الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية… ما لها وما عليها… وبين الحضور والغياب أين نجحت وأين أخفقت
تحقيق: سعد الله الخليل ـ لورا محمود
مع بداية الأزمة السورية، استُخدم الإعلام كسلاح قويّ في استهداف مكوّن سورية الإنساني والحضاري، وبدأت القنوات العربية والأجنبية تنقل ما يجري في سورية وفق مخطّط يخدم أهداف مموّليها ومصالحهم، ما وضع الإعلام السوري أمام اختبار صعب جدّاً. فما عاشته سورية وتعيشه من حرب ممنهجة ومعقّدة من حيث الأطراف المتورّطة والمطامع الدولية، يجعلها محتاجة إلى عمل إعلامي مكثّف من قبل كلّ وسائل الإعلام والاتصال المتاحة، لنقل الحدث أو الخبر فور حدوثه، إضافة إلى العمل على بناء الثقة بين المواطن السوري وإعلام وطنه.
في بداية الأمر، كانت هناك حالة من التشكيك بالإعلام السوري الذي لم يكن قادراً على إقناع السوريين بما يجري. خصوصاً مع وجود وسائل إعلام متخصّصة ذات كفاءة وتقنية عالية، ولها باع طويل في العمل الإعلامي المؤثّر. ما جعل الإعلام السوري يواجه ظروفاً استثنائية تحتاج إلى نظرة أكثر واقعية وأكثر مهنية، لاجتراح بنية إعلامية قادرة على المجابهة، فتكون صفّاً واحداً ومسانداً للعملين العسكري والسياسي.
اليوم، ونحن ندخل السنة السادسة للحرب على سورية، ثمة تساؤلات أهمها: هل استطاع الإعلام السوري الرسمي المتمثل بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن يكون مؤثراً في الحرب الدائرة؟ هل استطاع أن ينقل معاناة المواطن السوري اليومية؟ وهل ثمة قفزة نوعية في التعاطي مع الخبر وإمكانية إيصاله إلى المشاهد؟ وماذا عن التغطية الإخبارية التي واكبت الجيش السوري مع تعدّدية المحطات الإذاعية والتلفزيونية وتنوّع الشريحة المستهدفة؟ وما تداعيات الأزمة على الإعلام السوري؟ هل ثمّة كوادر بشرية استطاعت مواكبة كلّ ما يحدث في الميدان العسكري والأروقة السياسية؟
انتقاد الإعلام الوطني تحفيز له
يرى الباحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية سومر صالح أنّ السوريين عموماً يحبون إعلامهم الوطني رغم وجود ما يقارب 1500 قناة تلفزيونية متاحة أمامهم. وهذا الكلام ليس إنشائياً وعاطفياً، بل هو واقع فعليّ يفسّر حجم الانتقاد الكبير أحياناً لأدواته الإعلامية. وبالتالي، الانتقاد هو من باب التحفيز لتقديم أقصى درجة ممكنة ومتاحة من النجاعة الإعلامية.
ويضيف: عند تقييم أيّ تجربة إعلامية، المعيار الأول يؤخذ لقياس النجاح يتمثل بالمصداقية والسرعة في نقل الحدث، ثمّ تأتي معايير تقنية فنية مثل الإضاءة والاستديو والمؤثرات البصرية ونوعية البرامج والضيوف.
ويوضح صالح عند الحديث عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية: نضع في الحسبان أنه إعلام حكوميّ، وبالتالي يمثل وجهة نظر رسمية. أي لا يجوز مقارنة هيئة الإذاعة والتلفزيون إلا بما شابهها من إعلام رسمي. وضمن هذه المقاربة تفوّقت الهيئة على كلّ أقرانها في المنطقة، العربية والإقليمية برمّتها. واستطاعت التصدّي بنجاح للإعلام المقابل. فإعلامها الحربي تجربة رائدة في مجال نقل الحدث الميداني إلى المُشاهد مباشرة، إضافة إلى أن الهيئة العامة حقّقت خطوات مهمة في مجال التخصّص التلفزيوني الناجح.
ويضيف صالح: يؤخذ على الهيئة ثلاث مثالب: الأولى أن ضخامة الهيئة وإمكانياتها الفنية والبشرية وتعدّد قنواتها الإعلامية، كل ذلك كان يسمح بتقديم أفضل مما هو عليه، لأن التنافس عالٍ سواء من القنوات المحلية الأخرى أو الإعلام المقابل وإعلام العدوان على سورية. المثلبة الثانية: حديث السوريين عن الإعلام الوطني عموماً يشير إلى مصداقية عالية في نقل الخبر الخارجي، لا تعكسه الانتقائية الداخلية في نقل الخبر والحدث. وطبعاً أنا أقدّر هذا الأمر باعتباره إعلاماً رسمياً، ولكن على الهيئة ذاتها السعي مع القائمين على الإعلام إلى ايجاد بدائل مقنعة للسوريين لضمان بقاء المُشاهد السوري ضمن النسق الوطني ذاته. أما العيب الثالث، ففي مجال البرامج التخصّصية، تعاني تلك المنابر التلفزيونية أحياناً من انتقائية في اختيار الضيوف، وأحياناً يعاني ذاك المنبر من عدم التجديد في وجوه ضيوفه، الأمر الذي يدفع المُشاهد إلى البحث عن جديد.
ويؤكّد صالح أنه لا بدّ من تحفيز الإعلام الوطني لأنه سلاح فعال يمثل إلى جانب سلاح الجيش العربي السوري أدوات النصر على الإرهاب. وتنتظره مهمات وطنية في مجال التوعية السياسية ورفع مستوى الثقافة العامة لدى المواطن السوري.
التعاطي مع الخبر بسلاسة وحيادية
في الحرب على سورية، برز عددٌ من المراسلين الحربيين الذين كانوا في ميادين القتال مع الجيش العربي السوري. منهم مراسل «شام أف أم» ماهر المؤنس الذي قال لـ«البناء»: يتواجد المركز الإخباري في كلّ المناطق الساخنة وجبهات القتال، وقدّم طاقمه دماءً وشهداء، لكن للأسف هذا ليس كافياً لإنتاج صورة مؤثرة. أعتقد أن المعيار الأساس لأيّ وسيلة إعلامية، مدى وصولها وتأثيرها، لا ما قدّمته وتقدمه مع كامل الاحترام للجهد المبذول. فلم يستطع المركز الإخباري حتى الآن مجاراة المحطات الإخبارية المتخصّصة، رغم امتلاكه الأدوات، والتمويل الذي قد لا يقلّ عن تمويل محطات إخبارية أخرى. ولا أعتقد أن وصوله وتأثيره كانا بالشكل المطلوب، وأعزو ذلك إلى ارتباط المركز الإخباري بآلية العمل الحكومية التي تتّصف بالثقل والبطء لاعتبارات كثيرة.
ويؤكد المؤنس قائلاً: أنا لست في موضع تقييم، لكن برأيي كمواطن عاديّ، أرى أن المركز الإخباري بحاجة إلى مزيد من الليونة والسلاسة في التعاطي مع الأخبار، وهوامش أكبر في تناول مواضيع حسّاسة، قد لا يتطرق إليها في نشراته، الأمر الذي يدفع المتلقي إلى الانتقال لمحطات أخرى كي يتابع الخبر منها. وأرى أن معايير المهنية لا تتعارض مع المعاير الوطنية، وكلّما كان الخبر مهنياً وحيادياً، كلما كان وصوله إلى شريحة أكبر من الجمهور، مع الحفاظ على المبادئ الوطنية.
إمكانية النهوض بالإعلام
وتحدّث مدير المركز الإخباري حبيب سلمان عن حالة الارتباك والصدمة التي عاشها الإعلام في الأشهر الأولى من الحرب على سورية، لكنه استطاع في وقت قصير جداً أن ينظّم عمله ويكون جاهزاً لأيّ طارئ. ويضيف: انتقلنا من مرحلة الارتباك إلى مرحلة الهجوم من خلال نقل الحقيقة التي حاولنا إيصالها بشكل كبير إلى كل الجغرافيا السورية. انطلقنا أولاً في المركز الإخباري إلى تحديد المفاهيم. فالمفهوم الأول الذي ركّزنا عليه أننا في سورية لم نتعرّض لأزمة إنما تعرّضنا لعدوان نتجت عنه أزمة من خلال تدمير البنى التحتية واستهداف المدنيين وشيطنة الدولة السورية. وبالتالي، عملنا على منظومة برامج وحاولنا من خلالها تفكيك عناصر هذا العدوان، الإعلامية والسياسية والإرهابية، وأيضاً كشفنا فبركات ومحاولات زرع مصطلحات كان ظاهرها جيد وباطنها سُمّاً.
ويقول سلمان إنّ المركز الإخباري كان حاضراً في كلّ مكان بين المتظاهرين وفي أماكن التفجيرات التي تستهدف المدنيين، وأيضاً في أماكن الانتصارات.
وأضاف: لقد حاولنا قدر المستطاع ألا ننخرط في سياق الحملة الإعلامية على سورية، لا بل حاولنا تبديد عناصر الأزمة وتحطيم منظومتها من خلال نقل الحقيقة والواقع بالصوت والصورة. فكانت لنا الأفضلية إضافة إلى الحضور القويّ لأن الأرض سورية.
ولفت سلمان إلى أنّ أيّ خبر كانت المحطات المعادية تحاول من خلاله الوصول إلى هدف معيّن، كنا نحن سبّاقين إلى تفنيده والتنبيه إليه، لأنه في الحقيقة خبر مفبرك. وقد حدثت حالات عدّة، كبثّ خبر على بعض المحطات عن انفجار معيّن قبل حدوثه.
وعن تأخر وصول الخبر قال سلمان إن الموضوع نسبيّ، فالخبر عندما يتعلّق بسورية يجب أن نتوخّى الحذر والمصداقية إلى حدّ كبير. ومن خلال استبيانات وإحصاءات أجريناها، وجدنا أنّ المواطن السوري وحتى المنخرط مع المجموعات المسلّحة، يعتبر الإعلام السوري مقياساً لمصداقية الخبر وتأكيده، سواء ما نبثه في نشراتنا الإخبارية أو عبر النقل المباشر. لذا، نحن حريصون ألا نذيع أيّ خبر نعتذر عنه لاحقاً، وحريصون كثيراً على مصداقية هذا الخبر. وأعتقد أن التأخير في الأخبار بمقياس اليوم هو بضع دقائق، ففي بعض الأخبار علينا أن نحترم ساحات تلك الأخبار خصوصاً في العمل العسكري، فنحن لا نبثّ أيّ خبر يتعلق بالجيش العربي السوري إلا بالتنسيق مع قيادات هذا الجيش ومع الإدارة السياسية، المنبر الإعلامي الناطق بِاسم الجيش السوري. فهناك أخبار ربما تكون إشاعات. لذا، لا نستطيع بثّها من دون التأكد منها.
ويقول سلمان معاتباً: إنّ التشكيك أو الاتهام بالتأخر في بثّ الخبر، بمثابة تجنّ على الإعلام السوري الذي نعتبره مصدر الخبر. بدليل أن غالبية الشاشات ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأخرى، مصدرها التلفزيون السوري أو الوكالة السورية للأنباء «سانا». ويقول: صرنا مصدراً للخبر، والتأخير أحياناً يكون في حالات لا يستطيع أن يقرّرها الإعلامي أو حتى وزير الإعلام. فقد تتعلق بالردّ على موقف سياسيّ خارجيّ. هناك جهات معينة منوط بها هذا الردّ.
ويضيف: هناك بعض الأخبار داخل سورية تردّ عليها جهات معينة مسؤولة عن الردّ عن هذا الخبر. فالإعلام ليس بازاراً للمزايدات. والمهم في الإعلام التوازن والمصداقية والدقة، وهذا ما نفعله لأننا نعتبر أنفسنا إعلاماً مسؤولاً.
ويرى سلمان أن هناك محطات تُعتبر منصّة للعدوان على سورية، وبالتالي لا مشكلة إن أذاعت خبراً صحيحاً أو خاطئاً، فهي بالأساس تعتمد في منظومة عملها وحملاتها الإعلامية على ذلك. وهناك نوات أُنشأت خصيصاً للنيل من الدولة السورية والكذب والفبركة والتضخيم من جهة، ومن جهة أخرى لرفع معنويات الإرهابيين والتقليل من إنجازات الجيش السوري. وبالتالي، هذا الخليط من الأخبار لا يتمتع بمصداقية.
وفي سؤال عن سبق بعض القنوات التي لا تتّخذ موقفاً عدائياً من سورية في نقل الخبر السوري قبل الإعلام السوري، خصوصاً في المجال الميداني العسكري يقول سلمان: لقد سُمح لجميع وسائل الإعلام أن تكون حاضرة لتكون شاهدةً على الحقيقة بدلاً من الشهود العميان الذين تعوّدنا عليهم في المحطات التي تهدف للنيل من سورية. ولكن هذه الوسائل والمحطات تنقل أحياناً خبرها الذي تعتبر نفسها سبّاقة في نقله بشكل غير دقيق. لذا، نضطر في أحيان كثيرة أن نراجع مصدراً إعلامياً أو عسكرياً لنصحّح معلومة نقلتها هذه المحطات. وحدث ذلك أكثر من مرّة في حلب ودرعا وريف دمشق وحماه. فعندما نتحدث عن خبر، يعني أن تكون لدينا مجموعة عناصر وأكثر من مصدر لنعتبره خبراً. لا يكفي أن يتصل بنا قائد ميداني أو فصيل معين، علينا أن نتحقق من المعلومة من مصدرين على الأقل حتى نتبنّاها. فبعض حالات التسرّع واندفاع بعض الإعلاميين يدفعهم إلى إعطاء معلومات لمحطاتهم أحياناً تكون متسرّعة. لذلك، إن الإعلام السوري إعلام مسؤول مضطر ألا يقدّم أي خبر إلا مدققاً فيه وصحيحاً مئة في المئة.
أداء عاطفي مندفع
يؤخَذ على أداء مراسلي المركز الإخباري الاندفاع وتغليب العواطف والكلام الإنشائي على حساب المعلومة والمضمون الإخباري، إذ بدت تغطية أحداث ميدانية كثيرة على رغم أهميتها، أقرب إلى كلّ شيء ممكن إلا الإعلام، وفيها الكثير من التهريج والاستعراض المجانيّ البعيد عن المنطق والمهنية. وحول هذه النقطة يقول سلمان: بعض المراسلين تأخذهم أحياناً العاطفة والحميّة على حساب المعلومة، وهذا أسمّيه خطاب تعبويّ إلى حدّ ما، قد نبرّره في حالات الحرب، لكن في الحالة الإعلامية والمهنية غير مبرّر. ولكن المزج بين المهنية والتعبوية في حالات معينة مطلوب جداً، وقد تطغى العاطفة أحياناً على المهنية. ففي الحديث عن الإعلام المجرّد نجد أن الإعلام السوري لم يميّز بين نفسه وبين الجندي المقاتل على الأرض خلال العدوان على سورية. بدليل أننا كنا دائماً في الخندق الأول مع الجيش العربي السوري. مثلاً، في حلب، عندما كان مراسلنا الحربيّ في سجن حلب المركزي أو في مطار كويرس العسكري، كان يعيش أسابيع مع الجيش العربي السوري. وبالتالي صار جزءاً من هذا الانتصار. ولكن حتى لو امتزجت أحياناً العاطفة مع المهنية، إلا أنني مع تغليب المهنية والمعلومة في الإعلام على العواطف.
سبق الأصدقاء والحلفاء
وردّاً على سؤال حول إعطاء بعض المحطات كـ«الفضائية السورية» حقّ التفرّد أو السبق الإعلامي في الدخول إلى المناطق الساخنة قال سلمان: «طالما أن الأرض سورية فهناك حقّ لمحطة سورية أن تكون سبّاقة في هذا الخبر عن غيرها، ولكن السبق لدى بعض المحطات الأخرى يعتبر تجاوزاً، والقاعدة طالما أن الحدث سوريّ، يكون السبق للإعلام السوري. والأساس في السبق الإعلامي هو للقادة الميدانيين من جهة، والإدارة السياسية من جهة أخرى. فبعض الجبهات تعطي السبق فيها للفضائية السورية وجبهات أخرى تعطيه لمحطات أخرى كونها تعتبر أن جميع المحطات التي واكبت الحدث السوري بموضوعية منذ البداية، لها الحق أن يكون لها السبق والوجود في تغطية الميدان السوري».
وتابع سلمان: «الخبرة التي اكتسبناها خلال السنوات الخمس على رغم تعرضنا لعدوان كبير، نتجت عنه أزمة متعدّدة الجوانب والتداعيات، كانت كاشفةً لنقاط ضعف كنا واقعين فيها، وبالتالي كانت فرصة للنهوض بعملنا من جهة، وللانتقال بهذا الإعلام من ساحته المحلية إلى ساحات العالمية من جهة أخرى. بحيث بتنا ننافس محطات كثيرة بعضها يعمل بمصداقية، ومئات منها تعمل بشكل عدواني. وبالتالي، نحن أصبحنا في خندق مواجهة كبير وتجاوزنا المنافسة إلى المواجهة».
ويعتقد سلمان أنّ الساحة التي برز فيها الإعلام السوري أكثر وكشف عن قدرته، بدت في مؤتمر «جنيف 2» كأول اجتماع يخصّ سورية منذ بداية الأزمة. حضرت فيه وفود رسمية وسياسية وإعلامية سورية، حيث استطاعت أن تفرض الحق السوري وعدالة القضية السورية، وتكشف كذب الآخرين. ويضيف: «الموجودون هناك فوجئوا بالحقائق التي قدّمناها لهم وبحجم الإرباك في الطرف الآخر أي ممثلي المعارضة. وأعتقد أنّ الإعلام السوري كان أمام مفصل كبير، وقد باتت هناك خبرات كبيرة وعمل محدّد الاهداف والخيارات، وأصبحنا نضع خططاً للعمل في السنوات المقبلة».
بين الإبهار والإقناع
يقرّ سلمان بحاجة نشرات الأخبار والبرامج السياسية في التلفزيون السوري إلى تطوير. ويلفت إلى الضعف في الموضوع التقني وأساليب الترويج والإبهار البصري. ويقول في هذا الصدد: «اعتمدنا على المصداقية والحقائق، لكننا ما زلنا نعاني في الموضوع التقني والفني. والأسباب ذاتية وموضوعية. فالإعلام السوري قبل 2005 كان معاقباً، ونحن محرومون من كل التقنيات التي يحتاج إليها الإعلام. وعلى رغم الأزمة، استطعنا أن نطوّر نشرات الأخبار وبرامج الفضائية السورية، وأطلقنا قنوات في ظلّ الأزمة سواء في التلفزيون أو الإذاعة، وباتت لدينا إذاعة محلية في كل محافظة سورية، وأصبحنا نعتمد على المواقع الإلكترونية وإذاعة الأفلام والتقارير، خصوصاً الميدانية والاجتماعية، لإيصال حقائق ما يجري في سورية إلى الآخر عبر نشرات أخبار بالإنكليزية والفرنسية والروسية والتركية والإسبانية، كل هذا لتصل الحقيقة كما هي وبلغة من يتابعها».
تحدّي الظروف
لا يخفى على أحد، كيف انطلقت قناة تلاقي بشكل مميز، على رغم الظروف والإمكانيات المتواضعة. إذ حاولت مخاطبة أكبر شريحة ممكنة من الجمهور السوري.
وحول سياسة القناة يقول مديرها ماهر خولي: «تتوجه قناة تلاقي إلى السوريين خصوصاً، وإلى كل المشاهدين عموماً، بمضمون يراعي الأسرة السورية، وجرعة الثقافة فيها هي الجرعة الأهم والأكبر. وهذا لا يعني غياب المضامين الأخرى لا سيما السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأحياناً الدرامية والفنية. فعندما انطلقت قناة تلاقي رفعنا شعار يقول: هي دعوة لنلتقي ولو في منتصف الطريق. هذا الطريق مشيناه معاً منذ 7000 سنة وسوف نكمله معاً».
وأضاف خولي: «القناة انطلقت في عزّ الأزمة السورية في 20 5 2013 ونتمنّى أن نكون قد حققنا هدفنا في لمّ الأسرة السورية من خلال المضامين المتواجدة الآن على شاشة القناة، لكن إلى أيّ درجة نجحنا وأين أخطأنا، هذا أمر يحكم عليه الجمهور، إذ تغيب استطلاعات الرأي أو الاستبيانات التي تدلّ أو تؤشر إلى الحالة التي وصلنا اليها عند الجمهور، وهذا ينطبق على عموم قنوات التلفزيون السوري. وإذا كان هناك من مؤشر حسّي استطيع أن استند إليه، فهو صفحة قناة تلاقي على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحقّق أعلى نسبة متابعة بين صفحات التواصل الاجتماعي في سورية، ونقترب من ثلاثة ملايين متابع، وبحسب الاحصاءات نأتي في المرتبة الرابعة بعد مجموعات MBC وبعد قناة الميادين، وقريبين جداً من قناة العالم. وهذا المثال أسوقه للتدليل إلى مستوى متابعة قناة تلاقي إذا افترضنا أنّ صفحة القناة أو موقع القناة يؤشران إلى هذه المتابعة. ومن المنطقي أن تكون المتابعة من خلال الشاشة أكثر لأن صفحات التواصل الاجتماعي ليست متوفرة لعموم الناس مثل الشاشة الصغيرة».
ويتابع خولي: «نحن لا ندّعي أننا نستطيع الوصول إلى كل الناس، وهذا حال جميع وسائل الإعلام، لكن إذا استطعنا الوصول إلى أعلى نسبة من الشريحة المستهدفة، أعتقد عندئذ أننا حققنا الهدف الذي نصبو إليه».
ويضيف: «هناك تحدّيات واجهتنا في القناة منها أن متوسط أعمار العاملين في قناة تلاقي كان تقريباً 25 إلى 27 سنة، وغالبيتهم يعملون للمرّة الأولى سواء في إعداد البرامج التلفزيونية أو الاخراج التلفزيوني، وهذا الامر نفسه ينطبق على المحرّرين. فانطلقنا مع مجموعة من الشباب أصحاب الهمم العالية وأصحاب المشاريع، أو على الأقل الراغبين بالانضمام إلى مشروع قناة تلاقي التي تعتبر جزءاً من الإعلام السوري. ومن التحدّيات التي واجهناها أيضاً، هجرة مجموعة لا بأس بها من العاملين في القناة في مهنتي الاعداد والاخراج، فالتحدّي دائماً موجود حتى في حالة وجود العناصر المحترفين أصحاب الامكانيات الهائلة. فنحن نريد الوصول إلى أعلى نسبة مشاهدة لدى الجمهور».
ويلفت خولي إلى تنوع المواضيع المطروحة على شاشة قناة «تلاقي»، والذي يفرض توفّر مجموعة من العاملين المتخصّصين في اختصاصات معينة وهذا ليس متوفراً بشكل دائم. ويقول: «الامكانيات المادية هي الأقل أهمية بالنسبة إلينا على رغم أننا نعاني مادياً، ولا شك في اننا نعاني على مستوى البنية التحتية، ونعاني أيضاً كباقي القنوات من غياب العنصر الذي يحب هذه المهنة. فنحن نبحث عن العنصر البشري الذي نواجه صعوبة في توفّره، لا سيما الموهوب. فمهنة الإعلامي تحتاج إلى ثقافة وخبرة وتراكم وإبداع، وهذه العناصر ليست متوفّرة على الدوام».
ويلفت خولي إلى بعض الطرق التي تقود إلى التعاقد مع أصحاب خبرة متميّزة كالدكتور عماد فوزي الشعيبي، والدكتور حسن حمية، والأب إلياس زحلاوي. وقال: «عندما تكون هناك طاقات متميزة نستطيع ببعض الجهد والمال على قلته أن نستعين بهؤلاء الاشخاص. ولكن هذا ليس قانوناً دائماً. فالقانون يعتمد على أدوات لا تسمح لنا أن نستقطب هذه الامكانيات دائماً. هذه المهنة لا يمكن لكل من هبّ ودبّ أن يمارسها، فهي تحتاج إلى تراكم معرفيّ وشغف، إضافة إلى الجانب المادي الذي لا نستطيع الآن أن نحيّده جانباً، لا سيما أننا نعيش جميعاً كسوريين ظروف اقتصادية صعبة».
وحول بصمة قناة «تلاقي» الخاصة في الإعلام السوري يقول خولي: «أنا متشوّق إلى معرفة هذه النتيجة بشكل علميّ. فنحن نحتاج إلى بحث علمي عن طريق كلية الإعلام لمعرفة موقعنا بين القنوات التلفزيونية السورية، سواء كنا نسير على الطريق الخاطئ أو الصحيح، كي نصوّب البوصلة. وأعتقد أننا نحقق بعض ما يصبو إليه الجمهور السوري، لا سيما في الشأن الثقافي».
وخصّ خولي «البناء» بتصريح هو الأول له لجهة إعلامية فقال: «إننا نعمل على أن تكون قناة تلاقي على المديين البعيد والمتوسط قناة متخصّصة في الشأن الثقافي فقط، لأن سورية بما تملكه من تاريخ عريق وغنى ثقافي، تستحق أن تكون لها قناة متخصّصة. نحن اليوم لدينا بنية قناة، صحيح أن ما يعرض عليها لا يلبّي جميع الرغبات لدى المشاهدين، ولكن طالما توفّرت لدينا بنية قناة، فبإمكاننا أن نعمل على برامج مغايرة لكل ما يعرض عليها لتلبّي حاجات الناس، وأعتقد أننا الآن أيضاً نملك بنية بشرية جيدة تستطيع الإقلاع بقناة تحقّق طموحات الناس».