هل سيُستهدف سلاح المقاومة فور انتخاب الرئيس؟
أسامة العرب
يدور في الكواليس الدبلوماسية أنّ الأميركيين يضعون على أجندتهم مؤخراً مقترحات لكيفية سحب سلاح المقاومة بما فيها صواريخها وأعتدتها. ومن أفكارهم المطروحة ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على إيران لتحقيق ذلك، ومنها أيضاً التلويح بإمكانية أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد مستقبلاً بفسخ الاتفاق النووي معها، ومنها إقرار عقوبات مالية جديدة عليها. على أن يتزامن ذلك مع اتخاذ إجراءات جديدة تمنع تصدير الأسلحة للمقاومة وتحارب مصادرها التمويلية، وعلى أن تمارس الضغوط السياسية والاقتصادية عليها كذلك، داخلياً وخارجياً.
في حين أنّ كلّ ما تقدّم يشكل مطلباً «إسرائيلياً» ملحّاً، أشارت إليه مؤخراً صحيفة «هآرتس» «الإسرائيلية» بما يلي: «إنّ الاستقرار لن يعود الى المنطقة قبل أن نسعى لحلّ الذراع العسكري لحزب الله ولتفكيك ترسانته الصاروخية». ولذلك أكدّت وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني وجوب ممارسة الضغوط الأميركية على أصحاب القرار بهدف منع المقاومة من المشاركة مستقبلاً في الانتخابات النيابية في لبنان. ومن ثم نشرت صحيفة «معاريف» الصهيونية مقالاً لهذه الأخيرة صرّحت فيه بما يلي: «لكي يحدث ذلك، يتعيّن علينا أولاً أن نمنع حزب الله من الصعود إلى السلطة، من خلال تصنيفه منظمة إرهابية. ومن ثم ممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية لوضع بنود تمنعه من استخدام القوة والسلاح، لأنّ السلاح يجب أن يكون حصراً في يد الدولة وحدها». مضيفةً بأنّه «يجب على كلّ تنظيم إرهابي أو ميليشيا مسلحة أن تقرّر ما إذا كانت تريد أن تكون تنظيماً إرهابياً أو حزباً سياسياً، ولذلك فإنّ حزب الله يجب ألا يكون حزباً سياسياً وتنظيماً إرهابياً في الوقت عينه».
واستجابةً للإملاءات «الإسرائيلية» السابقة، سارع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤخراً، وقبل شهر واحد من زيارته المشبوهة إلى لبنان، للتصريح بما يلي:« إنّ سلاح حزب الله يقوّض حكم القانون اللبناني ويشكل تهديداً للسيادة وللاستقرار في لبنان، فالحزب ينتهك القرار 1701، ولذلك لا بدّ من معالجة مسألة سلاحه فوراً بمجرد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان». ومن ثمّ سارعت الإدارة الأميركية فوراً للتصريح بأنها تريد رئيساً جديداً للجمهورية اللبنانية بأيّ ثمن، وفي أسرع وقت ممكن، ومهما كان.
ولذلك بادرت الولايات المتحدة الأميركية بإجراء سلسلة اتصالات مع أطراف دولية هامّة وأخرى اقليمية لتذليل كلّ العقبات التي عطلت وتعطل انتخاب الرئيس منذ فترة طويلة نسبياً. لا بل إنّ التوجه الأميركي الأخير باتت تتردّد أصداؤه في كافة العواصم المعنية بالأمر، بما يُنبئ بأنّ كلمة السرّ الرئاسية قد شارفت على الصدور. وهكذا بتنا نرى اهتماماً غير مسبوق من أصحاب القرار الدولي بلبنان، فها هو وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند يأتي ليزور لبنان بل وليمكث فيه مدّة يومين. وبان كي مون كذلك يصطحب رئيس البنك الدولي ويأتي به إلى لبنان، لا بل ويبقى فيه ثلاثة أيام أيضاً، ومن ثمّ يَحضر رئيس الدولة الفرنسية فرنسوا هولاند إلى لبنان، لا بل ويقرّر البقاء فيه مدّة يومين كذلك. هذا مع العلم بأنّ الزيارة الفرنسية الرفيعة المستوى الأخيرة تتزامن مع دعوة مجلس النواب اللبناني للمرة الثامنة والثلاثين، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.
واليوم، بتنا نسمع مزيداً من الأصوات الشاذة في لبنان التي تزعم بأنّ سلاح المقاومة يفرض منطق الدويلة ويرهب اللبنانيين. لا بل إنّ البعض يجاهر علناً بأنه ينوي العمل على نزع سلاح المقاومة فور وصوله إلى السلطة. وبالتالي فمن المرجحّ مستقبلاً، وفور انتخاب الرئيس الجديد، أن تتوالى النداءات الأميركية وتتعالى الأصوات الشاذة لمطالبة الدولة اللبنانية بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559. على أن يتمّ ذلك من خلال السعي الحثيث لاتخاذ قرار حكومي يقضي بنزع سلاح المقاومة، تمهيداً لمنعه لاحقاً من المشاركة بالسلطة. هذا مع العلم بأنّ الإدارة الأميركية سبق لها أن وضعت هذا الأمر في إطار برنامجها عن الديمقراطية في المنطقة، مُكرّرةً المقولة «الإسرائيلية» المشبوهة «إنه في بلد ديمقراطي يجب ألا تكون هنالك سوى سلطة واحدة»، زاعمةً بأنّ المقاومة تشكّل دولة داخل الدولة.
وبالتالي فإنّ هذه المؤامرة الخبيثة تريد أن تجعل سلاح المقاومة مكشوفاً على المخاطر الصهيو – أميركية التي أتى بها القرار 1559، وهذا ما أكّد عليه أيضاً بان كي مون من خلال قوله بأنه تجب معالجة مسألة سلاح المقاومة فور انتخاب الرئيس الجديد في لبنان.
في حين أننا اليوم بغنى عن مزيد من المشاريع الصهيونية التآمرية علينا، كما أنّ المرحلة الحرجة التي نمرّ فيها، تقتضي منا أن نوجه اهتمامنا الرئيسي للتصدّي للتهديدات الإسرائيلية التي تعلن عن رغبتها بشنّ حرب عدوانية قريباً جداً علينا، ولمواجهة كافة مشاريع التقسيم الفتنوية التي تعصف بنا من كلّ صوب وكلّ جانب، ولاتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية التي تمنع تمدّد الإرهاب التكفيري إلى وطننا.
ومن هذا المنطلق، فإننا نؤكّد بأنّ مشروعنا الذي ثبُتت فعاليته وأثمرت نضالاته، إنّما يتعلق اليوم باستكمال تحرير ما تبقى لنا من أراض محتلة، لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وكذلك بوقف كافة الانتهاكات «الإسرائيلية» لأرضنا وجونا وبحرنا، ولدرء تمدّد الإرهاب التكفيري إلينا.
ولتحقيق ذلك، يجب على المقاومة أن تحافظ على وحدة الصفّ مع كافة حلفائها السياسيين، وأن تتمسّك بعلاقتها المتينة والوثيقة معهم، مؤكّدةً بأنّ الحلول السياسية لكافة الأزمات السلطوية في البلد، لا تكمن إلا بالالتفاف على كافة القضايا الوطنية التي تتبنّاها المقاومة.
كما أنّ من يجاهر بعدائه للمقاومة، عاجزٌ كلياً عن التصدّي لتلك المخاطر. إلا أنّ البعض منا بغيّه وحسده، لم يعد بحوزته أيّ برنامج سياسي جديد، سوى ذاك القائم على نشر الفتنة المذهبية وزرعها في نفوس المواطنين، وإنْ كان على حساب قضيتنا المركزية فلسطين. علماً بأنّ هذا الإفلاس السياسي هو نفسه الذي أوصلنا اليوم للإرهاب التكفيري وللعمليات الانتحارية التي تُزهق حياة المئات من الأبرياء والمدنيين، أطفالاً ونساءً وشيوخاً.
بالله عليكم، من يستطيع أن يحمينا من الأطماع «الإسرائيلية» في أرضنا ومياهنا ونفطنا إلا ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة؟ أتريدون منّا أن نجعل أمن وطننا ومستقبله مكشوفاً على الإرهابين الصهيوني والتكفيري؟ أم أنكم تريدون منّا أن نتخلى عن وطننا ومقدّساتنا وقضايانا الوطنية والمصيرية، حتى ينعم البعض منكم بمغانمه ومراكزه وقصوره؟
ولذلك، فإننا مدعوّون فوراً للتصدّي لكافة المشاريع الصهيو – أميركية الجديدة التي تخطط مستقبلاً لممارسة الضغوط السياسية الداخلية على مقاومتنا الباسلة. ذلك أنّ دولتنا اللبنانية اليوم يجب أن تبقى الحصن الحصين للمقاومة التي حرّرت بدمائها ودماء أبنائها أرضها المحتلة، وأطلقت سراح معتقليها وأعادت لها كرامتها المفقودة.
أما بعد فدفاعاً عن وطننا العظيم، وصوْناً لدماء شهدائنا الأبطال، يجب علينا ألا نرضى بمجيء أيّ سلطة تخفي مشروعاً غربيّاً مشبوهاً في أجنداتها السريّة، وألا نرضى كذلك بأيّ رئيس ينوي طعن المقاومة بظهرها بعد توكيده مواثيقها. فإما أن نأتي برئيس يحمي أمن البلد ومستقبله، وإما ألا نأتي، شاء من شاء وأبى من أبى!
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً