حالات نفسية مركّبة تصيب أطفال غزّة نتيجة القصف «الإسرائيلي»
حسام زيدان
بعدما وصل عدد ضحايا حرب الكيان «الإسرائيلي» المفتوحة على قطاع غزة إلى أكثر من 1400 شهيد، وفاق عدد الجرحى الـ8000 جريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، يطلّ علينا مشهد الحرب في غزة من نافذة أخرى، إذ أصبحت خليطاً عجيباً من الفقر والشعور بالعجز واليأس والفقدان والألم، ما يشير إلى نتائج كارثية في القطاع وعموم فلسطين على الصحة النفسية للأطفال والأجيال المتلاحقة. صحيح أن آثار الحرب الجسدية والمادية أكبر بكثير من أن يتخيّلها عقل بشري بعدد كلمات مقال، لكن الأخطر والأكثر إلحاحاً هو الوضع النفسي لأطفال غزة أثناء الحرب وما بعدها، فأطفال غزة يعيشون لحظة بلحظة صدمات ستظهر نتائجها فعلياً في المستقبل القريب والبعيد. فبعد مشاهد الجرحى والشهداء وأصوات القصف المدفعي والجوي للبيوت والمدارس والمستشفيات والشوارع ، عدا قصف الكيان «الإسرائيلي» بيت الطفل الذي يشكل أساس الأمان في نظره وفقدان أهم ملامح تكوين شخصيته بأغراضه الشخصية وملابسه وكتب دراسته وألعابه، أو فقدان أحد والديه أو كليهما، بالإضافة الى شعوره الدائم بالحرمان من الكثير، وخاصة الأمان والحاجات الإنسانية البسيطة من مسكن وسواه. كبر أطفال غزة في هذه الحرب قبل أوانهم، ونحتاج بجهود حثيثة إلى سنين طويلة لترميم هذه الفجوة النفسية العميقة، ففي دراسة أولية بلغ عدد شهداء غزة أ كثر من 1400 شهيد، وبينهم ما يزيد على 220 شهيداً من الأطفال، وأكثر من 8000 جريح، أي أن خمس الشهداء والجرحى هم من الأطفال، ما يشكل اكتمالاً لعناصر الصدمة النفسية في المشهد الدامي في غزة، بحسب اختصاصيين نفسيين يعملون في القطاع. ويؤكد عبد الكريم عادل المتخصص في علم النفس من غزة، إن حال الصدمة مركبة إذ تشمل أصوات تفجيرات وطائرات حربية ومشاهد دماء ودمار، وجرح أحد الوالدين أو وفاته وفقدان صديق أو تهدم المنزل أو الإصابة الذاتية بأذى، وهذا بحسب عبد الكريم عادل مشهد مركب ومتكرّر على مدى أيام متتالية أثناء الحرب الهمجية التي يشنّها كيان الاحتلال على غزة. ويوضح عادل أن الصدمة النفسية التي تصيب أطفال غزة تترافق مع اضطرابات صعوبة التأقلم النابعة من عدة طروف، مثل فقدان الأهل والمدرسة وفقدان الأمان، ما يعني للصدمة تبعاتها القريبة جداً، ولن تنتهي بوقف الحرب، وهذا يدلّ على صعوبة الموقف وضرورة التدخل الإنساني العاجل في القطاع، فذاكرة الطفل ستظهر بعد فترة قصيرة من الزمن على شكل رهابات أو خوف أو اضطراب في الشخصية، أو اضطرابات في السلوك وعدوانية شديدة. ويرى عادل أن أطفال غزة الآن في حالة ارتباك شديدة بعد انكسار مفهوم الموت الذي كان سائداً في أذهانهم، مبيناً أن الأطفال في الفئة العمرية من خمس إلى عشر سنوات يعتقدون أن الموت لا يصيبهم ولا يصيب الأطفال في عمرهم ولا يصيب أحباءهم، ما يستدعي تدخلاً نفسياً عاجلاً من خلال برنامج نفسي لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة ومن أنشطة التفريغ النفسي، إذ تبين من خلال المقابلات الإرشادية والجلسات مع الفئة المستهدفة بالدعم النفسي أن ثمة تراجعاً عاماً في معدل الصحة النفسية لدى الأفراد من مختلف الأعمار، وأن الناس مصابون بحالة من الاكتئاب واليأس النفسي إلى درجة متقدمة إذ لا يستخدمون مدلولات الحياة اليومية، الناس هنا لا يعيشون، بل ينتظرون فحسب دورهم موتاً، استناداً إلى أقوالهم في إحدى الجلسات الإرشادية في مراكز الإيواء. ويستشهد عادل بإحدى الأمهات إذ تقول «فقدت جميع أولادي، وأنتظر الالتحاق بهم». ونتيجة لذلك، يشير عادل إلى دراسة تُظهر أن أكثر من 95 في المئة من الأطفال في مراكز الإيواء يحتاجون إلى علاج ورعاية نفسية متقدمة ، إذ لديهم مفاهيم عدوانية خطيرة. بينما تشير دراسة أخرى إلى أن أكثر من90 في المئة من الأطفال، وبخاصة الإناث، لديهم حالات تبوّل لا إرادي ليلي، وهذا ناتج من حالات الخوف الشديد والرعب التي يعيشونها ليلاً، وتؤكد دراسة ثالثة أن أكثر من 30 في المئة من الأفراد يرفضون تناول الحاجات الأساسية داخل المراكز مثل وجبات الطعام اليومية، ما يدلّ على خطورة الحالة النفسية لديهم. فيما يعاني عدد كبير من الأطفال حالات من شرود الذهن العام وهذا منتشر لدى ألوف من الأطفال، فالأطفال لا يظهرون بقدراتهم العادية خلال الأنشطة اليومية. ويناشد عبد الكريم عادل المنظمات الدولية والإنسانية التدخل السريع في غزة، عن طريق أفراد وطواقم مدرّبين ومجهزين علمياً، كون الأفراد عامة، وفي مراكز الإيواء خاصة، يحتاجون إلى علاج نفسي على أيدي اختصاصيين نفسيين ماهرين للخروج من حالة الاكتئاب النفسي وحالة الدمار الشعوري، كي يتمكنوا من استئناف حياتهم على نحو شبه طبيعي، إذ من المؤكد أنهم لن يستأنفوها البتة على نحو طبيعي.