داليا داغر… إعلامية تؤمن بالثقافة وتسبح عكس التيار الفضائي
جهاد أيوب
قليلة هي البرامج الفضائية التي تهتمّ بالثقافة العربية. وقليلة هي البرامج التي تستضيف المثقّف العربي المتخصّص بالشعر والأدب والموسيقى والتشكيل. لا بل تكاد شبه معدومة. صحيح أن المثقف العربي اليوم يشبه إعلامه في العيش بمتغيرات اجتماعية وسياسية سريعة بدّلت خطّه وأسلوبه ونمطية حركته، وجعلته ينغمس في المشروع الاقتصادي الاستهلاكي الرأسمالي، لكن هذا لا يبرّر استقالة المثقّف عن دوره، وفشله في النزول إلى شارع مجتمعه ومعرفة ما يعانيه، وبالتأكيد إلى جانب ما قدّم، هناك خطة مسيّسة اتّبعت منذ استيلاء الفكر التجاري المنتمي إلى ثقافة «طال عمرك»، من خلال الأسلوب الإعلامي التسطيحي الذي اعتمدته أنظمة المال الأسود في الفضاء العربي، بحجّة الابتعاد عن السياسة، ومن أجل استغباء المشاهد كي لا يفكّر بالحرّية وبالتميز وبالمشاركة. والأهم، كي لا يشعر المواطن العربيّ أنه يملك الفكر ويستخدمه في صنع المستقبل والحضارة والتطوّر. وبسرعة البرق، فرضت برامج التبصير والتنجيم والطبخ والفضائح، وأخذ رأي الراقصات والفارغات بمصير الأمة، وأحياناً يأتينا المهرّج كي يحدّد كيفية عمل المقاومة، وينظّر في «وجود إسرائيل»، وبالتطاول على فلسطين!
ومع ذلك، يبقى للفضاء اللبناني رغم ملاحظاتنا الكثيرة، تميّزه من وقت إلى آخر من خلال تقديم البرامج الغنية بالمعلومة والفكرة واحترام عقل المشاهد. ويأتي «عَ سطوح بيروت» على قناة «otv» من ضمن هذه الفئة اليتيمة في فضاء الـ«هشّك بشّك» لينير الصورة، ويسعد اللحظات، ويكثّف الاختلاف العقلاني والحوار المتّزن.
«عَ سطوح بيروت»، من إعداد الزميلة داليا داغر وتقديمها، وتشارك في الإعداد جومانا سليمان، وهو من إنتاج إليان بطرس، وملاحقة إعلامية كريستين فرح، ومن إخراج باتريك نعيمة. برنامج جادّ يبحث عن الحوار الثقافي، ويعالج القضايا الإشكالية بمسؤولية لا تعتمد على الصراخ، ولا على الضحك المجّاني والغبيّ الذي تتعمّده مذيعات هذا الزمن.
داليا داغر تسير عكس ما هو سائد في الفضاء العربي، وتكسر صورة اعتمدتها صحف الخليج عن أن الإعلامية اللبنانية جميلة الوجه وغبية الفكر. داليا جميلة الشكل، أنيقة المظهر، وغنية في ثقافتها، لا تخاف المحاورة الجادة، ولا ترتبك أمام القضية المهمة، ولا تشتبك مع الصورة حينما تطرح فكرة مسؤولة تعنى بالوطن والإنسان فيه. والجميل انفتاحها على الجميع من دون أن تتعمد حزبيتها أو طائفتها أو «عنصريتها» كما يفعل صغائر زمن القحط الإعلامي. كما تغطّي المناسبات الدينية والاجتماعية بعيداً عن العنصرية، وتستضيف وجوه نخبوية لتتحدّث معها بأسلوب مغاير عمّا تتحدث مع غيرها وفي برامج أخرى.
تصرّ داليا على مساحة ثقافية أكبر في برنامجها، تعدّ وتبحث وتنقّب على أن تكون ملمّة بضيفها. ليست جامدة مع أنّها تقدم مواضيع ثقافية، وتنطق بكلام متّزن مع أن غالبية إدارات فضائياتنا وإعلامنا لا تشجّع هذه النوعية من البرامج، ولا تفسح المجال لمذيعة جادّة ترتدي كلّ ملابسها.
ما يعيب برنامج «عَ سطوح بيروت» عدم التغطية الإعلامية الكافية له، وهو شبه مغيّب في الصحف والمجلات كما لو أن المقصود بالتعتيم عليه تجاهل ما يقدّم على قناة «otv» لأسباب سياسية وتنافسية وشخصية.
كما أن كثرة الضيوف، وأحياناً تعدّد المواضيع، وطريقة نقل الصورة إخراجياً، والتقاط الكادر المتبع بجمود، أي صوّرنا والسلام، تصيب المشاهد بتعب المتابعة أحياناً. هذه النوعية من البرامج تتطلّب الإخراج المختلف للفت المتابع، والدقة في التقاط الحركة التعبيرية التي تخرج من المضيف من جرّاء جدّية الحوار، وانفعالات النقاش. خصوصاً أنّ «عَ سطوح بيروت» يستقطب وجوهاً منوّعة، وشخصيات ناقدة وإعلامية وفنية وسياسية واجتماعية فاعلة، ومغلّف بديكور شرقيّ لافت، وإعداد غنيّ، ومذيعة واثقة ومدركة طبيعة عملها وبرنامجها.