التحدي «الإسرائيلي» الجديد
بشارة مرهج
اجتماع الحكومة «الإسرائيلية» بالأمس، في هضبة الجولان، له دلالات استراتيجيّة أبرزها تكريس الزعم الصهيوني بأنّ هذه الهضبة السورية بأرضها وشعبها وتراثها هي أرض يهوديّة، وإنْ جرى احتلالها عام 1967 وضمّها العام 1981.
لا، بل إنّ رئيس الحكومة العنصرية بنيامين نتنياهو يذهب أبعد من ذلك ويستنفر العالم بأسره حينما يعتبر أنّ كيانه الغاصب قد حرّر الهضبة من الاحتلال السوري، وأعادها إلى حضنها الأمّ.
وهو إذ يستفيد من الأوضاع العربية المتفككة، وانشغال سورية بمقاومة التطرّف والغلوّ، وتوجّه البعض منكسراً نحو تل أبيب، فإنّه يجاهر وحكومته أمام المجتمع الدولي وبخاصّة واشنطن وموسكو بأنّ كل القرارات الدوليّة المتّصلة بالجولان هي وهم، ولا تساوي الحبر الذي كُتبت به، وأنّ المفاوضات التي جرت بشأنها إنّما كانت مناورات محسوبة للخداع وللتمويه.
وها هو يقولها اليوم بكل صراحة لملوك ورؤساء المنطقة العربية والإسلامية، وقراراتهم الملتبسة حول القدس والأقصى المبارك: «ألا انسوا الجولان واشكروا ربّكم أنها أصبحت بحوزتنا الآن منطقة مستقرّة وسط منطقة ملتهبة، لم تُحسنوا إدارة دولها، ولم تُحسنوا إطفاء نيرانها».
وعندما يستطرد نتنياهو فيقول إنّ موضوع الجولان غير قابل للنقاش أو المفاوضات، فإنّه يضع الجميع أمام الأمر الواقع من دون مراعاة، حتى لأصدقائه، ومن دون رسم خيوط واهية لمفاوضات كاذبة، كما كان يحدث للقضيّة الفلسطينية طيلة العقود الماضية، وحتى الأمس القريب.
إنّه يشعر اليوم بقدرة فائقة على كشف كل أوراقه أمام المجتمعات العربية والإسلامية والدولية، التي تقف مرتبكة وعاجزة أمام الإرهاب الإسرائيلي و«مصرّة» في الوقت نفسه على إدانة المقاومة واتّهامها بشتّى الاتّهامات.
وبعد تجرّع الحقيقة المرة التي أفرزتها جلسة الجولان المحرجة، لا تخطئ القيادات العربية بحق نفسها والقضية، إذا توقّفت هنيهة وأعادت النظر في نهجها السائد الذي يكاد يحوّل الأرض العربية مسرحاً مفتوحاً للنهب الاستعماري، والمواطنين العرب إلى لاجئين في أرضهم أو في العالم. فإذا كانت هذه القيادات تخاف تل أبيب وسطوتها، فإنّ مسايرتها كما تبيّن بالتجارب المرّة لن تحلّ المعضلة، وإنّما ستزيدها اشتعالاً، ولا مجال أمامها لحماية أنفسها، وقد استبعدت الحل العسكري نهائياً، سوى القطع السياسي والحصار الاقتصادي لكيان عدواني قال عنه كيسنجر إنه وجده يختنق من المقاطعة الاقتصادية العربية سنة 1973.
أمّا في ما يعود للمقاومة، فالأفضل بالنسبة لهذه القيادات أن تدعها وشأنها كي تمضي في الطريق الذي ثبت بشكل قاطع أنه الطريق الذي كسر بنيان الذل والانحطاط، وأحرز نتائج باهرة لا ينكرها عاقل أو حريص.
وزير سابق