سوريانا وأكيتو نوروزية

الله… الله… كم بين من يموت ليحيا وعمره اليوم سبعة وستون قرناً ونيفاً، وبين من يموت ليموت ولمّا يبدأ عمره بعد… شتان!

حتى أنت أيها الصوت ـ أيّ لون كنت ولو أسود ـ حتى لو كنت تعمّم بين دمن الخالدين خبز قاق، حتى أنت كنت أعذب بكثير من صوت ذلك الدونما وهو يرفع تكبير نفاق!! ويردّد الصدى: نعم يا صاحبي، لقد أرهبني ذلك المبرقع بالتكبير إلى درحة الرعب الكبير. والآن أحسبك قد عرفت لماذا الطيور الجارحة ـ إلا على ورق الجرائد الجارحة ـ لا تغرد، ولكن الطيور المغرّدة ـ ومن صدى النوروز في بردى إلى شم النسيم في النيل ـ أبداً لا تجرح! ويا ابن «أكيتو» الخالدين، ألا ترى معي أن أخطر الوحوش هو ذلك الذي يمشي على قدمين، وأخطرهم ذلك اللاجذور تقذفه اللاجذور إلى وسطى الأرض المباركة أو تقذفه لا جذور المغول إلى وسطى الأرض المباركة، ذلك الذي يفخّخ ويفجّر. وحينا يكون هو نفسه ذلك التفجير وبئس المصير.

ويصدح هنالك «سراب» أحسبه قد استأذن الفضاء يفتتح له باباً ولكن لينكشف له عن مرآة كونية تصير بها الرؤيا حالة رؤية! وإذا به يقول على الأقل أنا هو ذلك اللاشيء الذي تمرفأ حلماً أو تضفّف فيلماً. فأنا في الحالين أكثر وجوداً من ذلك اللاجذور فجّر نفسه إلى عدم، ولكن لأجل عدم لاديني، راح يتلطى من وراء قناع دين الله العظيم!

أيها الصوت، ولو أسود، أبيض، أحمر، أو أخضر. وأيّاً كنت فأنت أنصع بياضاً حتى ممّن ترتعد فرائض دواعشهم لاجذور. ترتعد فرقاً من جذور سوريانا الشام والعراق . بلى إنهم أولئك اللاجذور الذين تنكّروا لحمورابي الفرات الذي رفض الظلم فقونن العدالة يرفعها شعار إنسان. ألذلك كانت آثاره من الأهداف الأولى التي استهدفها أمس لاجذور الغرب في غزوه العراق؟ ومن بعدها استهدف آثار غلغامش بردى ومراكبه النارية عبر الجولان وأخواتها؟ بل تنكروا حتى لمرفأ درب الحرير ذلك المركز الحضاري العالمي الذي يستحضر في ذاكرتنا. ومن بردى إلى النيل، قائدة ثورة المقاومة والاستقلال، حفيدة كليوباترة، زنوبيا قائدة تدمر المقاومة. بلى، إنها تلك التي استحضرت من أسوان النيل الخالد أعبق الحجارة رفاها ومياها، لتشمخ بها أعمدة تدمر النور، عطراً وغالية وأريحا. حجارة أنصع بياضاً حتى من دعوى أولئك الأشد كفراً ونفاقاً، أولئك الذين لم يروا في المرأة أكثر من جنس أو وعاء، ولا في الصبيّ أكثر من عورة أو عحي، ولا في الانسان الآخر أكثر من حيوان خلق لخدمتهم! تماماً كأولئك بدوان الطوفان الذين حرّفوا وانتحلوا حتى كلدانية سارة الخليل، ثم اتهموا حتى عذراء المسيح، بل قطعوا رأس يحيى يوحنا الذي ما يزال دمه يخضّب كنعانية نهر الأردن الذي مات له بحره أسوة واحمرّ له بحر آخر خجلاً وخيفة. بل تنكروا حتى لمصرية هاجر التي لأمومتها الكاثرة جعل سبحانه أفئدة من الناس تهوي إليهم… وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت، فإنه استدعى ابن هاجر ولم يستدع معه أحداً ممّن لا أمان لهم ولا إيمان. أولئك الذين بِاسم العروبة والرسالة، اليوم دمّروا مضخّة العروبة اليمان، ومنطلق الرسالة الشام المباركة!

بلى أيّها المغرّد، ولا طير ولا هامس، أنت بانتمائك ـ ولو إلى ـ دمن الخالدين ـ أنت أولى منهم بشعار النجمتين الخضراوين، يرفعهما شاعر من أحفاد فينيق راح يغرّد نيروزيته الفراتية، يرسم بها علم سوريانا. قوله بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خضر مرابعنا، حمر مواضينا.

سحر أحمد علي الحارة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى