قمة المؤتمر الإسلامي وخطاب العرب العدائي تجاه إيران
هشام الهبيشان
ما جرى أخيراً في قمة المؤتمر الاسلامي في تركيا يؤكد انّ بعض العرب ما زالوا يذهبون بعيداً في خطابهم العدائي تجاه إيران، وهم في خطابهم هذا يمارسون أدواراً مختلفة ويتبعون معايير ومعطيات تاريخية خاطئة. ورغم كلّ هذه المعطيات والمعايير المزدوجة التي تحرف مسار البوصلة الحقيقي لطبيعة وأصل الصراع في المنطقة المتمثل بوجود سرطان خبيث يسمّى «اسرائيل»، هناك جملة من الوقائع المحقة التي يتغاضى العرب عن التساؤل عنها، في إطار علاقتهم مع الإيرانيين ومناهج سلوكهم في التاريخ الحديث.
فلماذا صمت بعض العرب عقوداً من الزمن أمام أجندة ومشاريع شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان يجسّد فعلياً الشرطي الإيراني في المنطقة؟ وماذا قدّم بعض العرب لإيران منذ 1979، ايّ منذ إعلان انتصار الثورة فيها؟ ألم يرسل بعض العرب، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، الكثير من الرسائل التي تظهر سوء نواياهم؟ ألم يشنّ بعض العرب عشرات الحروب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على طهران، أسوأها الحرب الإعلامية التي تحرّض علناً على إيران الشعب والدولة، فتكفِّر الإيرانيين وتشتمهم؟ ماذا يتوقع العرب من الإيرانيين ان يقدّموا لهم بعد كلّ هذا؟
من حقّ كلّ عربي ان يسأل عمّا قدمه بعض العرب الى الإيرانيين منذ انتصار الثورة، وهنا لن نفتح ملفات الماضي ولن نتحدّث عن الحرب العراقية ـ الإيرانية، وعن الذي كان سبباً في إشعال فتيلها، سنتجاوز كلّ ذلك ونذكّر بواقعة تاريخية… وهي انّ البحرية الإيرانية دخلت الجزر الإماراتية «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«ابو موسى» في تشرين الثاني 1971، أيّ في عهد الشاه، كما دخلت المناطق الحدودية وهي قوس الزين وبير علي والشكره. عام 1972 بدأ الصدام العسكري بين إيران والعراق، وازدادت الاشتباكات على الحدود، وزاد نشاط الحركات الكردية المسلحة في الشمال. وبعد وساطات «عربية» وقَّعت العراق وإيران اتفاق الجزائر سنة 1975، واعتبر على أساسه منتصف النهر في «شط العرب» هو خط الحدود بين إيران والعراق. ونصّ الاتفاق على وقف دعم الشاه للحركات الكردية المسلحة في شمال العراق.
هنا نلاحظ أنّ معظم هذه الملفات عالقة بين العرب وإيران منذ عهد الشاه، ايّ قبل الثورة الإيرانية، علماً أنّ معظم القادة العرب كانوا حينها حلفاء نظام بهلوي. ويعلم جميع المؤرّخين، وخصوصاً لفترة العقدين السادس والسابع من القرن العشرين، انّ نظام الشاه كان يؤدّي فعلياً دور الشرطي في المنطقة والإقليم، برضى عربي وإقليمي ودولي، وسبق له ان خطط لبناء وتجهيز مفاعلات نووية سلمية ولم يثر ذلك حفيظة بعض العرب، كما هي حالهم اليوم.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، نسأل: لماذا يفتح بعض العرب اليوم ملفات الماضي مع إيران بعد الثورة، متناسين ما جرى في عهد الشاه؟ يرى البعض انّ ذلك يعود الى عوامل سياسية وايديولوجية، ليس أولها ولا آخرها اتهام بعض الأنظمة العربية طهران بأنها تسعى الى تصدير ثورتها الى شعوب المنطقة. نسأل أيضاً: ماذا نسمّي اشتراك بعض العرب في الحصار المفروض على طهران منذ 36 عاماً؟ في ايّ خانة نضع دعم بعض دول الخليج للعراق في حربه ضدّ إيران؟ لماذا أيّدت دول الخليج ودعمت سياسة تجويع الشعب الإيراني من خلال «حرب النفط» وتخفيض أسعاره في شكل متلاحق، والذي وصفه أحد المسؤولين الخليجيّين بـ«الأداة الناجعة ليثور الشعب الإيراني ضدّ دولته»؟ فيما نرى أنّ دول الخليج هي مَن يدفع ثمن هذه الحرب التي لا تدلّ إلا على قصر النظر وانعدام الكفاءة لدى قادة الخليج وتحديداً حكام السعودية الجدد…!