حوار: عن اليسار وأمراض أخرى
شادي بركات
يشير المنبه الصوتي الى وصول رسالة على البريد الفيسبوكي.
انه صديقي الهادئ،
ولكن هذه المرة ليس بهادئ: “خلقو طالع”… يبحث عن “فشة خلق” باليسار العامل عند سمو الأمير برميل النفط.
مستاء من بعض وسائل الإعلام المحسوبة على منظومة المقاومة وسلوكها الشبيه بسلوك الجزيرة “عم يعملولهم رافعة ما بتفهم”.
يصمت قليلاً… ثم يلعن أحد مقدمي البرامج “الثقافية” على إحدى القنوات المنتشرة حديثاً.
المنطق بثلاث مفاصل:
لما بدء مشروع لبننة الحزب الشيوعي برزت كوادر خارج الحالة المقاومة تعمل بالأدب والعلوم والفنون بدعم من الدولة اللبنانية وبتسهيل منها (غزوة الاعلام)، كان ذلك بإدارة جورج حاوي… طبعاً لن يستثيغ هذا الكلام كتير من الناس، حتى المقتنيعن به، فبرأيهم ليس هذا وقته.. لكن لصديقي رأي آخر: هنا بدأت المشكلة.
هم اليوم انتقلوا من المحرّك القطري (الذي يبحث عن أدوات جديدة)، الى محرّك من منظومة المقاومة.
يعملون تحت ادارة الراعي (المحرّك) المهادن لمشيخات النفط بعيداً عن انتقاد السياسات الرجعية العربية، هنا دورهم ولا يجيد الدور سواهم: البكاء والبكاء والانفعال السلبي أمام كل القضايا، فلا يختلفون اليوم أبداً عن مشروع المنظمات الخادمة لشركات النفط “زيهم زي داعش”، مفاصلهم الثلاث ترتكز كونهم:
1- ضد سوريا ومع خرابها.
2- مع فلسطين لكن دون مقاومة .
3- لا يهاجمون المصالح الخليجية أبداً.
يتوقف الحديث مجدداً، ليرسل لي ضحكاته الطويلة “خلص فشيت خلقي معك هون”، وكأنه يقول هل من جدوى في الكلام؟ فشة خلق.
الظاهرة واضحة عند كل قارئ، نفس الأجهزة تريدنا “زيهم” كمثل هذا اليسار، نختلف على الديمقراطية وانبثاق السلطة.. لنفرز نفس النتائج: أحزاب ترقص في اعتصام تضامني مع الأسير جورج عبدالله وتفرز لنا مناضلين استبدلوا البنادق والقاذفات بالكاميرات والمدونات.
لا شيء في علم الإجتماع السياسي يمكن أن يفسر احتواء الاعلام اللبناني والعربي لهذا الكم الهائل من الصحفيين والمنظرين التافهين من اليسار…
في حقبة الحرب الباردة، كان جوهر توظيف هذا الاعلام ضرب المنظومة الشرقية وهم بداخله.. تظهير مشهد: مقاوم ضد مقاوم! شغلة غريبة.
الغباء أن الاعلام السوري على امتداد مسيرته وقع بنفس الفخ، حيث أخذ القرار بفتح المجال الإعلامي لكوادر اليسار في إعلامه الرسمي ليتقدم على كوادر لديها بوصلة واضحة عتّم عليها بشكل كامل، باستثناء الماغوط الذي فتحت له بعض القنوات على هذه المساحة الإعلامية… وبأي ثمن دفعه الماغوط.
العجيب أن رأس المال الاعلامي في الشام والمملوك لشخصيات فائقة الثراء والترف تواصل استحضار هؤلاء وتلميعهم واستثمار وجودهم. ولا ندري من خان طبقة ما وفق التحليل الماركسي.
هنا كأي مكان آخر في أعتى النظم الغربية ادعاءً للتحضر: الاعلام يوجه. من دول وأجهزة.
فيما الخروقات على المستوى الإعلامي المفتوح التي تنفذها مجموعة شبابية عقائدية منظمة هي مجرد خروقات لا تدخل بالذاكرة الجمعية للناس.. بشكل أوضح: مهما بلغ حجم هذا المجهود الإعلامي، لا يساوي حلقة واحدة من مسلسل غربة أو من مشهد أحمد قعبور يغني على المياديين.
سايكس بيكو الطاعون والطاعون سايكس بيكو.
صحيح! ولكن سناء محيدلي قادرة على قلب المعادلة وحيدةً (العمل الغير تقليدي).
أكيد، حين يكون العقل العسكري يبحث عن اصطياد أرييل شارون عند غاليري سمعان، وليس القيام مؤتمر يطرح فيه اشكالية انبثاق السلطة لدى فصيل مقاوم!
وهكذا…
في كل حزب يوجد “يساري” كما في داخل كل انسان “داعشي”.. هنا أيضاً تيار شبيه، دجّن من الأجهزة المحلية.
يبدي صديقي انزعاجه من بروبغندا تكريم نبيل العلم التي اقيمت في الحمرا.
المناسبة بحد ذاتها ليست الإشكالية، ولكن استحضار المنظيمن لأناس هدفهم المزايدة على التيار المقاوم وهم ولا لمرة واحدة كانوا ضمن جهد المقاومة، ولا لمرة كانوا على لائحة ارهاب دولية، ولا لمرة تعرضوا لمحاولة اغتيال أو قصف طيران العدو مقراتهم ومواقعهم… لنتعلم اذاً كيف يحضر السم في العسل.
بالمحصلة هي عملية جراحية دقيقة لتحويلها من حرب الحديد بالحديد والنار بالنار الى مقاومة اضاءة الشموع.. كحد أقصى.
ولكن أليست المشكلة في العقل الذي ما عرف إدار اللحظة فاستفاد منها العدو؟ تفسير وشرح هذه الظاهرة يصب في تفكيك هذه حالة وغيرها من سنفونيات البكّائين.
مثلاً جماعة “العمّ” هم حالة مدجنة قديمة من الأجهزة اللبنانية..
جورج عبد المسيح يعتبر بشير الجميل قُتل على يد “الاسرائيلي”، لديه كوادر نسّقوا مع “القوات اللبنانية” يوم اجتيحت بيروت.
وهكذا..
هؤلاء كانوا يكرّمون نبيل العلم!
يقول صديقي: في المعارك الوجودية عند الانسان وعند الحيوان والنبات وكل ما هو عاقل في الحياة العنف هو بوابة البقاء، العنف كما أي شيء في العالم عندما يعتنقه العقل يصبح قوة حياة، وعندما يرفضه العقل يعطل الحياة. عندما نقول في فكرنا أن القوة هي القول الفصل نعني مذهباً فكرياً قومياً يفهم كيف يطوّر العنف في الانتفاض لمصلحة حياة الأمة، لذلك نحمل في هذه القوة تفوقنا القيمي والأخلاقي.
ماجستير في إدارة المنظمات الإلكترونية