التظاهرات الأميركية أمام نقابة الصحافيين المصرية

بشير العدل

لم تكن مصادفة أن تخرج التظاهرات التي قال عنها الداعون إليها ومنظّموها إنها احتجاج على إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وعودة جزيرتي صنافير وتيران إلى السيادة السعودية، محض صدفة لا من حيث التوقيت ولا المكان ولا الهدف الحقيقي الكامن وراءها، وإنما هو ميعاد تمّ الاتفاق عليه، أو إنْ شئت قل اختياره، من جانب أطراف داخلية خدمة لأهداف خارجية، فهو ميعاد خير من ألف صدفة.

وبداية لا ننكر على بعض الذين شاركوا في تلك التظاهرات غيرتهم ووطنيتهم وحبّهم لتراب بلدهم، وهو الدافع الذي جعلهم يشاركون في الجدل الذي دار حول تبعية الجزيرتين على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أنهم لم يرفعوا شعارات هي في الأساس شعارات جماعات الإرهاب والتضليل التي تخدم قوى الشر العالمية، وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين منهم للانسحاب من التظاهرات أو التراجع عن صفوفها الأولى حينما تحوّلت إلى شعارات ضدّ الدولة المصرية وجيشها وشرطتها.

وفي نظرة سريعة إلى العوامل الثلاثة سالفة الذكر والمتعلقة بالتظاهرات، من حيث التوقيت والمكان والهدف، فإن هناك دلائل واضحة سبقت تلك التظاهرات تدلّ على أنها عمل منظم من جانب قوى أرادت أن تصطاد في الماء العكر وتُحرج القيادة السياسية داخلياً، في مقدّمتها جماعة «الإخوان» التي شاركت في الدعوة إلى التظاهرات مستغلة حماسة المواطنين، فكما سبق أن استغلت حميتهم لدينهم في التعبئة ضدّ الأنظمة السياسية السابقة، ولهذا السبب قفزت إلى السلطة، فإنها أرادت استغلال حميتهم لوطنهم وأرض بلدهم للخروج على القيادة السياسية الحالية، التي تكنّ لها الجماعة كلّ حقد دفين نظراً لأنها وقفت بجانب الإرادة الشعبية وأنهت فترة حكم «الإخوان» التي كانت بمثابة النقطة السوداء في التاريخ المصري.

وعودة إلى التوقيت فقد تمّ تنظيمها يوم الجمعة الماضي الموافق 15 نيسان/ ابريل الحالي، وقد سبقته بأيام قليلة تحركات في الكونغرس الأميركي قادتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي والسفيرة الأميركية السابقة في مصر آن باترسون، للحيلولة دون استصدار قرار من الكونغرس باعتبار جماعة «الإخوان» إرهابية، وهو ما حدث بالفعل، لتكشف باترسون مجدّداً عن طبيعة العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بجماعة «الإخوان» وقد أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة، ويوضح ذلك لقاء باترسون مرشد الجماعة محمد بديع وقت أن كانت جاثمة على صدور أبناء بلادي مغتصبة السلطة، وهو اللقاء الذي دارت حوله تساؤلات عدة في ذلك الوقت، حول حقيقة الدور الأميركي في أحداث يناير من العام 2011 وكيف ساعدت أميركا «الإخوان» على قلب نظام الحكم في الدولة، هذا بجانب تورّط أميركا في قضية تمويل المنظمات المدنية في مصر. وهي القضية التي أثارت ردود أفعال غاضبة من الإدارة الأميركية.

وبعد امتناع الكونغرس عن التصويت باعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية، أرادت الجماعة أن تعيد بعضاً من الفضل لأميركا، التي ما زالت إدارتها غير صافية النية تجاه مصر أو قيادتها السياسية، فما زالت ترى الإدارة الأميركية في مصر أمراً مستعصياً على التغيير الذي أرادته ووضعت له خطته عام 2005 وصرّحت بها علانية وزيرة الخارجية آنذاك كونداليزا رايس، فخرجت التظاهرات لتعيد سيناريو أحداث كانون الثاني/ يناير 2011 نفسه، حينما استغلّت جماعة الإرهاب والتضليل حماسة الشباب وغضبهم بسبب البطالة، وقفزت على حركتهم ونسبتها في النهاية إلى نفسها، وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعته مستغلة حماسة بعض الشباب لمصلحة بلدهم والذين سبقوا الجماعة في الدعوة إلى التظاهرات ضدّ إعادة ترسيم الحدود المصرية – السعودية.

فكانت تظاهرات «الإخوان» رداً لبعض الجميل الذي قدّمته الإدارة الأميركية لـ»الإخوان» لتكون في حقيقتها تظاهرات أميركية، وهو ما بدا واضحاً في بيانات الإدارة الأميركية الصادرة بعد التظاهرات، والتي أوضحت أنها تتابع التظاهرات، غير أنها لم تصرّح بهدفها الدفين في أنها كانت تريدها أوسع انتشاراً وأقوى أثراً لتحقيق هدفها الخبيث الذي سخرت له جنوداً هم أنصار الشيطان.

أما العامل الآخر فهو اختيار المكان أمام نقابة الصحافيين المصريين، فقد كانت لاختياره أسباب قوية منها أنها المكان الذي يتردّد عليه الصحافيون خاصة أنّ فعاليات الاحتفال باليوبيل الماسي مستمرة، وقد تمّ فتح النقابة في يوم الجمعة المفترض فيه انه إجازة رسمية حفاظاً على الأعضاء وحماية لهم من أيّ آثار سلبية يتعرّضون لها أثناء متابعاتهم الميدانية. وهو الأمر الذي خفف من التواجد الأمني أمامها، فضلاً عن العلاقة بين جهاز الشرطة والصحافيين، والتي يريد البعض إظهارها بالمظهر الحسن، وهو الأمر الذي يفسّر وجود التظاهرات أمامها، عكس أيّ مكان آخر كالميادين التي استطاعت قوات الشرطة التعامل معها بإيجابية.

ومن أمام نقابة الصحافيين المصرية تحوّلت التظاهرة، من كونها ضدّ إعادة ترسيم الحدود المصرية السعودية إلى أن أصبحت ضدّ الجيش والشرطة وتطالب بإسقاط النظام، وهي الشعارات الأساسية التي تتسم بها جماعة الإرهاب والتضليل.

أما العامل الثالث والأخير وهو الهدف، فلم يكن الهدف على الإطلاق إبداء الغضب الشعبي من اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية وعودة جزيرتي صنافير وتيران إلى سيادة المملكة، نظراً لأنّ شحنة الغضب فرّغتها فئات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكن من بينها الدعوة إلى تظاهرات في الشوارع حتى خرجت دعوة جماعة «الإخوان» وبعض الحركات المطالبة بالتغيير ليتحوّل الأمر في حقيقته إلى تظاهرات لخدمة قوى الشرّ الخارجية وفي مقدّمتها أميركا وأعوانها في الداخل من أفراد وجماعات وتنظيمات، ليكون الهدف منها استغلال حادث ليس بجديد على الرأي العام، وليس من صنع القيادة السياسية الحالية، وإنما هو عمل قديم بدأته أنظمة سياسية سابقة، ومع ذلك لم تشهد الشوارع تظاهرات لهذا السبب وهو ما يوضح إلى أيّ مدى تحاول الكتائب الالكترونية وغير الالكترونية لجماعة الإرهاب والتضليل استغلال الأحداث لتأليب الرأي العام ضدّ الدولة وقيادتها، وهو المسار ذاته الذي تسير عليه الجماعة وكلّ ما على شاكلتها حتى الآن بهدف إحراج القيادة السياسية في الداخل حتى يأتي التغيير من الداخل وهو ما تراهن عليه قوى الشرّ العالمية.

التظاهرات التي خرجت الجمعة، إذن، هي تظاهرات أميركية ضدّ بلادي مصر، اختارت مقرّ نقابة الصحافيين حتى تحرج النظام، وحتى تؤجّج الصراعات بين سلطات الدولة، حتى يكون الهدف الأعظم وهو إحداث الوقيعة بين الشعب وقيادته السياسية، وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعته قوى الإرهاب حينما أرادت أن تشيع الفوضى وتقضي على هيبة الدولة وتنشر الرعب في البلاد وبين العباد، حتى يثور العباد ضدّ النظام ويتحقق الهدف المنشود.

غير أنّ بلادي ما زالت وستظلّ عصية على قوى الشرّ في الداخل والخارج، بقوة وإيمان أبنائها المخلصين، الذين لا يدافعون عن نظام سياسي وإنما يدافعون عن دعائم وأركان الدولة المصرية ويرفضون أيّ مساس بتهديدها، بعد أن آمنوا بأنّ الدولة ليست الفرد الذي يحكم.

كاتب وصحافي مصري

eladl254 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى