الحاخام الأكبر بين «الإسلاموفوبيا» وفوبيا «غير اليهودي»
روزانا رمّال
الزخم الذي يستند إليه زعماء التطرف الممتد من سورية إلى العراق بشكل أساسي يستند إلى نظرية دولة عنصرية قائمة على فكر واحد يُقصي كل ما دونه، لكن هذا الطرح يشكل وحده مؤشراً على أن الفكر العقائدي المتطرف يتقدم بالتوازي مع مشروع يقوم على اقتناص فرصة تشرّع صعوده وهو الوحيد في الشرق الأوسط المتمثل بدولة «إسرائيلية» تقوم على اعتبار الكيان «دولة لليهود».
يلفت تصاعد العمليات الأمنية في «إسرائيل» وازدياد منسوب التطرف والعنصرية بوجه الفلسطينيين الذين قدّموا نموذجاً جديداً من المقاومة الخارجة عن المألوف تتمثّل بانتفاضة لا تندرّج ضمن عمل سياسي منظّم مثل الذي اعتادت عليه القوى الفلسطينية المتمثل بحركات المقاومة أو التحرّر كفتح وحماس أو حتى الجهاد الإسلامي. فئات شبابية تعتزم الانتقام من التنكيل والاضطهاد «الإسرائيلي»، لكنها تقابل بدورها بانتقام «إسرائيلي» من نوع آخر.
يتم قتل الفلسطيني اليوم فقط لأنه «غير يهودي» لا لأنه ينفذ عمليات ضد الاحتلال، ويقتل أو يستهدف عناصر من قوات الاحتلال أو المستوطنين نفس السبب الذي يقتل على أساسه كلّ من لا ينتمي إلى فكر احد التنظيمين التكفيريين الأكثر حضوراً في المنطقة «داعش» و«النصرة». يتم قتل الفلسطيني اليوم بيد قوات الاحتلال على أساس ما يمثل من خروج عن العقيدة التي تنادي بها مدارس التطرف اليهودي التي ترجمت بعض الأحداث الحاصلة في المنطقة على اساس قدر إلهي على «الإسرائيليين» التعاطي معه بما يتناسب مع المرحلة من اجل الحفاظ على أكبر قدر ممكن من آمال نشوء الدولة اليهودية الموعودة.
تشكل المؤسسة الدينية الصهيونية اليوم في «إسرائيل» أبرز مواطن الدعم للسياسات الحكومية، لكن الأخطر من ذلك انها أصبحت احد ابرز بدائل تعويض الخسائر أو الهزائم التي حققها جيش الاحتلال بالمواجهة مع المقاومة في لبنان وفي فلسطين، والتي كادت تجعل من حلم بناء الدولة اليهودية سراباً بعدما ارتفع منسوب الهجرة «الإسرائيلية» إلى أوروبا حيث تعود أصول العديد من المستوطنين اليهود.
تستنجد المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» اليوم على الشريعة اليهودية والفكر الديني الذي من شأنه أن يُرخي نوعاً من الأمان النفسي والاستقرار الداخلي الذي يعيد التوازن الذي فقده الجيش «الإسرائيلي» بانكسار مهابته أكثر من مرة وما أدّى به للاستغناء عن زخم التمسك بهذه الدولة الموعودة.
يلعب حاخام «إسرائيل» الأكبر اليوم يتسحاق يوسف دوراً كبيراً في هذا الإطار، وهو الذي بات مجنداً بشكل أكبر لصالح تكريس فكرة حماية الحلم اليهودي المتمثل بحفظ مكانة اليهودي عن غيره، وبهذا الإطار تنقل صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قوله إنه وبحسب الشريعة اليهودية، لا ينبغي أن يعيش غير اليهود في «إسرائيل»، وإذا لم يوافق غير اليهودي على الالتزام بالشرائع النوحية، علينا إرسالهم إلى السعودية، عند وصول الخلاص الحقيقي والكامل. هذا ما علينا فعله! ويتابع قائلاً إنّ السبب الوحيد لاستمرار السماح لغير اليهود في العيش بالدولة اليهودية هو حقيقة أن المسيح لم يصل بعد، ويتابع: «لو كانت أيدينا حازمة، لو كانت لدينا القوة لنحكم، هذا ما علينا فعله… لكن المشكلة أنّ يدنا ليست حازمة، ونحن في انتظار المسيح»، على حدّ قوله.
يكرّر يوسف في أكثر من مناسبة وجلسة مع كبار رجال الدين المتطرفين اليهود فكرة «خدمة غير اليهودي لليهودي»، حتى باتت الاستفادة من هذا الأمر ضرورة سياسية خرجت عن منطق الشريعة لتنسحب إلى خدمة المشروع «الإسرائيلي» الذي كرّس اللعب على الغريزة الدينية لإنجاح مهمة عناصر الجيش «الإسرائيلي» في وجه مخاطر المواجهة مع الفلسطينيين بشكل أساسي. يقول يوسف اليوم بصراحة «إن غير اليهودي الذي يوافق على الالتزام بالشرائع النوحية» سيسمح له بالبقاء في «إسرائيل» وتأدية الأدوار المحفوظة لغير اليهود «لخدمة اليهود وإنّ على «الإسرائيليين» قتل الفلسطينيين منفذي الهجمات الذين يحملون سكيناً من دون خوف من القانون!».
واقع يميني متطرف ينتشر في «إسرائيل». وما قاله الحاخام انعكاس لدرجة التطرف التي وصلته المؤسسة «الإسرائيلية» من حكومة ومؤسسات يأتي لجرّ المنطقة إلى حرب دينية، فينتشر الخطاب الديني الذي يقدّس الشخصية الدينية ويتعامل مع كلّ غير يهودي على أنه درجة لا تصل إلى اليهود أو درجة منخفضة، ليس فقط الفلسطينيين، بل من كلّ الجنسيات.
ترتفع درجة الإجرام التي يقدّمها الجندي «الإسرائيلي» أمام عدسات العالم دون تردّد أو مهابة، فهو يشعر أنه بقتله للفلسطيني يقدم نموذجاً متفوّقاً من الوفاء والانتماء الإيماني للعقيدة اليهودية المتطرفة. بالتالي فإنّ قتل فلسطيني وتركه أرضاً يموت بدم بارد نموذج لا يهز المشاعر «الإسرائيلية» ولا يندرج ضمن انتهاك المعايير الأخلاقية.
يحظى بعض المنتمين إلى الجماعات المتطرفة في «إسرائيل» بحصانة واضحة، فالمستشار القانوني للحكومة على سبيل المثال يرفض التحقيق مع «الربانيم» وهو اسم يطلق على متعاطي الفتوى في الشريعة اليهودية – ومحكمة العدل العليا دعوى تحريضية للقتل المباشر للفلسطيني.
أخطر ما تمثله هذه الشريعة اعتبار ما تقوم به «داعش» بحق المسلمين والمسيحيين «مخاضاً تمرّ به الأمة اليهودية تمهيداً للخلاص»!
ترفض «إسرائيل» اليوم اعتبارها داعماً مباشراً للحركات التكفيرية، خصوصاً في الأزمة السورية، إلا أنّ المؤسسة الدينية تؤكد وجوب هذا الدعم من أجل ذلك الخلاص. التضييق على الوجود الفلسطيني بسبب هذه الفتاوى تصاعد وعملية القدس النوعية تأتي ضمن هذا الإطار المتشنّج. وعلى هذا تبدو مساحة الاقتتال الفلسطيني «الإسرائيلي» أحد أبرز أوجه الصراع المقبل الذي سيكون ساخناً بكلّ المقاييس قبل أيّ حلّ تسووي.