«صندوق النغم» على إذاعة «bbc» يستعيد سهرةً استثنائية مع وديع الصافي

جهاد أيوب

سهرة يوم الأحد عبر إذاعة «bbc»، وتحديداً الاستماع إلى برنامج «صندوق النغم» المعتمد بالدرجة الأولى على مكتبة «bbc» وأرشيفها، متعة لا توصف، وحالة جمالية تنعش الذاكرة، وتثبت الزمن الفنّي العربي الجميل، وتفتح نافذة على الإبداع كي نتعلم ونستفيد كزاد للأيام المقبلة.

هذا البرنامج بصمة في تاريخنا، للأسف نغيّبها بجهلنا عطاءات المؤسّسين وأصحاب الأنامل الذهبية. البرنامج يتصالح مع قيمة لا توصف بقدر غذاء الروح وتنظيف السمع.

«صندوق النغم» من إعداد ناهد نجار وتقديمها، هي التي تعتمد على ذكاء الاختيار، ودقة طرح المعلومة والإبهار، وكيفية الاستفادة منها. تطرح الفكرة وتتركنا نستمع من دون تدخّل أو فرض عضلاتها كمذيعة تعلّق بمناسبة ومن دونها. تقول لنا إن الضيف المبدع تحدّث عن هذا وذاك، مع شرح بسيط لذاك الزمن ولوقت الحوار وظروفه، وتطلب منّا الإصغاء. ونصغي بتطفّل لنشرب المزيد!

ناهد نجار صوت رخم، وذكاء في الإعداد، ورشاقة في التقديم من دون رخاوة الضحك المجاني، والثرثرة الفارغة كما يحدث لدى غالبية مذيعات اليوم.

قدّم البرنامج المعتمد على أرشيف مكتبة «bbc» سهرة ذهبية وممتعة بكل ما للكلمة من معنى، خصوصاً إذا كانت مع شيخ المطربين وديع الصافي. سهرة سُجلت منذ أكثر من 50 سنة مضت، كما عرّفوا عن اللقاء القديم مع وديع. ووديع في الحلقة أكثر حضوراً وهضامة، وخفة ظلّه فرضت وجودها، كان صاحب نكتة حاضرة. وحينما غرّد غناء أثبت أنه يملك أجمل الأصوات في الشرق وأعذبها.

تحدّث وديع عن بداياته، وكيف أنّ والده لم يكن مقتنعاً بغنائه وتجميعه أسطوانات عبد الوهاب. وأشار إلى أنه غنّى عام 1943 أغنية خاصة له بالفصحى «روح الحبيب»، وتناول عوده وغنّاها بصفاء الصوت وقوّته ومفاتنه.

كما أعطى الصافي رأيه في الفنّ وفي كبار الغناء العربي آنذاك، وبدأ مع الأسطورة صباح فقال: «صباح مطربة مسرح بامتياز، صباح شكلاً ومضموناً مطربة جيدة، وأنا وهي نشكّل الفولكلور اللبناني، وهي من البنّائين في الغناء العربي وتحديداً اللبناني، وجمال صوتها في البلدي، وخصوصاً في المعنّى رائع، وأجادت ذلك. صباح تتجاوب على المسرح بشكل كبير ولا أحد يجاريها. لذلك، نجحنا معاً، وأحب أغنيات كثيرة غنّيناها معاً».

وعن جارة القمر فيروز قال: «فيروز صوت ملائكيّ يأتينا من السماء. صوت نقيّ ونظيف يريح النفس. والأغنية التي أحبّها أكثر لفيروز هي مشوار».

وعن كوكب الشرق قال شيخ المطربين: «كلّنا نحترم أمّ كلثوم، وهي عظيمة وتريح أعصابي. صوتها من أجمل الأصوات، صوت عظيم، وصوت عبقري. وأحبّ أغنيتها النوم عيون حبيبي».

وعن عبقريَي النغم الشرقي سيد درويش ومحمد عبد الوهاب، أشار الصافي إلى تأثّره بدايةً بفنّ سيد درويش، وقال عنه: «كان سيد درويش ثورة في الموسيقى العربية، ولكن الله لم يعطه العمر كي يكمل. وأنا تأثرت به بدايةً، ثمّ جاء محمد عبد الوهاب وأكمل الثورة. لكنّ عبد الوهاب قدّم طريقة مختلفة وسهلة وغنية، وقد تأثرنا به جميعاً. لقد جمع القديم والجديد، وكلاسيكياته رائعة وكذلك جديده. أغنيته ما رأيت حبيبي كحسنه كالغزال كان يحبها عبد الوهاب بصوتي».

وأشار وديع الصافي في «صندوق النغم» إلى أنه لا يحبّ أن يغنّي عن حبّ المرأة بطريقة مباشرة تقدّم المرأة رخيصةً، إنما يحبّ غناء المحبة والعائلة والوطن والربّ.

كما تحدث وغنّى عن طوفان زغرتا وطرابلس عام 1957، وكيفية تنفيذه أغنية الطوفان. أغنية تحكي ما حدث، ويخاطب فيها أمه، ويشرح لها كيف مات أخوه، وضاعت أخته، ويصوّر الكارثة بكلمات تعتمد على اللهجة اللبنانية من خلال غرق المنازل والثياب في الطوفان:

يا أمّي الطوفان أخذ خيي

وغرقت أختي

وتبلّلوا ثيابنا بالطوفان.

وأخذ الصافي يغنّي الأغنية بطريقة وجدانية تفرض الدمع والتفكير.

فعلاً، إنها سهرة نادرة لا يُشبَع منها. والأغاني التي قُدّمت ثروةٌ وطنية يجب أن نحافظ عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى