حضور ثابت مستمرّ وتأثير جليّ للأزمة واتجاهات نحو التجريب واللغة السينمائيّة
دمشق ـ محمد سمير طحّان
أعادت الدراما السورية هذا العام إثبات وجودها على مساحة البث التلفزيوني العربي عبر إنتاج عدد جيد من الأعمال الدرامية التي تنوعت مواضيعها وسويتها رغم الظروف الإنتاجية الصعبة التي رافقت التصوير والتسويق، فبعض المسلسلات صوّر في سورية، والبعض الآخر أنتج في الخارج.
على مألوفها، تنوعت الأعمال الدرامية السورية لناحية المواضيع فحصد كل منها نسبة من مشاهدة الجمهور السوري والعربي، بحسب المعالجة والشكل الفني وكان لأسماء الفنانين المشاركين في كل عمل الدور الأكبر في تسويق المسلسلات لدى القنوات والجمهور.
الأعمال التي قاربت من الأزمة المستمرّة منذ أكثر من ثلاث سنوات كانت ذات خصوصية لجهة تقبل الجمهور السوري لها، واختلفت عن العام الفائت على مستوى المباشرة في المعالجة والعمق في الفكرة والنص، فاعتمدت أعمال الخماسيات لإيصال رسائل درامية تدعو إلى للحب والتسامح والألفة بين الناس، لتجاوز الحفرة العميقة التي هوى فيها المجتمع مثل مسلسل «الحب كله» الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني وأخرجه عدد من المخرجين المنتمين إلى أجيال مختلفة وشارك في كتابته أيضاً عدد من الكتاب، مع مشاركة واسعة للنجوم السوريين.
تقول المحامية نسرين المط: قدم مسلسل «الحب كله» وجبة من الحب للمجتمع السوري كنا في أمس الحاجة إليها فشكل مساحة من التأمل والتفكير في مجمل ما نتعرض له يومياً لإعادة العلاقات بين الناس إلى سابق عهدها من الحب والألفة.
الشاب فايز عبد الله يرى أن اعتماد مسلسل «الحب كله» شكل الخماسيات أتاح مشاهدة متاحة له من قبل الجمهور في رمضان وأبعده عن الإطالة والحشو فقدم مواضيع متنوعة ومكثفة وبرؤى فنية متنوعة بوجوه متعددة.
عالج بعض الأعمال الأزمة في سورية على نحو مباشر وفي تناول أقرب إلى السينما، مثلما عولجت صورة للحرب مثل مسلسل «حلاوة الروح» من تأليف رافي وهبي وإخراج شوقي الماجري، مع حبكة درامية شائقة. كما خلطت أعمال أخرى تفاصيل الواقع الصعب بالحوادث القائمة مثل مسلسل «قلم حمرة» من كتابة يم مشهدي وإخراج حاتم علي.
توضح سلام التقي مدرّسة لغة عربية أنها تابعت مسلسل «حلاوة الروح» الذي قدم قصة ذات حوادث متداخلة مستعرضاً واقع ما يحصل على الأرض السورية، ومقدماً رؤى متنوعة حول الأزمة، في أسلوب إخراجي سينمائي واقعي يظهر المعارك ومعاناة الناس وإجرام الجماعات الإرهابية وممارساتها الإجرامية حتى في ما بينها.
يعبر سامي حنا طبيب أسنان عن إعجابه بمسلسل «قلم حمرة» الذي يقدم نوعاً درامياً جديداً ويغوص في التفاصيل الإنسانية كما يفيد من الواقع الصعب الذي نعانيه لتقديم صورة تلفزيونية متطورة أقر إلى السينما لكنه كان من ناحية أخرى مفرطاً في التنظير والكلام على حساب التطور الدراميّ.
الكوميديا كانت حاضرة هذه السنة إنّما بقالب الكوميديا السوداء حول واقع مرير يعيشه المجتمع السوري، بقالب فني متمكّن لعلّه الأفضل بين الأنماط الإخراجية هذا العام وشاهدناه في مسلسل «ضبوا الشناتي» للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، ومسلسل «بقعة ضوء 10» للمخرج عامر فهد ومن تأليف عدة كتاب حاملين عدداً كبيراً من الاختزالات والإشارات والأفكار للإنسان السوري في ظل الأزمة.
تقول رولا محمد طالبة جامعية مسلسل «ضبوا الشناتي» كان ممتعا وقاسياً في الوقت ذاته، فهو من الناحية الفنية متكامل الشروط قصة وإخراجاً وأداء، ومن ناحية أخرى وضع يده على الجرح من خلال تفاصيل المعاناة.
أبو صالح الدباس تاجر معدات صناعية يعتبر أن مسلسل «بقعة ضوء» بات من عادات المشاهدة لدى المواطن السوري سنوياً، لافتا إلى أن العمل هذا العام كان أقرب إلى مشاكل الناس اليومية منه العام الفائت.
ككل سنة لم تخل أجندة الدراما السورية من أعمال البيئة الشامية التي أضحت سلعة مطلوبة من الجمهور والقنوات العربية، مهما يكن مستواها الفني أو الفكري، فهي تعتمد على قاعدة شعبية جاهزة لمتابعتها في أي شكل وتحت أي ظرف.
تعبر لينا المؤذن موظفة في شركة عن استغرابها لعدم تطور أعمال البيئة الشامية فهي ما زالت تقدم صورة نمطية عن الحارة الدمشقية وعن المرأة في هذا المجتمع، مع تجاهل شبه تام للجوانب الثقافية والتاريخية في دمشق مثل مسلسل «باب الحارة الجزء 6» ومشتقاته من أعمال البيئة الشامية هذا العام مثل «الغربال» لم تقدم جديداً على الصعيد الفني أو الفكري واستمر ابتعادها عن حقيقة البيئة الشامية.
القالب الاجتماعي قدّم ضمن رؤى متعددة، ناقداً سلبيات المجتمع بعيداً عن الأزمة مثل مسلسل «القربان» من تأليف رامي كوسا وإخراج علاء الدين كوكش وتدور حوادثه قبل عام 2010 حول العلاقات المنفعية والمصالح الفردية والفساد الأخلاقي. وبعض الأعمال الاجتماعية قدم أفكاراً منحرفة وغريبة عن المجتمع السوري مليئة بالإثارة المجانية على مستوى الصورة والمضمون، مثل مسلسل «خواتم» للمخرج ناجي طعمي، كتابة ناديا الأحمر، و«صرخة روح 2» لعدة كتاب وإخراج عدة مخرجين.
يقول حكمت مصطفى طيّار : من واجب الدراما تقديم سلبيات المجتمع لتتم معالجتها وتجاوزها، لكن من غير المقبول التركيز على خلل أخلاقي معين وتقديمه في مسلسل طويل خلال رمضان على أنه ظاهرة متفشية كالوباء لدى جميع أبطال العمل تقريباً مثل موضوع الخيانة الزوجية في «صرخة روح» بجزءيه.
فدوى اسماعيل موظفة تسويق في شركة خاصة تؤكد أن اتجاه عدد من الأعمال الدرامية إلى تشويه المجتمع السوري لا يخرج على الحرب المعلنة على سورية، خاصة أن هذه المسلسلات تلقى رواجاً لدى القنوات الفضائية العربية الممولة من الخليج، وهي أعمال لا تشبه المجتمع السوري.
مسلسل «بواب الريح» من تأليف خلدون قتلان وإخراج المثنى صبح سجّل نسبة مشاهدة عالية مقدماً رؤية للمجتمع الدمشقي بعيداً عن أسلوب أعمال البيئة الشامية الفانتازية والمقولب مستعيداً حوادث من التاريخ تحاكي الواقع الراهن.
تقول دعاء حسين معيدة جامعية إن مسلسل «بواب الريح» قدم رؤية تاريخية واقعية لدمشق وابتعد عن النمط السائد الذي كرسته أعمال البيئة الشامية، وشخوصه متنوعة بين الجد والهزل وممتعة، والصورة جميلة والموسيقى التصويرية معبّرة، خاصة أغنية المقدمة التي أعطت العمل هوية.
أنتج عدد من الأعمال هذا العام خارج سورية، وعالج بعضها قصة بعيدة عن المجتمع السوري ويمكن أن تحدث في أي مكان من العالم مثل مسلسل «الإخوة» من تأليف محمد أبو لبن ولواء يازجي، إخراج سيف الدين سبيعي وسيف الشيخ نجيب، إذ اقترب العمل من الأسلوب التركي في الدراما بعادات وتقاليد لا تمت بصلة إلى مجتمعنا، ومسلسل «لو» عن سيناريو مقتبس لبلال شحادات، وإخراج سامر البرقاوي، عن قصة مأخوذة من فيلم أجنبي حول خيانة امرأة لزوجها، في أسلوب قريبق من السينما.
رغم تقديم صورة غريبة عن المجتمع السوري والاعتماد على الإثارة الفائضة في هذين العملين إلاّ أنهما سجلا نسبة مشاهدة جيدة على القنوات العربية وفتحا أبواباً جديدة أمام الدراما السورية، ما يشي بظهور أعمال مشابهة في المواسم المقبلة.
تقول فرح جوني طالبة جامعية إن مسلسل «الأخوة» استطاع التفوق على المسلسلات التركية ولطالما أفادت الدراما التركية من الممثلين السوريين في دبلجة أعمالها وتسويقها للجمهور العربي، وتخالفها جوى الحموي ربة منزل الرأي فتقول إن الدراما ليست للتسلية فحسب إذ تتابعها فئات عمرية متعددة ويجب أن تحوي حداً أدنى من الأخلاقيات والعادات التي يتمتع بها مجتمعنا وإلاّ صار المراهقون والشباب يقلّدون تقليداً أعمى ما يشاهدون فيها.
أحمد الخالد خريج كلية اقتصاد يقول: أثبت مسلسل «لو» قدرة الدراما السورية على تقديم أعمال درامية ذات سوية عالية تحاكي الإنتاج السينمائي العالمي، وهذا ليس خطأ، فالفن يجب أن يكون غير محدود بقالب اجتماعي معين، فهو موجّه أساساً إلى الإنسان أينما كان.
تخالفه سوزان صباغ موظفة الرأي قائلة: إن خروج الدراما على تقاليد المجتمع الذي تنتمي إليه وتقديمها أعمالاً تحاكي قصصاً عالمية، مثل مسلسل «لو» وتجاهل قضايا أكثر إلحاحاً وأهمية اجتماعية قد يوقعها في مطبات كثيرة، كأن تفقد هويتها، خاصة عندما تكون هناك منافسة شرسة من أنواع أخرى من الدراما، وهذه حال الدراما السورية التي تواجه منافسة كبيرة من الدراما العربية الأخرى.
حوى إنتاج هذا العام أعمالاً تنوعت بين الكوميديا الخفيفة واللوحات الساخرة مثل مسلسلات «نيو لوك»، و«رجال الحارة» و«بحلم ولا بعلم» و«سن الغزال» و«حمام شامي»، ولم تحظَ بمتابعة واسعة لعجزها عن جذب انتباه الجمهور وابتعادها عن المضمون العميق والرؤية الفنية الاحترافية، فكانت أعمالاً يغلب عليها نمط التجريب أكثر منه الاحتراف أو التقليد للحصول على نجاح سهل، ففشلت في ذلك.
في نظرة سريعة يتضح أن الدراما السورية اليوم تعاني مشاكل كثيرة وتمر في طور تحوّل وحالة عدم توازن، كأنها تبحث عن هوية جديدة لها فبات عدد من صناعها يتجهون في اتجاهات فنية متنوعة للتجريب وتقديم الجديد، والبعض استسهل الإنتاج وقدم أعمالاً هزيلة لا تحمل أي قيمة فنية أو فكرية وخارج الواقع المعاش، إلى أعمال دون المستوى سوّقت في القنوات الفضائية بأسعار زهيدة، منافسة مسلسلات ذات سوية فنية.
إن الواقع الراهن للدراما السورية يستلزم حلولاً سريعة وجوهرية من المعنيين بالإنتاج الدرامي لتقديم رؤية فنية واقعية لهذه الصناعة الوطنية المتفوقة، وتحديد المطلوب منها وما تحتاج إليه اليوم لإنجاز أعمال تهم المواطن السوري وتحقق التفوق والمنافسة في السوق الدرامية العربية وبالتالي الربحية المادية والمعنوية.