قادة صنع المشاكل…!
مصطفى حكمت العراقي
يستمرّ الساسة العراقيون، بطريقتهم المعتادة، بإدخال البلد في المشاكل باستمرار، عبر سياساتهم الخاطئة المقصودة أحياناً او الناجمة عن فشلهم في إدارة الدولة أحياناً اخرى فبعد ان أوصل الخلاف السياسي بين هؤلاء قادة الصدفة «داعش» الى أسوار بغداد، وأوشك البلد ان يسقط برمّته لولا نهضة الشعب العراقي المدعوم من حلفائه في إيران وسورية وحزب الله، وكذلك الدعم العسكري الروسي، إضافة الى انتزاع سيادة العراق في ظلّ حكم هؤلاء الساسة، فأصبح شمال العراق حديقة تركية تدخل فيها القوات وتخرج كيفما تشاء، وتحوّلت بغداد مقراً لرسم سياسات مشبوهة من سفير آل سعود في العراق الذي اسْتَجْدَتِ الحكومةُ العراقية قدومَهُ وكأنه حمامة سلام، كما كان لفشل هؤلاء السياسيين دور هام بجعل العراق الغني نفطياً واقتصادياً حتى تميّزت ميزانياته في السنوات السابقة بالانفجارية بالنظر لحجم المبالغ الذي فاقت ميزانيات مجموعة من الدول المجاورة حتى وصل الحال الى الاقتراض وقرب إعلان الافلاس على حدّ وصف وزير المالية العراقي بمجرد انخفاض أسعار النفط التي يعتاش عليها العراقيون فقط من دون ان يفكر ساسة البلد بتنويع مصادر الدخل وإعادة اقتصاد البلد الى سابق عهده وعدم الاكتفاء بالعيش كمن يبيع ما لديه ليعيش، والمتحكم في ذلك هو القدر والظروف الخارجية لا غير، وهو ما تأكد بمجرد هبوط سعر النفط لدوافع سياسية، ما جعلنا نقترض لدفع رواتب الموظفين، فإن استمرت الأسعار على هذا المنوال، وهو المرجح بالنظر إلى فشل اجتماعات تثبيت الاسعار بين الدول المنتجة، وكذلك استمرار العناد السعودي في هذا الامر باعتباره ورقة الضغط الأخيرة لتحقيق نقاط كسب وعوامل ضغط على روسيا وايران والعراق، لأصبح العراق هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب بالنظر لامتلاك طهران وموسكو اقتصادات قوية ومتينة قادرة على الوقوف في وجه الازمة، على عكس العراق المفتقد لذلك، وبعد كلّ ذلك أنتج ساسة العراق أزمة جديدة تحت مسمّى التعديل الوزاري لتحقيق الإصلاح المطالب به شعبياً، فكان صراع المصالح والمغانم سيد الموقف في هذه الأزمة بمجرد اقتراب رئيس الوزراء العراقي من مناصب الكتل الوزارية لجهة إسنادها لوزراء مستقلين تكنوقراط حتى تعمّقت المشكلة وانقسمت الكتل الى نصفين، نصف يتمسك بتقاسم المغانم تحت ذريعة المشاركة الوطنية، وآخر خارج من ثوب المحاصصة لجهة تشكيل التكنوقراط. ولكن، كما كان متوقعاً، كانت معظم الكتل متجهة لمصالحها على حساب مصالح الشعب، فرفضت تشكيلة التكنوقراط من العبادي، وفرضت عليه تشكيل حكومة الصف الثاني من قادة الأحزاب عينها المشارِكة في الحكومة الحالية، ما يعني تغييراً في الوجوه ليس إلا… وهو ما كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، فانقسم مجلس النواب واعتصم بعض النواب الذين شكلوا أغلبية برلمانية، فأسقطت هيئة رئاسة مجلس النواب وفتح باب الترشيح لتشكيل هيئة رئاسة جديدة بعيداً عن محاصصة الكتل الكبيرة، وهذا تمّ في جلسة يوم الثلاثاء التي بقيت مفتوحة لحين عقد جلسة التصويت على الرئاسة الجديدة في يوم الخميس، وهو ما أعلنه النائب عدنان الجنابي الذي صوّت عليه النواب المعتصمون كرئيس موقت لمجلس النواب العراقي، إذ عمد الى ذلك رئيس البرلمان الموقت عدنان الجنابي فرفع جلسة البرلمان بعد دقائق على عقدها بمجرد تحقيق النصاب القانوني وفتح باب الترشيح لمناصب رئيس البرلمان ونائبيه، علماً أنّ كتلة اتحاد القوى التي يمثلها رئيس البرلمان والتحالف الكردستاني والمجلس الأعلى وكتلة بدر انسحبوا من جلسة مجلس النواب التي عقدت برئاسة الرئيس الموقت عدنان الجنابي وحضور 200 نائب، علماً ان القانون يشترط اكتمال النصاب في بداية عقد الجلس ولا يشترط ذلك في إكمالها، ما يؤكد دستورية الجلسة بحسب ادّعاء النواب المعتصمين داخل مجلس النواب الذين رفضوا بدورهم مبادرة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم التي سمّاها «خارطة طريق» لحلحلة الأزمة في البرلمان، والتي شكلت مبادرة إعادة صنع المحاصصة بشكل آخر، علماً أنّ النواب المعتصمين أطلقوا مبادرة أخرى وصفوها بالمنصفة والواقعية والقانونية.
النواب المعتصمون بعد أن استقبلوا وفد رئيس الجمهورية برئاسة خالد شواني وقحطان الجبوري وأبلغوهم رفضهم القاطع لمبادرة رئيس الجمهورية لأنّها تعني العودة إلى الوراء والتشكيك بجلسة 14 نيسان الحالي التي أقالت الجبوري ونائبيه، وبأنها تخالف القانون، كما أنّ مبادرة النواب المعتصمين تشمل جملة من الأمور التي يجب أن تنصب في جلسة مجلس النواب بحسب قولهم، إذا اعتبروها بأنها مبادرة قانونية تتضمّن أن يتمّ حضور رئيس البرلمان ونائبيه أيّ هيئة رئاسة البرلمان السابقة بصفة نواب ويجلسون مع النواب ولا يحق لهم اعتلاء المنصة أو إلقاء كلمة بصفتهم السابقة… وبالتالي فإنّ هذا المدّ والجزر بين الكتل السياسية جعل البرلمان العراقي يفشل في التوصل إلى نزع فتيل الأزمة خلال هذه الجلسة التي دعا إليها الرئيس العراقي فؤاد معصوم بالرغم من تزامن ذلك مع غليان شعبي تمثل بما يجري في العاصمة العراقية من تظاهرات أمام وزارات الخارجية والنفط والزراعة، وأمام المنطقة الخضراء من قبل أنصار التيار الصدري الذي يتزعّمه السيد مقتدى الصدر، وبمشاركة آخرين، للمطالبة بتطبيق الإصلاحات وتشكيل حكومة التكنوقراط بعيداً عن المحاصصة.
في المجمل، فإنّ العراق يعيش اليوم في عنق زجاجة ازمة سياسية خانقة جعلته يمرّ بفوضى لا مثيل لها وبتعطيل حكومي رهيب، فلا وزارات تعمل ولا قوانين تشرّع ولا قرارات تتخذ، وكلّ هذا لمجرد الاقتراب من مغانم الكتل التي تقول بأفعالها هذه إنّ شعب العراق الذي يقاتل الإرهاب لا يساوي شيئاً امام منصب وزير فاسد من قيادات هذه الكتل، لأنّ القادة الذين جلبهم الاحتلال ساقطون شعبياً وسياسياً ولا يحميهم سوى الاحتلال الذي جلبهم ولا يوجد حلّ سوى إسقاطهم.