هل نجح هولاند في التسويق لمشروع توطين النازحين السوريين في لبنان؟

علي بدرالدين

لم ينجح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته إلى لبنان في إخفاء هدفها الحقيقي وإنْ غلّفها بعناوين البحث عن مخرج لأزمة الاستحقاق الرئاسي المترنّح، محاولاً إعطاءها طابعاً إنسانياً مفاجئاً لجهة الاهتمام بالنازحين السوريين وزيارتهم في المخيّمات.

فَضَحَ توقيت الزيارة وبرنامجها الأهداف المعلنة والخفية وأزالا كلّ التباس أو شكّ، ولم يُسعف الرئيس الفرنسي اللعب على الكلام السياسي الذي ضخّه في الجسد اللبناني المترهّل، ولم يُفلح الحرص الزائد الذي أبداه أمام المسؤولين الذين التقاهم في التمويه على ما يحمله ويسعى إليه، خاصة أنه يعرف أكثر من غيره من القادة الأوروبيين تفاصيل الأوضاع في لبنان حيث يكمن الشيطان نظراً إلى الخلفية التاريخية السياسية التي تربط لبنان بـ«أمه الحنون» فرنسا وادّعاء حرصها عليه والحؤول دون سقوطه.

يدرك سيد الإليزيه، كغيره من المهتمّين بالشأن اللبناني الداخلي، أنّ قرار انتخاب رئيس الجمهورية لم يكن سابقاً وحاضراً ولن يكون في المستقبل بأيدي اللبنانيين والأفرقاء السياسيين الذين لم يدّعوا يوماً أنهم أصحاب القرار في هذا الاستحقاق أو في غيره، كما لم يشعروا بالخجل أو بالعجز والتقصير لأنّ معظمهم اعتاد سياسة الارتهان والتبعية للآخر أياً يكن، خاصة في القضايا والاستحقاقات الوطنية الكبرى، ولأنهم غير مؤهّلين بعد للإمساك بزمام الأمور وحلّ مشاكل وطنهم بعيداً عن التدخلات الخارجية والاستعانة بالأشقاء والأصدقاء من الدول القريبة والبعيدة، بل اقتصرت خبراتهم وشطاراتهم على البحث عن ملفات خلافية داخلية إلهائية للبنانيين وتغليفها بعناوين سياسية وطائفية ومذهبية بهدف تمويه الكذبة الكبيرة التي يحاولون تصديقها وإقناع اللبنانيين بأنهم يدافعون بشراسة عن حقوقهم التي يسعى الشريك الآخر في الوطن إلى انتزاعها ومصادرتها، من أجل إبقاء فتيل الصراع قائماً لتواصل الطبقة السياسية المتحكّمة إمعانها في كسب المزيد من المنافع المشتركة ووضع اليد والسيطرة على مقدرات الدولة واقتسام الحصص في مواقع السلطة والإدارة والمؤسسات والمال العام. هذا ليس خافياً على اللبنانيين الذين تحوّلوا إلى أسرى لدى هذه الطبقة وربما فقدوا كلّ أمل بالتغيير أو إصلاح ما أفسدته سياسة وأداء هذه الطبقة التي لم تنف أنها أوصلت لبنان إلى شفير الهاوية وربما إلى الهاوية، بل هذا مدعاة فخرها واعتزازها بذريعة أنها تحمي حقوق طوائفها ومذاهبها وأزلامها، وهي لم تستحِ من المجاهرة بما تقوم به على قاعدة «اللي استحوا ماتوا».

كلّ هذا لم يغب عن بال الرئيس هولاند، لكنه أراد خلال زيارته للبنان ومسؤوليه الالتزام بأدبيات البروتوكول والأصول السياسية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول، ولأنّ من المعيب بل المسيء أنّ يزور رئيس دولة عظمى كفرنسا بلداً صغيراً كلبنان كان خاضعاً لها ومحكوماً من المفوض السامي الفرنسي وهي التي منحته استقلاله، أن لا يلقي التحية على مسؤوليه ولو كان من باب رفع العتب، خاصة أنه لم يحمل معه مشروعاً أو برنامجاً له علاقة بانتخاب رئيس الجمهورية العتيد، وهو ليس مكلفاً من مواقع القرار الدولي والأوروبي لمساعدة اللبنانيين على تجاوز الأزمة الرئاسية التي تشرف على إنهاء عامها الثاني، وانعدم خلال تلك الفترة الحماس الدولي عموماً والفرنسي خصوصاً لحلها في مواعيدها الدستورية وإنقاذ لبنان قبل استفحال أزماته التي أدخلته في المجهول المدمّر.

ويعلم الرئيس الزائر أيضاً أنّ انتخاب الرئيس في هذه الفترة دونه عقبات في ظلّ الأوضاع الملتهبة عربياً وإقليمياً ودولياً وانفتاح الأزمات على مزيد من الصراعات المحتدمة على أكثر من جهة ومحور، وتحديداً بين إيران والسعودية المالكتين أوراق ضغط رابحة لبنانياً وعربياً. وفي ظلّ انشغال العالم بالأزمة السورية وتحديداً أميركا وروسيا، ومواصلة السعودية إجراءاتها غير المسبوقة ضدّ إيران وسورية وحلفائهما بهدف التصعيد وإغلاق منافذ الحلول. وعلى خط مواز للصراعات القائمة ولمشاريع توطين النازحين السوريين في لبنان والهجمة المتصاعدة على محور المقاومة، أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بكلّ وقاحة وعجرفة أنّ الجولان السوري المحتل هو جزء من هذا الكيان، ضارباً كلّ القوانين والأنظمة الدولية المعمول بها وحقّ الدول بالدفاع عن أراضيها، وسط صمت عربي مريب، على مستوى الأنظمة العربية وجامعتهم المرتهنة والفاشلة بامتياز، فهم مَن شجّع هذا الكيان على قراره والعمل على سلخ الجولان عن سورية لضرب وحدتها واستقرارها وإضعافها وهي التي كانت ولا تزال قلب العروبة النابض التي تواجه بشجاعة المؤامرات التي تستهدفها منذ ما يقارب الخمس سنوات والتي لم تستطع هزيمتها أو تطويعها أو عزلها عن قضايا الأمة أو تخليها عن المقاومة.

ما يثير التساؤلات هو توقيت القرار الصهيوني الذي جاء في أعقاب مؤتمر اسطنبول للدول الإسلامية وترجم بإقدام بعض الدول العربية على سحب سفرائها من طهران. وفي ضوء التطورات المتلاحقة على مستوى المنطقة، فإنّ زيارة هولاند بأهدافها ونتائجها وعناوينها انكشفت وهي ليست ذات قيمة في ملف رئاسة الجمهورية، وقد أعلن أنّ لبنان هو مرشحه الرئاسي كتعبير ودلالة عن الفشل في الترويج لأحد أهداف الزيارة، لأنّ الهدف الأكبر والأهم هو التسويق لمخطط مرسوم معدّ بإتقان في مواقع القرارين الأميركي والأوروبي ولرسم خريطة جديدة للبنان يكون لتوطين النازحين السوريين مكان فيها، وقد سبقه إلى لبنان حاملاً المشروع نفسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية البريطانية. وقد تتواصل زيارات موفدين دوليين آخرين لاستكمال المهمة، خاصة أنّ الدول الأوروبية التي استقبلت مجموعات من النازحين السوريين، لاعتبارات إنسانية كما تدّعي، قررت ترحيلهم إلى تركيا أولاً ومن ثم إلى لبنان والأردن باعتبارهما الحلقة الأضعف في المنطقة، وبعد أن أشاعت لدى الرأي العام الأوروبي المتعاطف مع النازحين أنّ بعض هؤلاء هو مصدر الإرهاب الذي ضرب فرنسا وبلجيكا ويهدّد غيرهما، بهدف إقناعه بصوابية القرار الأوروبي بالترحيل، وبأنّ لبنان الضعيف المنقسم على نفسه والذي تتآكله الصراعات بين أفرقائه السياسيين المختلفين على كلّ شيء والمنغمسين في لعبة المصالح والمكاسب الخاصة، وأنّ طوائفه ومذاهبه التي تتصارع على السلطة ووظائفها العليا والدنيا، تشكل لأصحاب مشروع التوطين السوري منفذاً لتحقيقه، لا سيما أنّ السياسيين في لبنان لم يتفقوا على اتخاذ موقف واضح وصريح وجريء مما يخطط للبنان وسورية، وكأنّ الخطر الداهم لا يعنيهم وما يحصل هو في مكان آخر من العالم.

السؤال: هل سينجح مشروع توطين النازحين السوريين في لبنان، أم أنّ مصيره الفشل على خطى ما سبقه من مشاريع ومخططات مشبوهة تستهدف لبنان والمقاومة ولادة الشرفاء والأحرار الذين لن يرتضوا السقوط والخضوع والهزيمة، مهما بلغت التضحيات ولا خيار سوى النصر والشهادة، ولأنّ قوة الحق أقوى من حقّ القوة والغطرسة والظلم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى