الحرب العالمية الثالثة… المحدّدات والموانع

د. محمد بكر

تتعقد مجدّداً الظروف المحيطة بالحرب السورية، ولا سيما مع جزئية تحدثت عنها صحف أميركية وبريطانية، ورجح حدوثها وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، وهي منظومات دفاعية جوية متطورة وأسلحة أميركية نوعية باتت في حوزة المعارضة السورية المسلحة أو في طريقها للوصول عبر ميناء العقبة الأردني، ما يشكل جزءاً جديداً من المسلسل الأميركي لجهة الإحجام عن تصنيع حلّ سياسي للأزمة السورية، والاستمرار في التعويل على إمكانية استيلاد إيلام من العيار الثقيل للروسي نتيجة تدخله العسكري المباشر في الميدان السوري، وتعديل ميزان القوى على الأرض لمصلحة الدولة السورية، ما حدا ببعض المراقبين إلى التحدث عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة جاءت صراحة على لسان الملك الأردني عبدالله الثاني قبل شهرين خلال لقائه أعضاء في الكونغرس الأميركي.

ثلاث كرات ضخمة في ثلاثة ملاعب تعدّ في اعتقادنا المحدّدات الرئيسة لإمكانية أن تصبح الحرب العالمية الثالثة واقعاً مادياً من عدمه:

ـ الكرة الأولى في الملعب الروسي، إذ أكدت مصادر سياسية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» «الإسرائيلية» أنّ لقاءات مكثفة جرت خلال الفترة الماضية بين مسؤولين «اسرائيليين» ونظراء لهم أميركيين وروس لضمان منع أيّ تواجد لإيران وحزب الله على الحدود مع فلسطين المحتلة، والإبقاء على جبهة الجولان جبهة مستقرة، وأن لا تشكل منطلقاً لتهديد «إسرائيل»، وهذا ما سيكون جوهر اللقاء الذي سيجمع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، إذ يؤكد الأخير على الدوام التزامه بعدم فتح جبهة الجولان وضمان التنسيق الروسي ـ «الاسرائيلي» العالي المستوى لمنع أيّ احتكاك أو تصادم في سورية، وعند هذه الجزئية نفهم ما تسرّبه المؤسسة السياسية «الإسرائيلية» للإعلام «الاسرائيلي» بأن هناك سعياً روسياً أميركياً حثيثاً لمراعاة المصالح الإسرائيلية.

ـ الكرة الثانية في ملعب الرئيس بشار الأسد وحلفائه لجهة أنّ أي تسوية للصراع الدموي المتفاقم في سورية تضمن بقاء الأسد في سدة الرئاسة، وتؤمّن ضغوطاً أميركية على المعارضة السورية الخارجية وداعميها الاقليميين للقبول بحكومة توافقية مع نظام الرئيس الأسد، ستكون على حساب تغيير سلوك الدولة السورية وحلفائها وتحديداً إيران وحزب الله على قاعدة عدم المساس بالأمن الإسرائيلي وطيّ سجلات المقاومة والممانعة إلى غير رجعة.

ـ الكرة الثالثة هي في الملعب الأميركي لجهة المحاربة الجدية للإرهاب وتفعيل حقيقي للعمليات العسكرية التي يقودها تحالف واشنطن ضدّ «داعش» وبالتنسيق مع موسكو، وهذا لن يكون إلا من خلال البوابة التركية للضغط على أردوغان أو التضحية به ربما، بوصفه عاملاً رئيساً لديمومة «داعش» و»النصرة» في المنطقة. من هنا نقرأ ونفهم ما أعلنته مصادر «إسرائيلية» رفيعة لجهة أنّ التنسيق الأميركي الروسي في سورية أكبر مما يبدو في الظاهر، وأنّ بيع وشراء الحلفاء جار على قدم وساق، وانّ نموذج البيع والشراء يتمثل في أردوغان الذي لم يعد في مقدوره الاعتماد على واشنطن في المسألة الكردية، إذ قرّر الروس والأميركان منذ الآن أنّ الأكراد أقلية ومن حقهم الحكم الذاتي، وكذلك نفهم في سياق مكافحة الإرهاب ما أعلنه مصدر سياسي رفيع لصحيفة «هآرتس» بأنّ هناك فرصة لهزيمة «داعش» في سورية، وأنّ الهزيمة مسألة وقت لا أكثر.

لا أحد يعرف أبعاد وتطورات الخطوة الأميركية الجديدة لجهة تسليح المعارضة بأسلحة نوعية، لكن في اعتقادنا أّن ذلك لا يشكل دفعاً أميركياً نحو حرب عالمية ثالثة، لا سيما أنّ ذلك الدفع لن يشكل تهديداً للمصالح «الإسرائيلية» فحسب، بل نسفاً كلياً لها، والتي ستكون بالضرورة في قلب النار، وهو أي الأميركي الذي أعلن على لسان الرئيس باراك أوباما قبل ثلاثة أشهر أنّ عودة سياسة التدخل المباشر في المنطقة تتجاوز قدرات واشنطن الواقعية.

ربما أكثر ما يزعج الإدارة الأميركية هو ما نشرته صحيفة «هآرتس» نقلاً عن مصادر سياسية «اسرائيلية» لجهة أنّ الروس رسخوا أنفسهم كمن يقودون الخطوات في سورية من الناحيتين السياسية والعسكرية، ومن هنا ربما يكون الجديد الأميركي بمنزلة رسالة ردع وفرملة للخصم الروسي الحاضر دولياً بقوة منقطعة النظير.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى