن ذاتها في الانتخابات بينما قال رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، إنّ مشاركة السوريين في هذه الانتخابات انتصار للقرار السيادي السوري وهذا الانتصار يوازي بمفاعيله انتصارات الميدان التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في مواجهة الإرهاب.

ليس بعيداً عن حدود سورية الشمالية، حيث تترقب عيون الرئيس التركي رجب أردوغان بقلق وخوف، يترأس اليوم القمة الإسلامية في اسطنبول، حيث ينعقد رهان سعودي على إنجاز حلف في وجه إيران فيما روّجت الصحافة السعودية، لجعل القمة الإسلامية المرتقبة محكمة لإيران وحليفها حزب الله اللبناني، كما كتبت مقالاتها الافتتاحية، وتنبّأت بتحوّل المصالحة المصرية التركية، التي سيرعاها الملك سلمان بن عبد العزيز، بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب أردوغان، قبل أن تحمل أنباء القاهرة أخباراً معاكسة أحبطت الرهان السعودي، مع حملة الاحتجاج التي تجتاح الشارع المصري والجيش وأركان الدولة على فكرة المصالحة، خصوصاً في ظلّ التبنّي العلني التركي لجماعة «الإخوان المسلمين»، والكلام التركي الفجّ عن انقلاب عسكري في مصر وعدم الاعتراف بشرعية الحكم والرئاسة فيها، ليُضاف ذلك إلى البلبلة التي تعيشها مصر في قضية الجزر التي وقّعت على التنازل عنها للسعودية، بصورة وضعت تحت المجهر كلّ خطوة تبدو مجرّد مسايرة مصرية للسعودية لاعتبارات مالية تُشعر المصريين بالمهانة وتستعيد مناخ التعامل القطري مع مصر أيام حكم «الإخوان».

الغياب الرئاسي المصري عن القمة يترافق مع حضور الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني، رغم كلّ الحرب الإعلامية السعودية التي بدت حرباً نفسية لدفع إيران إلى التسليم بخسارة جولة اسطنبول وتفادي المواجهة، ويصل الرئيس روحاني على خلفية ما أنجزته زياراته السابقة لكلّ من تركيا وباكستان، بعد التصعيد السعودي ضدّ إيران وقطع العلاقات الدبلوماسية، وتقدّم تركيا وباكستان بمبادرات وساطة رحّبت بها إيران وتشكلت لجان ثنائية لمتابعتها.

لبنان المشارك في القمة بوفد يترأسه رئيس الحكومة تمام سلام موعود بلقاء سلام مع الملك السعودي، خصوصاً بعد الحكم الذي صدر بحق الوزير السابق ميشال سماحة، بعدما كان الحكم السابق قد وضع من قبل وزير الخارجية السعودي عادل جبير في الأسباب الموجبة لتدهور العلاقات وحجب الهبة المالية المخصصة لتسليح الجيش اللبناني، دون أيّ اعتراض من لبنان على هذا التدخل السافر في شأن القضاء اللبناني الذي وصفه الجبير بالتابع لقيادة الجيش والخاضعة لهيمنة حزب الله ما يستدعي وقف الهبة، لتسليح الجيش. وبعدما عملت الحكومة بموجب وصفة الجبير تنتظر أوساط حكومية علامة الرضا السعودية باستقبال رئيس الحكومة، الذي تؤكد مصادره أن لا موعد للقاء بعد.

ولبنانياً أيضاً تفاعل سياسياً وشعبياً ما تسرّب عبر ما نشرته صحيفة «روز اليوسف» المصرية، وعمّمته قناة «أم تي في» اللبنانية، عن قرار المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان توجيه الاتهام للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باعتباره صاحب القرار في الحزب الذي تقول لوائح المدعي العام للمحكمة إنّ الذين وجّه إليهم الاتهام من أعضاء وقيادات الحزب لا يمكنهم القيام بما يوجه إليهم من اتهام دون قرار من الأمين العام، والقرار في حال صدوره سيرتب وفقاً لمصادر متابعة تصعيداً في التعامل بين حزب الله والمحكمة الدولية، تقدم عليه المحكمة، دون أن تمتلك السيناريوات التي سيردّ بها الحزب على هذا التصعيد.

سلام إلى اسطنبول…

توجّه رئيس الحكومة تمام سلام إلى اسطنبول يرافقه وفد وزاري ضمّ الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل وأكرم شهيب ومحمد المشنوق، للمشاركة في قمة منظمة التعاون الإسلامي التي تنعقد اليوم.

ونفت مصادر وزارية لـ»البناء» علمها بما تردّد عن لقاء على هامش قمة اسطنبول، سيجمع سلام مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للبحث في العلاقة بين لبنان والمملكة السعودية، مؤكدة أنه لم يتم تحديد موعد لهذا اللقاء.

وحول موقف رئيس الحكومة والوفد الوزاري من أي قرار يصنف حزب الله تنظيماً إرهابياً في القمة، أجابت المصادر: ربما يكون الموقف كما المواقف السابقة في المؤتمرات السابقة، لكن فلننتظر ماذا سيُطرح في القمة وبناءً عليه سيتخذ سلام القرار المناسب.

وكشفت المصادر أن هناك «أطرافاً داخلية تعمل على ترطيب أجواء العلاقة بين لبنان ودول الخليج وخصوصاً مع السعودية بعد الأزمة التي مرّت بها العلاقة منذ أشهر حتى الآن»، وشدّدت على أن «هناك قلقاً لدى اللبنانيين في الداخل من تأزم هذه العلاقة، كما لدى اللبنانيين العاملين في دول الخليج، وعمل الحكومة وسلام ينصبّ على تطويق تداعيات تأزم هذه العلاقة وعدم انعكاس ذلك على لبنان اقتصادياً».

عسيري: نشجّع أي مبادرة رئاسية

وفي موازاة ذلك، برزت مواقف للسفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري اتسمت بالتهدئة، حيث شدّد على أن «العلاقات بين السعودية ولبنان تاريخية وعميقة». وجدد التأكيد على حرص المملكة على لبنان ووحدة الصف فيه وعلى الحوار اللبناني – اللبناني كي يصل إلى الحلول البناءة في ظل مرحلة إقليمية ودولية صعبة». وأشار عسيري، بعد زيارته الرئيس سعد الحريري أن «المملكة شجّعت ولا تزال أي مبادرة وأي تحرك جدي يؤدي إلى تعجيل انتخاب رئيس للجمهورية».

قرار جديد للمحكمة الدولية؟

على صعيد آخر، ومواكبة للضغوط الخليجية على حزب الله وتزامناً مع مؤتمر القمة الإسلامية في اسطنبول الذي من المتوقع أن يصنف حزب الله تنظيماً إرهابياً، تردّدت معلومات عن أن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري انتهت قبل أيام، من صيغة قرار يُنتظر إعلانه قريباً، بضم كل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبعض الشخصيات في الدولة السورية إلى لائحة المتّهمين باغتيال الحريري.

وسيلة جديدة للضغط على حزب الله

وعلقت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» على هذه المعلومات، واعتبرت أن «هذا القرار الجديد للمحكمة إن صدر، يأتي في ظل الهجمة الدولية الممنهجة التي تشن على حزب الله في هذه المرحة بالذات لمحاولة الالتفاف على الدور المؤثر الذي يؤديه الحزب في أكثر من ساحة لمواجهة المؤامرة الأميركية التفكيرية»، وشدّدت على أن «هذه الهجمة تأخذ أشكالاً وأوجهاً مختلفة ومتعددة أبرزها الهجمة الخليجية الشرسة على حزب الله وإعادة تفعيل المجموعات الإرهابية في سورية ووسائل أخرى يجري استنباطها وقرار المحكمة المتوقع يأتي من ضمنها كوسيلة جديدة للضغط بعد فشل كل الوسائل السابقة في تحقيق أهدافها».

اتهام نصرالله يحتاج لتقييم جديد

وعن كيفية مواجهة قيادة حزب الله لهذا القرار، رأت المصادر أن «الحزب لديه قواعد معروفة في التعاطي مع المحكمة الدولية وهو يعتبرها غير موجودة ولا يعترف بها ولا بشرعيتها ولا بأحكامها وقراراتها، ومتيقن من أن أهدافها مشبوهة، وبالتالي غير معني بإصدار ردة فعل خارج هذه المعايير، أما إذا تم توجيه الاتهام مباشرة إلى السيد نصرالله كما يُشاع فعندها لكل حادث حديث».

واستبعدت المصادر أي تداعيات سلبية للقرار على الساحة المحلية، وأضافت: «إلا إذا كان هناك قرار فعلي بتوجيه الاتهام إلى السيد نصرالله وحينها يحتاج الأمر إلى تقييم جديد على ضوء الحدث والمشهد الأكبر في المنطقة الذي يأتي الاتهام من ضمنه».

هولاند في بيروت بعد غد السبت

وفي غضون ذلك، يصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى بيروت يوم بعد غد السبت في إطار زيارة يقوم بها إلى المنطقة.

وأكد السفير الفرنسي ايمانويل بون أن «زيارة الرئيس هولاند للبنان ستكون تأكيداً جديداً على الموقف الفرنسي الداعم للبنان وشعبه وأن فرنسا تقف إلى جانب لبنان تكريساً للعلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين وتزداد تجذراً يوماً بعد يوم».

زيارة محصورة بموضوع النازحين

وأشارت مصادر مطلعة على الزيارة لـ«البناء» إلى أن «زيارة هولاند محصورة بموضوع النازحين السوريين وللاطلاع على أحوالهم وعلى الخدمات الاجتماعية والمعيشية والصحية التي يتلقونها وللاطمئنان إلى عدم تفاقم وضعهم الإنساني كي لا يؤدي ذلك إلى نزوحهم باتجاه أوروبا».

ولفتت المصادر إلى أن «الرئيس الفرنسي سيطلب من المسؤولين اللبنانيين خلال لقائه بهم ضمان استقرار الوضع الإنساني في المخيمات، وسيؤكد لهم اهتمام فرنسا بوصول المساعدات الدولية المخصصة إلى لبنان».

وأضافت أن «الرئيس الفرنسي سيعمل على استغلال ملف النازحين خلال زيارته إلى لبنان كما استغل الكثير من الملفات لاستثمارها في الانتخابات الفرنسية»، ونفت المصادر أن «تكون للزيارة أي علاقة بالملف الرئاسي بل إن الهدف المركزي لها هو أخذ الصور مع النازحين السوريين».

بري: لتفعيل المؤسسات

وأطلع رئيس مجلس النواب نبيه بري العائد من مصر النواب خلال لقاء الأربعاء، على أجواء اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين المصريين وفي مقدمهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما في أجواء مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الذي رأسه في القاهرة وتفاصيل ما دار في المؤتمر والمقررات التي صدرت عنه إن بالنسبة للبنان أم للتطورات في الوطن العربي والقضية الفلسطينية.

وشدّد الرئيس بري كما نقل عنه نواب الأربعاء لـ«البناء» على «ضرورة تفعيل عمل المؤسسات لا سيما المجلس النيابي والجلسات التشريعية حرصاً على استمرار مصالح المواطنين الاجتماعية والحياتية وتحصيناً للوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه لبنان في ظل الوضع المتوتر في المنطقة».

كما أشار بري إلى ضرورة عقد لقاءات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين وذلك للتقريب بين السعودية وإيران وتصحيح العلاقة بينهما للعمل على تسوية ملفات وأزمات المنطقة.

ولفتت المصادر إلى أن بري لم يتطرّق إلى أي جديد على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي يحافظ على جموده ومراوحته في مكانه في الوقت الحالي.

هل يُنتخب رئيس في أيار؟

ورجّحت مصادر مطلعة على الملف الرئاسي لـ«البناء» أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في أيار المقبل، محذرة من استمرار الفراغ في الرئاسة الأولى منذ عامين وخطره على لبنان في المجالات كافة. وأشارت المصادر إلى أن «إنجاز هذا الاستحقاق لا يتم من دون اتفاق بين القوى الإقليمية والدولية والمحلية بما يشبه اتفاق الدوحة».

الحل بعون أو عنده…

واعتبرت المصادر أن القوى المحلية كافة ستعمل على إتمام هذه التسوية لاستعجالها التوصل إلى حل للأزمة الرئاسية، وشدّدت على أن «الحل سيكون بانتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أو أن الحل سيكون عنده»، موضحة أن «العماد عون وحزب الله سيعملان على إيجاد الحل في نهاية المطاف إذا تعذّر وصول عون إلى قصر بعبدا في الوقت الحالي». مرجّحة خيار انتخاب رئيس وسطي يوافق عليه عون أكثر من خيار انتخاب رئيس ينتمي إلى فريق سياسي معين.

ملف «أمن الدولة» معلّق

حكومياً، لا جديد بانتظار عودة الرئيس سلام والوفد المرافق من قمة اسطنبول، ومن المتوقع أن تعقد جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل لاستكمال البحث في بنود جدول الأعمال، على أن يوضع ملف جهاز أمن الدولة بنداً أول. وفي السياق، نفى وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء» أي تقدم على هذا السياق، مؤكداً أن الاتصالات للتوصل إلى حل مجمّدة والملف معلّق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى