أوباما وسلمان يفشلان في رسم خارطة طريق للحروب والتسويات اتفاق أميركي سعودي على تجميد قانون الملاحقة مقابل بقاء الأرصدة
كتب المحرر السياسي
وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية مع وصول الحروب والتسويات في المنطقة إلى محطة فاصلة، عبرت عنها التوقعات بإقلاع مسار جنيف في سورية ومسار الكويت في اليمن، وتلاقي كليهما بحكومتين تجمعان القوى المتصارعة تلتقي مع حكومة عراقية جديدة قيد التشكل، وحكومة ليبية لا تزال في مخاض الولادة، لتتشكل وراء هذه الحكومات جبهة عالمية إقليمية تضم طرفي الحروب التي دارت منذ خمس سنوات، فتشترك روسيا وأميركا كما تشترك السعودية وإيران وتركيا ومصر، وتتاح للبنان مع هذا التلاقي فرصة إعادة تشكيل مؤسساته والانخراط من موقعه في هذه الجبهة الواسعة المتشكلة تحت شعار الحرب على الإرهاب، بقيت السعودية في نقطة حرجة تعطل هذا المسار، فتضع للتسويات في سورية واليمن سقوفاً تجعلها في طريق المستحيل، وتتموضع السعودية على حالة إنكار المعادلات التي أفرزتها الحروب رهاناً على اضطرار الساعين للتسويات إلى دفع الثمن الذي تريد من أجل الإفراج عن مسارها، طالما أن التسويات الواقعية تعني هزيمة معنوية ومادية لا تبدو العائلة السعودية الحاكمة قادرة على تحمّل تبعاتها.
كانت العين على ما سيخرج من لقاء الرئيس أوباما بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لمعرفة مصير خيارات التسويات والحروب، لتتكشف المحادثات عن أولوية مقايضة طالت تجميد قانون ملاحقة السعودية بأحداث الحادي عشر من أيلول مقابل تراجع السعودية عن التصرف أموالها الاحتياطية الموظفة في سندات الخزينة الأميركية والبالغة سبعمئة مليار دولار.
الكلام عن دعم المسار السياسي في سورية من جهة والكلام عن الرئاسة السورية بلهجة سعودية، يعني أن الجمود سيستمرّ سياسياً، وأن العودة إلى لغة الميدان وحدها ستكون الحاسمة قبل أن تخرج من الرياض كلمة نعم، لأن الـ«لا» التي استبدلها أوباما بـ»لعم» لا تكفي للذهاب إلى التسويات، فيما قدّمت تجربة الهدنة في اليمن وعجز السعودية عن الوفاء بتعهداتها، ما ترتب على مواصلة القصف الجوي من تعثر في مشاركة وفدي أنصار الله والمؤتمر الشعبي، دليلاً على حجم الارتباك السعودي والحاجة لوقائع أشد قوة وقسوة في الميدان حتى تترسم المواقف على ضفاف التسويات.
لبنانياً، فشلت هيئة الحوار الوطني في جلسة الأمس في التقدّم خطوة واحدة نحو صناعة التفاهمات على أي من بنود جدول أعمالها الأساسي، ففيما يخيّم الجمود في الملف الرئاسي لم تنجح مقاربة ملفَّي قانون الانتخابات النيابية وتشريع الضرورة بإحداث أي اختراق وبلورة اي ملامح تسوية يمكن الانطلاق منها لتحريك الجمود السياسي، بينما كانت لملمة شظايا حرب الإنترنت التي أدت إلى مواجهة بين النائب وليد جنبلاط والوزير نهاد المشنوق تشكل الوجه الثاني لنشاط الأمس السياسي.
مبادرة بري خرقت الجمود
لم ترتقِ هيئة الحوار الوطني في جولتها الـ17 أمس، إلى الواقع المزري الذي يعيشه لبنان بدءاً بفضائح الفساد السياسي والمالي والأمني، مروراً بالسجالات الإعلامية ولا انتهاءً بأزمة النظام السياسي التي تعكس عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية أو الاتفاق على تفعيل عمل المؤسسات.
وحدها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد جلسات تشريعية التي قدمها خلال الجلسة خرقت الجمود السياسي السائد، وتتضمّن المبادرة أن تجتمع هيئة مكتب المجلس لوضع جدول أعمال الجلسات العتيدة وفق «تشريع الضرورة»، على أن يكون من ضمنه قانون الانتخاب، وإذا وافقت، تُعقد الجلسة. وسيتعين على الهيئة العامة للمجلس أن تعيد ترتيب أولوياتها، فتعيد النظر بما كانت أقرته سابقاً لناحية أن قانون الانتخاب يجب ألا يُقرّ في غياب رئيس الجمهورية، فإذا تراجعت عن هذه التوصية، يبحث القانون وقد يُقرّ قبل انتهاء دورة المجلس نهاية أيار. وقد أعطى بري مهلة للمتحاورين لآخر الأسبوع لإبداء الرأي حولها. لكن هذه المبادرة لم تشكل محطّ إجماع، حيث ظهرت مواقف المتحاورين لدى خروجهم من الجلسة تبايناً، فـ«التيار الوطني الحر» ممثلاً بوزير الخارجية جبران باسيل قال: «لم نتفق على شيء والقصة قصة عدالة ومساواة بين اللبنانيين، ومنطق العدالة بينهم فقد»، واصفاً ما يحصل بالـ»مناورة لعدم طرح أو إقرار قانون الانتخاب»، في حين أيّد الطرح أفرقاء آخرون من بينهم وزير الاتصالات بطرس حرب والرئيس نجيب ميقاتي. واستدعى موقف باسيل رداً مباشراً من وزير المال علي حسن خليل إذ قال «لم نسمع تحفظاً على طاولة الحوار على عقد جلسة تشريعية».
التفاصيل ص. 2
سجال جنبلاط – المشنوق إلى انحسار
وأمس، سجل انحسار السجال الساخن بين رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ووزير الداخلية نهاد المشنوق، بعد الاتصال الذي حصل بين الرئيس سعد الحريري وجنبلاط مساء الثلاثاء، وتم الاتفاق على وقف التراشق الإعلامي بين الطرفين. وقد رفض عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب علاء الدين ترو في اتصال لـ«البناء» التعليق على هذا الموضوع، بينما أكدت مصادر مستقبلية لـ«البناء» أن هذا الخلاف يعالجه الحريري وجنبلاط.
ونقلت مصادر نيابية عن مقربين من جنبلاط لـ«البناء» أن «جنبلاط هو الذي طلب من أبو فاعور شن حملة على المشنوق بسبب التضييق الذي يمارسه على الشرطة القضائية التي يعتبرها جنبلاط الجهاز الأعلى في الطائفة الدرزية وموقع يخصّه بشكلٍ مباشر، فضلاً عن أن المشنوق يضيق على كل طلبات جنبلاط والحزب الاشتراكي في وزارة الداخلية ولا يتم التعاون معها، فضلاً عن أن مستشاري المشنوق الدرزيين لا يكنّان الولاء لجنبلاط ويقفان حجر عثرة أمام جميع طلباته في الداخلية».
14 آذار إلى الانهيار؟
وعن أسباب وقف الاشتباك بعد اتصال الحريري بجنبلاط قالت المصادر: «الطرفان شعرا بأن من مصلحتهما التوقف عند هذا الحد، لأن فريق 14 آذار بات في وضع صعب وانكشفت فضائحه أمام الرأي العام ما اضطر الحريري إلى العمل على ضبضبة الوضع مع جنبلاط بأي طريقة، لأن العقد العام لـ 14 آذار بدأ بالانفراط ويتدرج إلى الانهيار بدءاً بتردي علاقة الحريري مع رئيس القوات سمير جعجع، ثم التشققات والخلافات في البيت المستقبلي نفسه إلى ظهور فضائح الإنترنت وقوى الأمن الداخلي والآن تصاعد الخلاف مع جنبلاط ما يعني وصول هذا الفريق إلى وضع سياسي مأساوي سينعكس أولاً وأخيراً على الحريري وتياره بشكل خاص لا سيما على أبواب الاستحقاقات الانتخابية».
ورجحت المصادر أن تنحصر دائرة الاشتباك الإعلامي بين الطرفين، «إلا إذا استمر جنبلاط بتصريحاته التويترية والفايسبوكية النارية، فضلاً عن أن لجنبلاط سوابق في عدم الالتزام بالاتفاقات والعهود».
.. والمستقبل اتخذ القرار!
ولفتت المصادر إلى أن «تيار المستقبل يدرك تورط مدير عام هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف في فضيحة الإنترنت، وتيقن بأن الفضيحة لا يمكن لها أن تمرّ مرور الكرام أو حصرها أو استيعاب مفاعيلها بعد فضحها أمام الرأي العام، وأنها ستطال رؤوساً كبيرة في المستقبل وغيره وستتسبب بخلافات مع أطراف سياسية حليفة له، لذلك اتخذ قراراً منذ أسابيع برفع الغطاء عن يوسف وحصر التهمة به، لأن مصلحة المستقبل تقتضي ذلك في الوضع الراهن».
وحذرت المصادر من أن «هذا الملف لا يمكن أن ينتهي عند هذا الحدّ، أي بمحاسبة يوسف فقط وتبرئة من وراءه ومَن غطاه، بل تجب محاسبة جميع المتورطين والمتواطئين وإعادة الأموال المهدورة إلى الدولة، وإلا فالملف لن ينتهي».
وعلى صعيد ملف الإنترنت غير الشرعي، كلف المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية العميد موريس أبو زيدان التوسع في التحقيق، في ضوء محضر التحقيق المنظم من قبل مخابرات الجيش في شأن الإنترنت غير الشرعي، ومخابرته بالنتيجة.
لائحة أميركية بأسماء أشخاص وشركات
على صعيد آخر، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل المصارف اللبنانية بعد إصدار مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية OFAC مراسيمه التطبيقية لقانون «منع التمويل الدولي لحزب الله» متضمنة لوائح بـ95 اسماً لمسؤولين سياسيين ورجال أعمال وشركات ومؤسسات تعتبرها واشنطن مرتبطة بحزب الله، وفي مقدمها الأمين العام السيد حسن نصرالله.
وميّزت مصادر مطلعة لـ«البناء» بين الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في القانون الأميركي وبين أسماء الشركات، واعتبرت أن «أسماء الأشخاص لها أبعاد سياسية ومعنوية وليس مالية، لأن هذه الشخصيات لا تملك حسابات في المصارف اللبنانية ولا في المصارف الخارجية، وبالتالي لا مفاعيل قانونية ومالية ومصرفية للقانون الأميركي، أما الشركات فلها أبعاد مالية، وبالتالي فإن المصارف اللبنانية ملزمة بالتوقف عن التعامل معها وهناك تفاهم بين كل المصارف بأن تتوقف عن التعامل مع الشركات التي وردت أسماؤها في القانون كما أن مصرف لبنان سيتصرف وفقاً للمعطيات الواردة في القانون الأميركي».
لا تأثير سلبي على الاقتصاد
وقللت المصادر من حجم تأثير هذه العقوبات سلبياً على القدرة المالية للشركات الواردة في القانون، كاشفة أن «معظم هذه الشركات كانت تنتظر ذلك منذ عامين كشركة «تاجكو» وعملت على اتخاذ إجراءات تمكنها من استيعاب وامتصاص تأثير العقوبات عليها وستعمل على إيجاد طرق ووسائل أخرى غير مباشرة للتعامل مع المصارف وإبقاء أموالها واستثماراتها في إطار الدورة الاقتصادية». وكما استبعدت المصادر «أي تأثير لهذه العقوبات على القطاع المالي والمصرفي في لبنان ولا على الاقتصاد اللبناني بشكلٍ عام». وأوضحت أن حصر العقوبات بهذه الأسماء والشركات يعكس حرصاً أميركياً على عدم إلحاق الضرر بالاقتصاد اللبناني والتركيز على الفصل بين لبنان وحزب الله».