تفجيرعرسال خطة «داعش» لكل لبنان هل يأتي الحريري الى طرابلس؟

يوسف المصري «البناء»

لم يكن ما حدث في عرسال مفاجئاً، بل سبقه كم كبير من المعلومات الاستخباراتية النوعية التي تحذر من وجود قرار بنقل معركة «داعش» الى لبنان. منذ أسابيع ومع دخول كل المنطقة اجواء انفجار الموصل في العراق، تبلور تقدير موقف في اليرزة يفيد بأن ما كان مخططاً لطرابلس هو تحولها الى موصل لبنانية، ولكن الإجراءات السياسية والأمنية الاستباقية نجحت في أبعاد هذا الكابوس عن البلد. في هذه الأثناء كانت واشنطن من خلال كبار جنرالات القيادة الوسطى في الجيش الأميركي تبلغ الجهات الرسمية اللبنانية المعنية بأن قرار واشنطن هو الدعم المطلق للجيش في مواجهته للإرهاب واحتمالات انتقاله الى البلد. وعند هذا الحد، تم اعتماد تقدير موقف مستجد حيال موقع لبنان من احتمال ان يلتحق بأزمة اتساع نطاق جغرافيا الارهاب في المنطقة، مفاده ان البلد في هذه المرحلة لا يوجد في قلب عاصفة الارهاب التي تضرب المنطقة، بل هو موجود بالقرب منها، وعليه يجب توخي الحذر السياسي والامني لتحاشي الانزلاق فيها من خلال حصول احداث دراماتيكية.

لكن خلال الأسابيع الاخيرة، عادت المعلومات للتراكم حول وجود قرار باستهداف الاستقرار في لبنان، وهذه المرة بأسلوب يحاكي مناخ ما يحدث في العراق قبل الموصل، وليس مناخات الهجمات الانتحارية التي كانت تحدث في العراق وتم نقلها الى لبنان خلال العام الماضي وبدايات هذا الصيف. وتم في هذا الاطار تجدد رصد حراك لبعض المجموعات السلفية التكفيرية داخل احياء في طرابلس التي كانت نزلت تحت الارض بعد اعلان الخطة الامنية التي اطلقتها الحكومة السلامية قبل اشهر. وكان العزم معقوداً من قبل كل من الحكومة والجيش اللبناني على استكمال هذه الخطة بعد عيد الفطر، وذلك انطلاقاً

من توجه راى بضرورة القيام بإجراءات عسكرية استباقية لمنع الإسلاميين المتشددين من تنفيذ سيناريو امني هدفه تعميم «مناخ الموصل» في لبنان.

ويبدو ان المتشددين نجحوا في استباق الإجراءات الامنية اللبنانية وقاموا بتنفيذ عملية السيطرة على عرسال بغية جعلها بؤرة لتجمعهم داخل لبنان والانطلاق منها لتحقيق عدة اهداف، الاول انشاء تماس اقتتال مذهبي في تلك المنطقة، الثاني ايجاد مخرج لخسارة الإسلاميين التكفيريين في معركة القلمون 2 ، وذلك عبر دفع وقائعها الميدانية لدخول اتجاه جديد وحيز آخر. والمقصود هنا جعل وجهتها لبنانية بعد فشل الاستثمار بوجهتها السورية.

وأصبح واضحاً الآن ان إلقاء القبض على ابو احمد جمعة عماد جمعة من قبل الجيش اللبناني لم يكن هو سبب انطلاق شرارة معركة عرسال، لأن اعترافات الأخير أكدت انه كان قادماً الى لبنان لإجراء استطلاع ميداني لبدء الهجوم انطلاقاً من الاراضي السورية ومن بيئات نازحين سوريين في لبنان، على منطقة عرسال اللبنانية.

ومعروف ان جمعة يتحدر من اصول تنظيمية تعود لمجموعة مسلحة تسمى « فجر الاسلام»، ثم انتظم مع «جبهة النصرة»، وقبل نحو اربعة أسابيع بايع مع نحو خمسمئة مسلح في القلمون ابو بكر البغدادي امير تنظيم «داعش».

وتفيد معلومات مستقاة من مصادر متقاطعة ان دخول المسلحين الى عرسال يتوسل تحقيق اهداف خطرة عديده، أبرزها إلحاق الساحة اللبنانية بمناخ «داعش» المتعاظم في كل من سورية والعراق. وأكدت هذه المصادر ان وجود «جبهة النصرة» في معارك عرسال الحالية هو ظرفي، ويأتي بحكم ضرورة تحالفها مع «داعش» تحت ضغط انهما في حالة حصار واحدة في منطقة القلمون السورية. ولكن فكرة ادارة وجه معركة القلمون باتجاه لبنان مصدرها «داعش» لأنها تؤمن من وجهة نظرها بأمرين اثنين حيويين وملحين:

الاول يتأتى من عدم وجود حل للمقاتلين المحاصرين في القلمون سوى إما الاستسلام وإما التحول للهجوم باتجاه فتح الجبهة اللبنانية.

الثاني يتصل بأن فتح معركة عرسال يأتي في صميم خطة «داعش» لاجتياز الحدود الإقليمية وتدميرها بالنار وانشاء حيثيات لإمارة البغدادي في كل دول المشرق العربي.

سيناريوات المواجهة

يشكل النطاق الجغرافي لمعركة عرسال ضد الارهاب مساحة واسعة تتضمن البلدة ذاتها عرسال المخطوفة من قبل المسلحين التكفيريين الأجانب ومنطقة جرود جبلية وعرة وواسعة ملحقة بها. وعلى هذا فإن حسم المعركة فيها يستلزم وقتاً غير قصير ليمكن تأمين كل هذه المنطقة.

وليس خافياً ان استراتيجية «داعش» في هذه المنطقة ترمي لإطالة المعركة زمنياً حيث يمكن استدراج بيئات سلفية اخرى داخل لبنان للاشتراك بها، ومن ثم لاعطائها زوراً صفة انها ثورة سنية في لبنان تستكمل ما حدث في محافظات الانبار والموصل وغيرهما العراقية. وضمن هذه الخطة لإنشاء امارة لـ«داعش» في الشمال، تقع اهداف تكتيكية من قبيل تشتيت تركيز الجيش اللبناني فوق مساحات مختلفة من الجغرافيا اللبنانية، اضافة الى خلق تماسات قتالية مذهبية في غير منطقة لبنانية.

دعوة الحريري الى طرابلس

وواقع ما تتضمنه هذه الخطة الآنفة من اهداف وتكتيكات عمل، تحتم برأي محافل سياسية وأمنية لبنانية ضرورة ان تتحرك مواجهته عبر اكثر من خط وذلك في شكل متوازن:

الخط الاول امني ويتعلق بإخراج المسلحين من عرسال وإعادة هذه البلدة الى حضن الدولة وحشر المسلحين الذين يقدرون بـ2500 هناك رقم آخر يقول 6000 في جرود عرسال المحاصرة التي ستصبح في حال تحرير عرسال بين ثلاثة أنياب كماشة، من جهة الجيش السوري المرابط على الجهة السورية من جرود عرسال، ومن جهة اخرى حيث يوجد المقلب الغربي من بلدة عرسال المقطونة ببيئة مناصرة للدولة وحزب الله، والجهة الثالثة الجيش اللبناني في بلدة عرسال نفسها وتخومها. وفي مثل هذا التطور يمكن دفع المسلحين الى جرود عرسال والتعامل معهم بالحصار والنار، وايضاً الرهان على جنرال الثلج في موسم الشتاء ليواجهوا هناك عدم امكانية الحياة ما يلزمهم بالاستسلام.

الخط الثاني سياسي، ويفيد بأن هذه المشكلة وطنية ولكن لديها خاصية سنية، وعليه مطلوب من الزعماء السنة التحرك لقيادة شارعهم بمواجهة محاولة التكفيرين اختطافه. ويذهب البعض لاقتراح يناسب مضمونه حجم الخطر، ويتم طرحه على شكل سؤال: لماذا لا يحضر الرئيس سعد الحريري الى طرابلس ليقيم فيها ويشن منها الهجوم السنّي السياسي الاعتدالي ضد هجوم «داعش» الذي يحاول التمترس في لبنان وراء مناخ المرض المذهبي في المنطقة.

واختتمت هذه المصادر انه لا ينبغي إخفاء حقيقة ان معركة «داعش» والتكفيريين على لبنان، لا يمكن صدها بعمل أمني مهما اتسع، بمعزل عن تحشد سياسي وطني لبناني جامع يدعم الجيش في هذه المعركة التي هي جزء مما يجتاح المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى