تركيا والسعودية… والحرب على سورية

عيد الدرويش

تلعب العلاقات الدولية والمصالح دوراً مهماً في تقارب الشعوب، وإنْ كانت متباعدة جغرافياً، ومن باب المصالح أيضاً تؤدّي بها إلى التباعد وإنْ كانت متقاربة، أو متجاورة جغرافياً، وقد تصل في ما بينهما بما صنع الحداد، فضلاً عما يتسبّب في ذلك أو يغيّر في الموازين عندما يرتهن لعلاقات هي أكثر قوة وتأثيراً على تلك المصالح، فهذه حال تركيا اليوم، كما كانت حالها في الماضي، ولن يستقرّ أمرها ما دام هناك تداخل في العلاقات، وتبقى حبيسة مكونات اجتماعية وتاريخ متخمة بالمآسي التي تؤرق ساستها، والناظر اليوم إلى تركيا وموقعها الجيبوليتيكي، يدرك طبيعة الأفعال التي يقوم بها النظام التركي، فضلاً عن ماضيها السياسي الذي شكل حالة عداء دائم، وعلى مستقبلها التي بدأت تظهر ملامحه، من خلال الدور الذي قامت به في المساهمة الكبيرة لإدارة الحرب على سورية، وهي رأس الحربة لحلف شمال الأطلسي للنزاع في الشرق الأوسط، كما تهدف لإعادة شهوة السلطنة العثمانية في الوقت الحاضر وأردوغان كان من يمثل هذه الرغبات، وقد تلاقت هذه المصالح وفق الظروف الدولية التي تعاونت معها، حكومة أردوغان هي من هيّأت الظروف.

لقد بقيت العلاقات مقطوعة مع كلّ الحكومات التركية مع سورية، وكانت تشهد سخونة في بعض المراحل، إلى أن تحسّنت العلاقات السورية التركية في عام 2000 عندما زار الرئيس التركي السابق أحمد نجدت سيزر معزياً الرئيس بشار الأسد برحيل القائد المؤسس حافظ الأسد، وشهدت هذه العلاقة انفتاحاً كبيراً على تركيا، في التبادل التجاري بين البلدين، والزيارات المتبادلة بينهما، ولكن لم تدم هذه العلاقة، إلا أنّ تركيا استعدّت للمشاركة في الحرب على سورية، مع بعض الأنظمة العربية، وفتحت أبوابها لجميع المرتزقة من كافة أنحاء العالم، وجعلت الحدود السورية التركية ممراً لدخول الإرهابيين المتطرفين إلى سورية لقتل الشعب السوري وتدمير البنى التحتية السورية وسرقت معاملها، كلّ هذه المواضيع وأكثر عن الدور التركي الذي لعبته تركيا بالتآمر على سورية والعراق، وتنفيذ مخطط «الشرق الأوسط الكبير» كان من المفروض أن تكون تركيا الدولة النموذج لـ«الإسلام المعتدل» وما مسرحية مؤتمر دافوس في وجه الرئيس «الإسرائيلي»، وحادثة سفينة «مرمره» بإظهاره بالقبول السياسي في العالم العربي، ما هي إلا تمثيل وخداع للشعوب العربية، والتقرّب منها ليتمكن من تنفيذ برنامجه السياسي بكلّ يسر وسهولة.

فالدعم التركي للمعارضين وفّر دعماً استخباراتياً، وتبيّن التعاون بين الاستخبارات التركية، مع دوائر استخبارات الدول الأخرى، واستضافت غرف عملياتها، وكانت أكبر حليف لأميركا في خطة الهجوم على سورية، وذلك لأنّ لها حدوداً برية مشتركة مع سورية بطول 900 كم، وكذلك لأنها الدولة الوحيدة التي تنفذ كلّ ما يقولونه دون أيّ اعتراض، ومن جهة أخرى، فهي موعودة بمشروع اقتصادي من خلال خط غاز «نابوكو» ففتحت كلّ أراضيها للمجموعات المسلحة، وكانت أكثر الجهات التي تدعم المجموعات المسلحة تحت مسمّى «المساعدات الإنسانية»، وذلك بسبب الدعم المفتوح الذي تناله من الحكومة التركية، وبدعم رسمي من النظام السعودي والقطري، وهو ما أكده الرئيس الأسد في حديثه لصحيفة «نوفوستي» و«سبوتينيك» الروسيتين في 31 آذار2016، حيث تقوم تركيا بدعم الإرهابيين بشكل مباشر يسمح لهم بالتنقل داخل الأراضي التركية للقيام بمناورة عسكرية بدباباتهم وليس فقط كأشخاص تقدّم لهم الأموال عن طريق السعودية وقطر طبعاً عبر تركيا التي تقوم ببيع النفط الذي تسرقه «داعش» .

تركيا في التاريخ المعاصر

لقد شكلّ تاريخ في عام 1923 تحوّلاً كبيراً في حياة تركيا، فقد انتقلت من الدولة الدينية، إلى الدولة العلمانية على يد مصطفى أتاتورك، وقد تولى أتاتورك منصب الرئيس من عام 1923 ولغاية 1938 وبقيت هذه الحكومات محافظة على المنهج العلماني، في مواجهة الإسلام السياسي، واقتصر النشاط الديني على مؤسسة دينية تشرف على تعيين الخطباء وأئمة المساجد لصلاة يوم الجمعة.

وبعد وفاة أتاتورك عام 1948 بدأ تغيّر المشهد السياسي والانفتاح، ليتولى الرئاسة عصمت انونو الذي سمح بإنشاء الأحزاب السياسية، التي كانت محظورة في عهد أتاتورك، ما عدا حزب الشعب الجمهوري، وقام عدنان مندريس بتأسيس الحزب الديمقراطي، وهو الخارج من الأتاتوركية سنة 1945 وشارك هذا الحزب في الانتخابات عام 1946 وحصل على 62 مقعداً، ثم شارك في انتخابات عام 1950 ليفوز بالأغلبية، ليشكل على أثرها مندريس حكومة وضعت حداً لهيمنة أتاتورك، وتمّ تخفيف الإجراءات العملية، ويدخل التدريس الديني في المدارس العامة، وفتح معهد ديني ومراكز تعليم وحفظ القرآن الكريم.

لقد وضع مندريس أول لبنة للإسلام السياسي، واستغلاله للوصول إلى السلطة، على الرغم أنه سار على منهج العلمانية الأتاتوركية، التي أوصلت تركيا إلى قلب العالم الغربي في حلف شمال الأطلسي، فقد قدم للغرب إسهامات كبيرة بشكل عام، ولأميركا بشكل خاص، فضلاً عن معاداته للحركة القومية العربية في عهد جمال عبد الناصر.

في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي كانت إجراءات مندريس قد استفزت القوى العلمانية التي تمكّنت من حشد قوى اجتماعية، ولا سيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة الحكومة أدّى إلى إحداث شغب ومظاهرات كبيرة في أغلب المدن التركية، وفي صباح 27 أيار 1960 تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، وتوقف نشاط الحزب الديمقراطي، واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية علي بايار مع عدد من الوزراء، وحكم على رئيس الجمهورية بالسجن مدى الحياة وعدنان مندريس بالإعدام مع وزير خارجيته فطين رشدي ووزير ماليته حسن بلاتقان وكانت التهمة اعتزامهم قلب النظام العلماني، وتأسيس دولة دينية، وتأسيس تيار يستغلّ الدين الذي كاد أن يطيح بعلمانية أتاتورك.

استؤنفت الحياة السياسية في عام 1961 بدستور جديد، واتسع عمل الجهات اليمينية واليسارية القومية، وظهور تيار الإسلام السياسي، أدّى إلى قلب المشهد السياسي التركي، وبدأت تتشكل هذه الأحزاب، وعام 1970 وظهر حزب نجم الدين أربكان وقام بتأسيس حزب النظام الوطني وكان برنامجه ذا ميول دينية، إلا أنّ انقلاباً عسكرياً أطاح بحكومة سليمان ديميريل وحظر حزب أربكان مع حزب العمال اليساري، وترافقت مع تعديلات دستورية.

ولكن أربكان عاد إلى الواجهة من جديد، وأسّس مع دعاة الإسلام السياسي حزب السلامة الوطنية عام 1972 وتحالف مع حزب الشعب الجمهوري، وشكلا الحكومة في كانون الثاني 1974 وسمّيت بالجبهة الوطنية وقادها سليمان ديميريل، وقد كانت له نزعة قومية، ولكن كانت مرجعيته المنهج الإسلامي، مما أدّى إلى انقلاب 1980 بقيادة رئيس الأركان الجنرال كنعان ايفرين وينهي ملحمة حزب «السلامة الوطنية» مع باقي الأحزاب، ولم يتمّ السماح بنشاط الأحزاب مرة أخرى إلا في عام 1983، وفي ذلك العام تولى تورغوت أوزال رجل الاقتصاد الليبرالي الذي سمح بعودة الأحزاب بنشاطها، مما ساعد ديميريل حزب «الطريق القويم» الليبرالي المحافظ.

أما بولنت أجاويد فقد شكل حزب «اليسار الديمقراطي»، وكذلك أسس ايردال أنونو الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وعاد الإسلامويون بقيادة أربكان إلى الواجهة السياسية في حزب «الرفاه الوطني»، وبهذا شهدت تركيا أكبر انفتاح اقتصادي وسياسي واجتماعي للجمهورية التركية خلال فترة تورغوت أوزال وكنعان ايفرين.

وفي عام 1996 نجح حزب الرفاه في الحصول على أكبر كتلة برلمانية، مما جعله مؤهّلاً لتشكيل الحكومة بتحالفه مع تانسو تشيلر رئيسة حزب «الطريق القويم» على أساس تولّيه رئاسة مجلس الوزراء نصف الفترة البرلمانية، وتخلى عنها في ما بعد لتشيلر نصف الفترة الباقية، إلا أنّ أربكان وقع في مأزق بين العلمانية والإسلامية، وأدّى ذلك إلى عدم الاستقرار، فقد لعب مجلس الأمن القومي التركي دوراً مهماً في ذلك الوقت، فقد أصدرت التوصية بحق أربكان وحزبه بتاريخ 28 شباط 1997 واتخاذ إجراءات، وعدم التنازل ضدّ تلك الجماعات المتطرفة التي تنشط ضدّ العلمانية، والتهاون في تطبيق المبادئ العلمانية، فوجد نفسه مضطراً في حزيران 1997 بعدم امتثاله لهذا الإيعاز، وأجبر على تقديم استقالته بضغط من المؤسسة العسكرية، بعد مضيّ عام على توليه الحكم، وقد صدر قرار من المحكمة الدستورية بحظر حزبه.

ويكرّر العودة أربكان ليؤسس حزباً جديداً باسم حزب «الفضيلة»، وتعرّض هو الآخر للحظر في عام 2000 ويعتبر نفسه كسلطان عثماني يقود حزبه في كلّ صغيرة وكبيرة.

وقد كان رجب طيب أردوغان قيادياً في حزب «الفضيلة» وتمّ حظر هذا الحزب حتى عام 2002، فقام أردوغان ومجموعة من رفاقه بتأسيس حزب جديد «حزب العدالة والتنمية» ليخرج بعد ذلك منتصراً في انتخابات 2002 التشريعية ويفوز بـ363 مقعداً في الجمعية الوطنية الكبرى، وما أتاح له حيازة أغلبية مريحة كان يخطط لها في إعادة النظر بدستور البلاد بينما حصل حزب الشعب الجمهوري، الذي أسّسه أتاتورك على 78 مقعداً فقط.

وفي عام 2008 واجه حزب العدالة والتنمية احتمال حظر نشاطه بتهمة الإضرار بالطابع العلماني للدولة التركية، ونظرت فيها المحكمة الدستورية، بالاعتماد على قرار وتجاوز هذا الحزب، على المبادئ العلمانية، ولكن قرار حظره كان بحاجة إلى صوت أحد القضاة ليصدر عن المحكمة.

وفي عام 2010 صوّت الأتراك على حزمة من 26 مادة دستورية تعطي الحكومة سلطة تعيين قضاة جدد، وملء الشواغر بقضاة يعكسون الأغلبية البرلمانية.

وفي عام 2011 تمّ توقيف أكثر من 100 ضابط عامل بالخدمة في جزء من تحقيق في مؤامرة مزعومة للإطاحة بالحكومة، وكان هذا الفصل الأخير في استبعاد الجيش كعامل مؤثر في السياسة، أما العمق الاستراتيجي وهو الخط الذي رسمه أحمد داوود أوغلو مرشد أردوغان للسياسة التركية، ومشروعه السياسي، تصفير المشاكل.

الحرب على سورية الربيع العربي

أخذ «الربيع العربي» يعصف في الدول العربية في شمال أفريقيا بدءاً من تونس ومروراً في ليبيا ووصل إلى مصر، ولم يمض سوى 3 أشهر حتى انهارت هذه الحكومات المتكئة على الأريكة الأميركية، ومن بعد ذلك تحشد أميركا وأخواتها بكلّ قوتها ضدّ سورية، فكانت الدول المحيطة بها سواء الأردن أو العراق الذي كان لا يزال يعاني من وجود بعض القوات الأميركية على أراضيه، فضلاً عن وجود العشرات من العناصر الإرهابية الموجودة في العراق، والتي تتحرك بطريقة أو بأخرى من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك في لبنان هناك تيار المستقبل المرتبط بالسعودية التي تعتبر المموّل الأساس لكلّ هذه الجماعات التكفيرية المتواجدة في بلدان الشرق الأوسط وشرق آسيا.

أما في الشمال السوري المتاخم لتركيا وحدودها الطويلة معها، فعندما بدأ إشعال نار الحقد وإثارة الفوضى في سورية من خلال ادّعائهم بأنها ثورة الحرية والشعب، ترافق مع حرب إعلامية غير مسبوقة، جهّزت لها العديد من القنوات، وتكرار الصورة وفبركتها، وخلق منها مادّة دسمة من أجل الترويج، وقلب الرأي العام العالمي، وتفويت الفرصة على أبناء سورية، وعلى العالم بأنّ هذه الثورة استكمالاً لـ«الربيع العربي» الذي جرى في البلدان العربية مثل تونس ومصر وليبيا، وبأنّ الشعب العربي يريد التغيير، فضلاً عن الدول كانت مدعومة من قبل الدول الغربية وأميركا، وهي كانت المحرّض على ذلك لتعطي صورة بأنّ الشعب يستطيع أن يحقق انتصارات مذهلة، ولكن ما كان خلف الأكمة هو المفزع، وجاؤوا بـ«الإخوان المسلمين» الذين غذّوهم بالفكر التكفيري، واستوثقوا منهم العمالة والخيانة لأوطانهم، فكانوا نعم الأداة المنفذة، وقد أوحى لهم الغرب بأنهم هم قادة الدول في المستقبل، وهذه هي الجائزة لهم، ولن ينسوا فضلهم، كما كان أسلافهم في الحكومات العربية، لأنّ أميركا مسكونة بالبحث عن الخونة والعملاء، لتضعهم قادة وملوكاً وأمراء.

تركيا العلمانية ودخول اليهود الدونما زاد من حالة العداء للعرب بعد أن استتروا برداء الإسلام «الإسلام السياسي»، وقد ظهر واضحاً وجلياً بعد وصول حزب التنمية والعدالة إلى السلطة، كانت الشكل المناسب والملائم لخوض فلسفة «الربيع العربي»، والدول الغربية على علم بهذا، وأرادت انخراط تركيا في هذا الخضمّ المتلاطم من الأحداث، وقد لاقت استحسان شهوة أردوغان بإعادة السلطنة العثمانية كما يزعم ويريد أن يستعيد طرابيش أجداده، وما عليه إلا أن ينظر إلى سورية سوى ولاية من ولاياته في تحقيق الأمبراطورية العثمانية الجديدة، وأردوغان يطارده جنون العظمة ويقول عنه هيكل في إحدى حواراته: «أردوغان من بائع للسميط إلى خليفة المسلمين، فقد وجد نفسه عملاقاً ضخماً، ويضع قدماً في الشرق وقدماً في الغرب، وبطربوش عثماني، تهيأ له أنه أحد السلاطين العثمانيين، فوجدت فيه أميركا والغرب أداة لمشاريعهم وأحلامهم، في تحقيق مشروع الشرق الأوسط، ودعموه من المال الخليجي في تدمير سورية، دعموه وشجعوه».

– تركيا لديها تنسيق عال مع الإخوان المسلمين، وهذا يتناقض مع منهجية الدولة التركية العلمانية التي غيّرت من منهجها الإسلامي إلى العلماني بعد عام 1923 على يد مصطفى أتاتورك وبقي أردوغان يتقدّم في كلّ الانتخابات التي جرت في تلك الفترة بعد عام 2002 وحقق تقدّماً في المجالات الاقتصادية لبلاده، وحاول من خلال الانتخابات التي جرت في تموز 2015 أن يحقق طموحه في أعلى نسبة، مما يتيح له تغيير الدستور دون الرجوع إلى البرلمان، إلا أنه مُني بالفشل، مع تقدّم للأحزاب المعارضة الأخرى في تركيا، وهو الذي أفقده هذا الحق، كذلك لم يحقق أيّ تحالف مع القوى المعارضة، ولكن في الانتخابات التي جرت في بداية شهر تشرين الثاني 2015 قد حقق تقدّماً على بقية الأحزاب، وكسب فقط أنه يستطيع تشكيل الحكومة، ولكن لا يستطيع تغيير الدستور إلا بالرجوع إلى البرلمان.

كتب مصطفى اليدلتشير في 15/6/2015 «إنّ الانتخابات التي جرت في تركيا هي نسمة منعشة لملايين الأتراك، الذين كانوا قلقين من ميل أردوغان المستمر لتعزيز سلطته، فقد خسر أكثر من 10 بالمئة من الأصوات، والأهمّ خسارته في مجلس النواب، وتشكيل الحكومة، وتغيير الدستور بصلاحيات واسعة».

أما «الفايننشال تايمز» البريطانية «تقول لا لطموحات أردوغان المتوثبة».

فالأحزاب السياسية الموجود بشكل رسمي والتي شاركت في الانتخابات في تركيا حالياً هي: الحزب القومي – حزب الشعب الجمهوري – حزب الشعوب الديمقراطية – حزب العدالة والتنمية، ويعيش في تركيا كتلتان بشريتان كبيرتان هما الأكراد في شرق البلاد، وكذلك العلويون في منتصف تركيا وللجهة الجنوبية من جانب سوري، ويقدّران بنصف تعداد السكان في تركيا، وهما لا ينسجمان مع توجهات الحكومة التركية.

– تركيا لا تنسجم علاقاتها مع روسيا، وهي تتوارى خلف المواقف الغربية، وفي رأس الحربة لحلف «الناتو» والموجّه ضدّ سورية، وفي ذات الوقت ضدّ روسيا الاتحادية «الاتحاد السوفياتي سابقاً» فضلاً عن موقعها الجغرافي الذي يضغط عليها الغرب من أجل خلق حالة العداء لتكسب الغرب لضمّها إلى الشراكة الأوروبية، وهذا ما جعلها تنخرط كلياً في الحرب على سورية، لتحقيق أهداف داخلية لتركيا وأهداف الغرب، فمحاولة تركيا السيطرة على قسم من سورية في أهداف المشروع الغربي في تقسيم سورية، مما يساعدها على تلاقي مصالحها مع مصالح قطر والسعودية لمدّ خط الغاز عبر الأراضي السورية، ويقطع خط الغاز الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط مع روسيا الاتحادية.

ـ تخليص «إسرائيل» من المقاومة اللبنانية، وعلى داعميها مثل سورية وإيران من خلال الانخراط بهذه الحرب عليها، مما جعلها تقوم بهذا الدور من خلال تسهيل عبور الآلاف من الإرهابيين، فضلاً عما كانت على استعداد قبيل الأزمة بتجهيز كلّ المخيمات والمآوي للاجئين من سورية، لإعطاء صورة عن الإرهاب – اليي تدّعي به تركيا والغرب – الذي يمارس على الشعب السوري، واتهام الدولة والحكومة السورية بذلك، وهذا ما ترافق أيضاً مع وجود المخيمات في لبنان والأردن لذات الهدف والغاية.

– مضى على ما يسمّى بثورة الربيع العربي ما يقارب 5 سنوات، دفعت الشعوب العربية الكثير من مقدراتها، وأكثر هذه الشعوب تضرّراً الشعب السوري، الذي لا يزال يدفع الغالي والنفيس في مواجهة هذه العاصفة التي تريد أن تدمّر كلّ شيء، فهي حرب وجود، أو لا وجود، وبدأ يتكشّف للمجتمع الدولي الآن في ظهور قوى مساندة في الساحة السورية بشكل واضح مثل إيران وروسيا، وإنْ كانت هي داعمة لها في كلّ المجالات قبل تواجدها العسكري اليوم لمؤازرة الشعب السوري وجيشه، ولتحقيق انتصارات في الميدان طرد الارهابيين الذين سيطروا على الكثير من المناطق في سورية، وقد هجرَّوا الأهالي، فضلاً عن التدمير لحرمان المجتمع من كلّ أسباب العيش، وبدأ العالم يتكتل في استقطاب دولي جديد، فلم تعد القطبية الأحادية مقبولة في كلّ أنحاء العالم، وقد تزعّمت أميركا هذه القطبية وعاش العالم في حالة حروب وفقر ورعب وتشرّد.

سلمان وأردوغان…

شهدت العلاقات السعودية التركية تطوّراً ملحوظاً بعد تسلّم الملك السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز الحكم، ولعبت التطورات الجارية في المنطقة دوراً في هذا المجال، وأدرك المسؤولون السعوديون والأتراك ضرورة التعاون بينهم اثر التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الاوسط، والتقارب بين أنقرة والرياض رداً على التعاون المباشر بين موسكو وطهران، على الرغم من وجود صعوبات أمام السعودية وتركيا لتوثيق العلاقات بينهما.

فالتقارب بينهما نتيجة الحرب على الدولة السورية اتضح أكثر عندما تدخلت روسيا مباشرة في الحرب السورية وزاد السعوديون والأتراك من إصرارهما على رحيل الرئيس الأسد وأعلنت السعودية تأييدها للتدخل العسكري التركي في سورية، وإيجاد ائتلاف جديد من قوى المعارضة السورية.

فضلاً عن استدارة أميركا عن حلفائها في المملكة والاهتمام الأميركي بالشرق الأدنى، فالرياض تدرك تماماً عجزها عن مواجهة التحديات الإقليمية في ظلّ وجود منافسين أقوياء لها مثل إيران، وخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، فوجدت السعودية في تركيا شريكاً استراتيجياً في تنفيذ مشاريعها في الشرق الأوسط، كما وجد أردوغان الحالم بإحياء الامبراطورية العثمانية، في الملك سلمان الشخص المناسب الذي يساعده في تحقيق حلمه.

صفوة القول إنّ الحرب على سورية شكلت بعد خمس سنوات للدول المشاركة فيها أزمة داخلية ودولية وفضحت كلّ سياساتها، وسيتغيّر العالم في مواجهة ذلك الصلف الغربي الذي أخذ انفراداً دولياً خلال العقدين الأخيرين، وتبدّدت أحلامهم التي كانوا يرسمونها للمنطقة في الشرق الأوسط والعالم، وبفضل مجابهة سورية لهذا الإرهاب الدولي الذي استجمع كلّ وحوش الأرض بإشراف غربي وتمويل مالي من دول الخليج، وسورية التي غيرّت الخارطة الجيوسياسية للعالم، ومن هذه اللحظات التاريخية ستكون تاريخية في رسم معالم شرق أوسط جديد ليس كما يحلم به الغرب، وإنما يوافق تطلعات المشرق العربي والشرق الأدنى، فالعالم اليوم منقسم إلى قسمين، قسم يحارب سورية وحلفائها، والنصف الآخر يحارب إلى جانب سورية، ويمتلك مقومات أكثر من مقومات الأعداء، لأنّ قاعدة الجيبوليتيك تنص على أنّ من يمتلك الأرض والماء هو الممتلك للنصر، فضلاً عن الأعداء كلّ واحد منقسم على الآخر، أما القسم المساند لسورية، يزداد قوة ومتانة ويزداد عدة وعتاداً، وينضم إليه دولاً وقوى إقليمية جديدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى