هولاند: عليكم أن تنتخبوا رئيساً
لم يحمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في جعبته للبنان أي طروحات أو مبادرات تتعلق بالاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يبدو على الأقلّ من التصريحات المُعلنة، بل تركزت المحادثات والمشاورات خلال اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين على التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب، وملفّ النازحين السوريين.
وقد بدأ هولاند بعد ظهر السبت زيارة للبنان، حيث كان في استقباله في مطار بيروت الدولي نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل، قائد منطقة بيروت العسكرية العميد غسان الطفيلي ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط، السفير الفرنسي في لبنان إيمانويل بون وأركان السفارة، المدير العام للطيران المدني محمد شهاب الدين، رئيس المطار شادي الحسن، وضباط من القوات الفرنسية العاملة في إطار «يونيفيل»، وسط تدابير أمنية مشدّدة.
في ساحة النجمة
وبدأ هولاند لقاءاته من ساحة النجمة، حيث عقد مع رئيس مجلس النواب نبيه بري جولة محادثات في مكتبه في المجلس، تناولت التطورات الراهنة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين. ثم عقد الجانبان اجتماعاً في مكتب رئيس المجلس بحضور نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ونائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل والدكتور محمود بري، تلاه اجتماع موسَّع حضره أعضاء الوفد الفرنسي المرافق وأعضاء هيئة مكتب المجلس.
وبعد الاجتماع عقد الرئيس الفرنسي ورئيس المجلس مؤتمراً صحافياً استهله الرئيس بري بالقول: «مهما كان شعوري وشعور الزملاء وشعور كلّ اللبنانيين بالسرور لاستقبال رئيس الجمهورية الفرنسية فرانسوا هولاند، إنما يبقى هناك ضيق حقيقة لا نستطيع أن نخفيه أننا كنا نتمنى أن يكون مثل هذا الاستقبال أو أهم منه في القصر الجمهوري عندما يكون هناك رئيس جمهورية للبنان. كنا نتمنى أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية ليستقبل كبيراً آتٍ من فرنسا إلى لبنان ليتفقدنا ويراعي مشاكلنا ويساعد على حلّها، فأهلاً وسهلاً به في كلّ الحالات».
أضاف: «كانت جولة من المحادثات تناولت مواضيع عديدة بما فيها الهبة للجيش اللبناني، وأيضاً تكلمنا في ما يتعلق بالحدود البحرية والاعتداءات الإسرائيلية. كذلك جرى الحديث حول موضوع اللاجئين ومحاولة الحلّ السياسي كي نستطيع أن نخفف من الأعباء التي يرزح تحتها لبنان، إضافة إلى المواضيع التي تتعلق بالمنطقة، اليمن وسورية وفي العراق وليبيا إلى آخر ما هنالك من مشاكل ومن حروب وفتن، وركزنا خصوصاً أيضاً على موضوع الإرهاب».
ثم تحدث الرئيس الفرنسي شاكراً بري على استقباله في مجلس النواب. وقال: «أردت فعلاً أن آتي إلى لبنان في هذا السياق الصعب، وهو سياق تعيشونه هنا في لبنان. إنها المرة الثانية التي أزور فيها لبنان منذ أصبحت رئيساً للجمهورية، المرة الأولى في العام 2012 في ظروف صعبة بسبب اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وسام الحسن. وأنا جئت اليوم، ونحن نقف إلى جانبكم لأنّ لبنان مُحاط بأزمات وحروب وهو يريد أن يعيش في الوحدة وفي الأمن. ولبنان الذي يعرف الحروب على حدوده يعرف أيضاً التهديد الإرهابي، فلبنان استقبل ويستقبل الكثير من اللاجئين أكثر من مليون وخمسمئة ألف لاجىء، وعلينا بالتالي أن نؤمِّن للبنان التضامن والمساعدة. ونحن نقوم بذلك في فرنسا في روح من الاحترام والصداقة لأنّ الروابط بين فرنسا ولبنان هي روابط تاريخية وهي ثقافية ولغوية واقتصادية أيضاً، ولكنها في الأساس روابط إنسانية فهناك عدد كبير من اللبنانيين الذين لديهم روابط بفرنسا وهذا يدعوهم للوجود في فرنسا في بعض الظروف».
أضاف هولاند: «رسالتي بسيطة للغاية: فرنسا تقف إلى جانب لبنان وهي ستحرص على أن يتم تعزيز الأمن في لبنان من خلال التعاون العسكري. فرنسا تقف إلى جانب لبنان لأنّ علينا أن نعطيكم مع الأسرة الدولية الوسائل للقيام بذلك، وفرنسا ستشارك في هذه الجهود. فرنسا تقف إلى جانب لبنان على الصعيد الاقتصادي أيضاً لأنّ لبنان هو المنفذ بالنسبة إلى المنطقة، ولا بدّ للبنان أن يتمتع بحيوية اقتصادية من خلال نظام مصرفي واقتصادي. لقد تحدثت عن ذلك مع دولة الرئيس، أريد أن أعود إلى لبنان في أسرع وقت لكي ألتقي رئيس الجمهورية، ولكنّ الجواب ليس في يدي، الجواب معكم، الجواب مع البرلمانيين اللبنانيين، وأنتم تمرّون في مرحلة حاسمة فعلاً لأنّ عليكم أن تحلّوا هذه الأزمة ، وعليكم أن تنتخبوا رئيساً للجمهورية اللبنانية، فهذا يعتبر بمثابة مؤشر وأيضاً سيشير إلى ما يمكنكم القيام به على الرغم من صعوبة المشاكل التي تعرفها المنطقة. أنا اثق بكم وأعرف أنكم ستتمكنّون من القيام بذلك».
ثم زار بري وهولاند كنيسة مارجرجس للروم الأرثوذكس والجامع العُمري في محيط المجلس.
في السراي الحكومية
بعدها توجه الرئيس الفرنسي إلى السراي الحكومية وكان في استقباله رئيس الحكومة تمام سلام الذي قال: «سررتُ اليوم باستقبال رئيس الجمهورية الفرنسية صديق لبنان فرنسوا هولاند، الذي نقدّر تقديراً عالياً حرصه على زيارتنا في هذا الوقت بالذات، رغم الظروف التي يمرّ بها بلدنا ومنطقتنا».
وأضاف: «كان لقاؤنا مناسبة لتبادل الآراء في كلّ ما يهمّ لبنان وفرنسا، والاستماع إلى وجهة النظر القيّمة للرئيس هولاند، حول العلاقات الثنائية والأوضاع في لبنان والشرق الأوسط».
وتابع سلام: «كنا نتمنى أن نتشرف باستقبال الرئيس الفرنسي بمعيّة رئيس الجمهورية اللبنانية. لكن للأسف فإنّ هذا المنصب شاغر منذ قرابة عامين بسبب إخفاق نواب الأمة كما تعرفون في انتخاب رئيس. لقد تمنينا على سيادة الرئيس أن تستأنف فرنسا، بما تملكه من وزن وصداقات مع جميع الفرقاء، الجهود التي سبق أن بدأتها من أجل الدفع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب الآجال، وكان مناسبة لشكر الرئيس هولاند على الدور الذي تقوم به الوحدة الفرنسية العاملة في إطار قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان «يونيفيل» وعلى الدعم الذي قدمته فرنسا للجيش والقوى الأمنية اللبنانية».
وختم سلام: «كان لنا نقاش معمّق حول ملف النزوح السوري وتبعاته، وما يمكن أن تقوم به فرنسا مباشرة، وفي المحافل الدولية، من أجل مساعدة لبنان في تحمل هذا العبء. كما كانت مناسبة لاستعراض الجهود الدبلوماسية والسياسية المبذولة لحلّ الأزمة السورية».
وأكد الرئيس الفرنسي، بدوره، على «أنّ فرنسا تقف إلى جانب لبنان بحكم علاقات التاريخ والثقافة»، معتبراً «أنّ الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت لبنان وفرنسا استهدفت الحرية والتعدُّد».
كما أوضح أنّ «لبنان بحاجة إلى أن يعزّز وضعه ولديه قطاع مصرفي قوي».
وختم هولاند: «أتمنى أن تسرع زيارتي بانتخاب رئيس لكنّ الأمور بين أيدي اللبنانيين ويجب عدم اللعب بالوقت فالوقت أهم ما في الحياة».
وكان هولاند التقى، مساء السبت، كلاً من رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ترافقه زوجته نورا ونجله تيمور، ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
لقاءات في قصر الصنوبر
وقد واصل هولاند لقاءاته في اليوم الثاني لزيارته لبنان، في قصر الصنوبر في بيروت، حيث التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي وبحث معه المستجدات السياسية والأمنية على الساحة الداخلية وعند الحدود.
وبحث مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، التطورات في لبنان والمنطقة، كذلك التقى وفداً من المرجعيات الدينية ضمّ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وشيخ عقل طائفة الموحِّدين الدروز الشيخ نعيم حسن، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، ورئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك البطريرك غريغوريوس الثالث لحام إلى جانب شخصيات دينية وسياسية.
كذلك زار الرئيس ميشال سليمان قصر الصنوبر، حيث سلّم هولاند نسخة عن الرسالة التي وجهها باسم «لقاء الجمهورية» إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لضمان العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم، وضمان التعويض على لبنان جرّاء الخسائر التي تكبدها، إضافةً إلى المطالبة بترسيم الحدود ونشر المراقبين الدوليين، ورفض تقسيم سورية والتحذير من أخطاره على الشعب السوري وانعكاساته الخطرة على لبنان.
مخيّمات النازحين
ومن مطار بيروت الدولي، انطلق الرئيس الفرنسي، على متن طوافة، إلى مطار رياق، وجال فور وصوله على عدد من مخيمات النازحين السوريين.
ومن مخيم الدلهمية، في زحلة، أعلن هولاند عن «مساعدة فرنسية إضافية مخصّصة للنازحين للمساهمة في تخفيف العبء عن لبنان». وقال: «من واجبنا ضمان الأمن للبنانيين، ولذلك أعلنت بالأمس عن مساعدة فرنسية للجيش، تعلمون أنه كان هناك اتفاق بين السعودية وفرنسا من أجل مساعدة الجيش وقد تمّ إيقافه، لكنّ وفرنسا ستستمر في المطالبة بأن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، وبالانتظار ستساهم فرنسا في مساعدات عسكرية».
وردّاً على سؤال حول لقائه المسؤولين اللبنانيين، أجاب: «كانت لقاءات استثنائية وقد اجتمعتُ إلى كلّ ممثلي الأحزاب وعبَّرت لهم عن أملي في أن يجد اللبنانيون الحلّ وأن يتمكنوا من انتخاب رئيس في أسرع وقت، ووضع قانون انتخابي يمكنهم من الانتخاب، وقلت لهم إنّ لفرنسا مرشحاً واحداً هو لبنان الذي يجب أن يكون المستفيد الوحيد من الحلّ اللبناني، ويجب تلافي التدخلات الخارجية ومن المهم للبنان والمنطقة أن ينتخب رئيس جمهورية، والميثاق الوطني يقضي أن يكون الرئيس مسيحياً، ما هو مهم للشرق الأوسط».
وأثنى هولاند على اللبنانيين «لاستضافتهم وتضامنهم مع اللاجئين الذين توافدوا بكثرة إلى لبنان، والمؤسّسات الإنسانية، وهي ستقدم 50 مليون يورو هذه السنة للاجئين». وأشار إلى أنّ «العائلات السورية لا يهمُّها إلا الرجوع إلى بلدها في أسرع وقت، واللبنانيون لا يريدون توطينهم».
وشدّد على أنّ «مسؤولية فرنسا أن تعمل من أجل إيجاد حلّ للأزمة في سورية خلال فترة انتقالية سياسية، وهذا ما أقوم به منذ أربع سنوات».
بعد ذلك غادر هولاند إلى القاهرة.