إسرائيل والتحالف المصري السعودي: محور اعتدال جديد

عامر نعيم الياس

علناً، خرج رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ليتحدث عن «علاقات مع دول المنطقة» خلال العدوان «الإسرائيلي» على غزة التي تعد «ذخراً مهماً لإسرائيل»، موجّهاً تحذيراً شديد اللهجة إلى قطر التي اتهمها «بتمويل» حركة حماس، هذا التصريح جاء بعد كلام الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز عن ضرورة «مكافحة الإرهاب» في المنطقة من دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى تعبيري «مقاومة» أو «إرهاب إسرائيلي». قبل ذلك كلّه نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريراً الأسبوع الماضي أشار إلى تفضيل «إسرائيل» السعودية على قطر، إذ ذكرت أن «إسرائيل لن توافق بأيّ شكل من الأشكال على دور قطري وتركي في التسوية… إن المستوى السياسي يبحث في هذه الأيام ويدفع باتجاه تسوية على المسار المصري- السعودي، بحيث يرمي التدخل السعودي إلى المساعدة في المجال الاقتصادي لترميم غزة بعد الحرب». فهل يعني ذلك دخول الكيان الفعلي على خط التحالف المصري ـ السعودي؟ هل يتوسّع محور الاعتدال في المنطقة، أم أننا أمام انقسام فعلي في المحور المعتدل بين جناحين تشكل «إسرائيل» نواة أحدهما؟ ألا يفسّر شكر نتنياهو لبعض الدول هذا الإصرار أو الإجماع الدولي على المبادرة المصرية باعتبارها الحل الوحيد المطروح على الطاولة؟

حمل خطاب رئيس حكومة العدو الصهيوني مضامين عدة لجهة توجيه الشكر أولاً إلى دول معيّنة في المنطقة، وتوجيه اللوم بالتوازي إلى دولٍ أخرى ذكرها بالاسم وهي قطر دون الاقتراب من تركيا، وفي ذلك تحديداً مؤشر على رمي الدولة العبرية لثقلها في المواجهة الإقليمية القطرية ـ السعودية إلى جانب الأخيرة على اعتبارها الهدف الأساس لعملية تطويع المنطقة بيد الكيان الصهيوني، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تأتي خطوة نتنياهو هذه في ظل حدثين بارزين: الأول، يتعلق بالربيع الأميركي وتداعياته السلبية على المنطقة ككل من لبنان والعراق مروراً بسورية وليس انتهاءً بالتشظي في ليبيا. والثاني، يتعلق بالحوار الإيراني ـ الأميركي في الملف النووي الإيراني، ومحاولة الأطراف المنخرطة في هذا الحوار الحفاظ على مستوىً متوازن من العلاقات مع القيادة الإيرانية سمتها الانفتاح المضبوط خصوصاً ما يتعلق بملف تخفيف العقوبات الاقتصادية، وهو أمر لا ينال رضا الكيان الصهيوني والمملكة السعودية التي عملت ولا زالت تعمل جاهدةً على تغيير بوصلة العداء من «إسرائيل» إلى إيران، وربما جاء العدوان على غزة ليشوّش هذا المسار الذي أعاد نتنياهو تصويبه، وبالتالي من الواضح أن الحكومة الصهيونية تحاول في إطار صراعها الثنائي مع الإدارة الأميركية حول الخيارات في المنطقة، بناء محور اعتدال جديد تكون هي نواته إلى جانب مصر والمملكة السعودية التي لم يعد أمامها خيار سوى الاستمرار في المواجهة في سورية والعراق حتى النهاية، وهي لن ترفض أي موقف صهيوني في هذا الإطار سواء كان علنياً أم ضمنياً. هذا المحور يلعب على حبال التردد الأميركي في المنطقة والانقسام حول إدارة الملفات الساخنة فيها بما يسعّر ديناميات الفوضى الخلاقة في المنطقة، ولا يخرق أبداً الخطوط الحمر الأميركية في ما يخص أمن الحلفاء ولعبة توزيع الأدوار فيما بينهم، بمعنى آخر لن يكون هذا المحور موجهاً للصراع ضد المحور القطري التركي إلا في إطار تدمير سورية والعراق وليبيا وحتى لبنان وامتلاك الأوراق في هذه الدول عبر الأذرع الإرهابية المجرمة، من دون المس البتة بالأمن الداخلي للدول الحليفة لواشنطن أو حتى بأدوارها العريضة في المنطقة، وعليه فإن الانقسام في محور الاعتدال بات معطىً ملموساً أفرزته تداعيات الربيع الأميركي، والصراع بين أقطاب المحور الواحد سابقاً سيزداد شراسة على أراضي دول تعتبرها واشنطن عدوةً لها، الأمر الذي سيساهم بدوره في زيادة ارتهان الحلفاء والأدوات للسيد الأميركي في إطار صراع محوري الاعتدال.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى