أسئلة وأجوبة: سورية ومنظمة المؤتمر الإسلامي «بيت المسلمين»
د. خيام الزعبي
قمة الأمة تعقد يومياً في حلب وفي حمص وفي دير الزور، يعقدها أطفال الأمة ويكتبون بيانها بدماء أجسادهم، فالدول تشاهد وتسمع يومياً تنكيل القوى المتطرفة وميليشياتها المسلحة بالسوريين، وقتل أطفالهم في الرقة وإدلب و…، ورغم ذلك لم تقم وزناً للطفولة وحقوقها حسب ما كفلته القوانين والأعراف الدولية، وأتى انعقاد القمة الإسلامية في دورتها الثالثة عشرة في تركيا بحضور عدد من زعماء الدول العربية والإسلامية، في ظلّ تحوّلات تاريخية فارقة، يعيشها العالم الإسلامي مع تعدّد مناطق التوتر وتصاعد العديد من الأزمات، وغياب الاستقرار، واستمرار الاضطرابات وتفاقم الأوضاع في المنطقة.
يناقش القادة ورؤساء الوفود في هذه القمة ملفات الإسلاموفوبيا والهجمات الفكرية والإعلامية الشرسة على الإسلام والمسلمين، والوضع الإنساني في العالم الإسلامي، إضافة إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي «الإسرائيلي»، والنزاعات في العالم الإسلامي والهجرة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، في ظلّ غياب سورية وغياب العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في وقت تعمل فيه تركيا على تطبيع علاقاتها مع «إسرائيل»، ومحاولة السعودية لتحقيق مصالحة بين تركيا ومصر.
يأتي انعقاد القمة في ظلّ عدد من المتغيّرات التي تشكل تحدّياً كبيراً للمنظمة، ومن ذلك، غياب سورية عن القمة والخلاف بين دول المنظمة بشأن كيفية التعامل مع الأوضاع هناك، واستمرار المخططات الصهيونية لتهويد القدس، وتعدّد الأزمات وعدم الاستقرار في المنطقة، وعلاقة أنقرة المتوترة مع بعض دول العالم الإسلامي خاصة القاهرة التي تأتي وسط حالة من الجدل بشأن إمكانية التقارب بين مصر وتركيا، بالإضافة الى الخلاف بين مصر وقطر التي تعتبر من أكبر الداعمين لجماعة «الإخوان المسلمين»، المصنّفة في مصر ضمن التنظيمات الإرهابية.
وتحت عنوان «الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام» تحاول بعض الدول الأعضاء المعادية لسورية تسخير واستغلال منظمة التعاون الإسلامي كأداة ضدّ سورية وتهييج الرأى العام ضدّ دمشق وإيران وحزب الله، بعد أن تمّ خرق لميثاق المنظمة التي يجب أن تتخذ قراراتها بالإجماع لكنها قرّرت في ختام قمتها في 15 آب من العام 2012 تعليق عضوية سورية في المنظمة، بينما عبّرت دول إسلامية عديدة عن رفضها لهذا القرار كون منظمة التعاون الإسلامي قامت على أساس الوحدة والتضامن، وإصدار هذا القرار يتنافى مع روح التضامن الإسلامي ويصبّ في مصلحة «إسرائيل» وحلفائها.
سورية كانت دوماً ولا زالت سنداً للدول الإسلامية والمسلمين أمام أيّ عدوان أو تهديد أو احتلال أو إرهاب، فهي الدولة العربية الوحيدة التي قاومت مشاريع الهيمنة «الإسرائيلية» ووقفت شامخة صامدة تعبّر عمّا تبقّى من كرامة قومية، متحدّية غطرسة الحلف الاستعماري الصهيوني، فقد قاومت مغامراته العدوانية وإملاءاته، منذ «كامب ديفيد» وغزو لبنان عامي 1978 و 1982، وخلال حرب الخليج التي قادها الغرب الاستعماري لتمزيق المنطقة، بعد انتصار الثورة التي أسقطت نظام الشاه، كما أنها الدولة الوحيدة التي ناصرت قضية فلسطين ومقاومة شعبها للاحتلال، واحتضنت المقاومة العربية في العراق ولبنان…
وعلى هذا… فالمتوقع من المنظمة الإسلامية التي أقيمت باسم الوحدة، ألا تعمل على تجميد عضوية سورية لأنّ هذا السلوك يتعارض مع فلسفة تشكيل المنظمة، وأتساءل هنا: كيف يمكننا الدفاع عن السلم والسلام الذي يدعو إليه الإسلام في ظلّ الدعم المالي والعسكري للمجموعات المتطرفة التي ارتهنت اسم الإسلام وشوّهت صورته الجرائم والمجازر وأعطت الإرهاب والتطرف الذريعة والمبرّر؟ وكيف يمكننا الحديث عن الوحدة وإقناع الشباب برعاية مبادئ الكرامة الإسلامية في الوقت الذي يجري إنفاق المليارات من الدولارات من المصادر المالية للأمة الإسلامية لشراء الأسلحة واستخدامها من قبل البعض ضدّ البعض الآخر بدلاً من أن تنفق على التنمية وتوفير فرص للشباب وتأمين متطلباته؟
إذاً، التباين بين رؤية عربية وأخرى حيال الأزمة السورية والأوضاع في المنطقة، هو تباين حقيقي واستراتيجي، وذلك يدلّ على غياب السياسة العربية الواحدة حيال أكثر القضايا أهمية، كما يدلّ على مدى التدخل الأجنبي في تغذية التباين العربي الإسلامي، وهذا ليس بجديد، اذ ليس من مصلحة أميركا وحلفائها أن يكون هناك توافق عربي سوري في وجه مخططاتها الإستعمارية في المنطقة، وهذا لا يحتاج إلى إثبات وإلى تعمق في الفهم السياسي والاستراتيجي، فالغرب منذ بداية الأزمة لم ينفك يوماً عن دعم القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة في سورية، في إطار ذلك هناك مجموعة أسئلة تفرض نفسها اليوم على المراقب والمحلل السياسي، لعلّ أهمّها: أما حان الوقت لعودة سورية الى عضويتها للمنظمة حتى لو أدّى ذلك الى غضب الإدارة الأميركية وحلفائها؟ أما حان الوقت لنرسي أسساً جديدة للخارطة الدولية في المنطقة؟ خاصة بما تمثله سورية من ثقل في محيطها العربي والإسلامي وبوابة الوجود العربي والقومي في المنطقة، فضلاً عن مواقفها المميّزة تجاه القضايا القومية في معركتها ضدّ مؤامرة الشرق الأوسط الكبير؟
أقول هنا إنه علينا اليوم تغيير المعادلة في المنطقة لأننا نقف أمام حقيقة واقعية وهي لا حرب من دون سورية ولا سلام من دون سورية، وما يحصل اليوم هو محاولة فرض سياسة الأمر الواقع الغربي «الإسرائيلي» على المنطقة.
أخيراً… أتمنى أن يكون هذا العام عام الأمن والاستقرار في ربوع الوطن سورية وينتهي في حلقاته العنف والخراب… نأمل أن تكون السعادة عنوانه وأن تطمس فيه كلّ أدوات الجريمة، وأن تتفق كلّ القلوب وتتشابك كلّ الأيادي وتفكر العقول لما فيه الصالح وتحلّ كافة المشاكل، فسورية محتاجة للجميع للملمة جراحها، كما أتمنى من كافة الدول أن ترفع يدها عن سورية وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات والقوى المتطرفة المتفاقمة ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح.
Khaym1979 yahoo.com