الشاعر القوميّ المهجريّ ناصيف نخلة ملّاح… الشعبيّ وصائغ الكلمة الشفّافة
لبيب ناصيف
عندما يقول العميد الأمين سبع منصور المعروف عنه دقته في كل كلمة، والمُقلّ في إبداء الثناء والمديح، عن شاعر عرفه جيداً اثناء اغترابه في اكرا غانا انه «من اهم الشعراء الشعبيين»، فهذا يعني ان الرفيق الشاعر ناصيف نخلة ملاح هو كذلك .
لم أكن سمعت باسمه، ولا قرأت له، قبل أن يحدثني عنه الأمين العملاق، جسداً وروحاً، والمجسّد فضائل النهضة في مسيرته النضالية التي يجب أن يحكى عنها وفاءً وتقديراً: الأمين رشيد الأشقر. فالأمين رشيد، إلى سويته العقائدية واهتمامه الثقافي ناشطاً في نادي انطلياس ومسؤولاً في هيئته الإدارية، يملك إحدى أضخم المكتبات الشخصية وأرشيفاً في الطبقة السفلية من دارته في ديك المحدي، قلّما أمكن لفرد أن ينصرف إلى جمعه وحفظه وتبويبه.
عن الرفيق الشاعر ناصيف نخلة، أفادني الأمين رشيد في مقابلة شخصية معه بتاريخ 15/12/2007 أنه من مواليد مزرعة يشوع عام 1925، والدته أدما النفيلي من بيت الشعار، والده من مزرعة يشوع، وكان يعمل في الشام. لذا غادر الرفيق ناصيف إليها للعمل مع والده ولمّا عاد إلى مزرعة يشوع بات يُعرف بـ«ناصيف الشامي». عمل ميكانيكياً للسيارات وانتخب مختاراً لبلدة مزرعة يشوع وكان في السابعة والعشرين من العمر. صدر له ديوانان شعريان، «افتراس»، و«انا وانا». غادر إلى اكرا عام 1952 للعمل مع نجيب زخور الذي كان يملك أفراناً، ثم انصرف إلى تجارة الأخشاب. لم يتولّ مسؤوليات حزبية إنما كان يلقي قصائد قومية اجتماعية في مختلف المناسبات الحزبية. اقترن بالسيدة روز الطورا، من بيت الشعار ورزق منها نسيب وافته المنيه عام 2007 ، وأسد المقيم في أكرا، ونينا المتأهلة من بدوي عبد المسيح والمقيمة مع عائلتها في أكرا.
وافته المنية في أيار عام 1982 إثر نوبة قلبية. وأوردت جريدة «البناء» الخبر على هذا النحو:
«توفي إثر نوبة قلبية في أكرا غانا الرفيق الشاعر ناصيف الملاح، مختار مزرعة يشوع سابقاً، ووالد أسد ونسيب ونينا زوجة بدوي عبد المسيح. للشاعر ديوانان شعريان: «افتراس» و «انا وانا» وديوان تحت الطبع».
وإلى جانب الخبر نشرت رسماً للرفيق الشاعر الراحل.
تابعت مع الرفيق الشاعر نبيل ملاح ما يمكن أن يتوافر لديه من معلومات عن الشاعر الرفيق ناصيف نخله فأحالني على ابن الرفيق ناصيف، أسد المقيم في أكرا، فاتصلت به وكتبت، فوردتني معلومات وقصائد تغني هذه النبذة عن شاعر فذ إنما كان شبه مغمور، مثل كثر من أدباء وشعراء بلادنا في المهجر، الذين لم يهتموا بتسويق شعرهم وأدبهم في الوطن، ولم تقم وزارات معنية ومؤسسات ثقافية بالتعريف عنهم.
يفيد ابنه أسد بأن والده من عائلة كبيرة في البلدة وكان يتمتع باحترام أبنائها، وأنه «أسد» في المناسبات! إذ حين يلتقي أحداً من البلدة ويعرف أنه ابن ناصيف الشامي، كان يبادر إلى عناقه والإطراء على ما كان عليه والده من حضور بارز في البلدة ومحيطها 1 .
الأمين منصور عازار وصفه في لقاء لنا معه بالقبضاي. عن ذلك يقول أسد إن والده نقل ذات يوم أحد أبناء البلدة وقد وقع له حادث فيما كان ينجز بناء منزله إلى المستشفى، فامتنعت الإدارة عن استقباله اذ لم يكن يحمل مالاً، فما كان من والده ناصيف إلا أن أطلق النار داخل المستشفى مرغماً الإدارة على استقبال المصاب وتقديم الاسعافات العاجلة له. « كان والدي يعلمنا اللغة العربية، وقواعد الصرف والنحو، وهذا ما جعلنا، نينا وأنا، نقرأ الشعر بلغة صحيحة»، يضيف أسد.
كتبت الرفيقة الشاعرة الراحلة حنينة ضاهر 2 مقالين في جريدة «الأنوار» عن الرفيق ناصيف نخله، أحدهما 3 بعنوان «من غانا إلى الوطن، ناصيف نخله بين ضريحين» ومنه عرض شامل عن الرفيق الشاعر نورده بالنص تعريفاً مضيئاً عن شاعر يجب أن يُعرف أكثر في حزبه، وفي وطنه:
« صياد اللؤلؤ مزقت العاصفة أشرعة سفينته، يغرق في الصمت… في اللجة السوداء تاركاً على شواطىء الذاكرة أمواجاً من الحنين والدموع.
ناصيف نخلة، أحد أمهر صائغي الكلمة الشفافة والصورة الراقصة والرؤيا المجنحة، مر على هذه الصفحة كهمسة عطر، ووشوشة حفيف، وارتعاشة حب، يعود إليها خبراً حزيناً حتى الوجع وذكرى مؤلمة حتى أعمق نبضات الوفاء.
ناصيف نخلة الذي عاش 59 سنة مثل «ديوجين»، ها هو يلملم أشرعته ويبحر إلى شواطئ مجهولة، متابعاً البحث لعله يجد ضالته: الحق والحب وعلى شفتيه اجوبة حائرة:
ولا تسأليني الحق وينو منزوي !
الحق بضمير الناس خاطر معنوي
وإن كان مطلق صوت مفهومو القويم
ما أخذ حق الضعيف من القوي
وحقك إذا عمتنشدي لنفسك عديم
بيظل مع أهواء نفسك ملتوي
وحقك إذا عمتنشدي لشعبك عظيم
حق الأمم في حق فرض وجودها
تحيا على حق الأمم متطرفي!
ذلك القلب الكبير الذي عاش باحثاً عن الحب توقف بعدما اكتشف أن الحب الذي تعارف عليه الناس هو أنانية، أما الحب الذي يفهمه فهو:
… ولا تسأليني الحب كيف بينوجد!
الحب يقظة عاطفة وهاتف جسد
الحب رغبة نسل في حب البقا
وغاية وراء استمرارها سر الأبد
وإن كان معنى الحب نظرة بلا لقا
وقيمة وجودو بقلب عن قلب ابتعد
هالحب لا غاية شريفة ولا نقا
هيدا أنانية نفوس تعمدت
تقتل باسم الطهر قصد العاطفة!
الشاعر الرقيق الذي عاش عمره يقدس الجمال ويغنيه، صمت وعلى شفتيه هذه الأنشودة:
…ولا تسأليني كيف بيكون الجمال!
إحساس نفسي وصوت تحديدو محال
في كل عين بقلبها منو دليل
وفي كل نفس بعمقها منو ظلال
قلبك بيوحي لعينيك الجميل
وبيجسدو في خاطرك بعد الخيال
وفهم الجمال بشكل واضح مستحيل
الشكل مهما تبينو عيون البشر
بتحددو أهوائها متخالفي
الحق والحب والجمال أقانيم ثلاثة
هي الأبرز في حياة ناصيف نخلة ومنها تفرعت جميع قناعاته الباقية كقناعته بالعدالة التي هي:
ولا تسألي وين العدالة حدودها
أسئلة بتصعب عليي ردودها
كلمة عدالة ترضيه لفقر البشر
أما الغني متحرر من قيودها
ومهما العدالة بوصفها يصيغوا صور
الإنسان بدو يظل يتظلم أخاه
وطايفه بتظل تنحر طايفه
أما قناعته بموضوع الغفران فكانت:
الغفران بدعة علموها للبشر
تا تزيد وتقوي الخطايا بالقلوب
المذنب إذا بيعرف ذنوبو بتنغفر
بيعود ليها بعدما عنها يتوب
ومن يوم ما الغفران بالدين انتشر
صارت خطايا الناس مع مر السنين
تتكاثر بظل العباده الزايفه
قناعات شاعر
هذه القناعات توصل إليها ناصيف نخلة وسجلها وهو في مطلع الشباب. فكيف يمكن لشاب دون الثلاثين أن تتكون لديه هذه القناعة التي عادة ما تكون وليدة حياة صقلتها التجارب والاختبارات.
ذلك أن ناصيف نخلة كان منذ نشأته ظاهرة فكرية غريبة. ففي المرحلة الممتدة بين العاشرة والعشرين من عمره كان عطاؤه الشعري يتفجر مثل الشلال الهادر: قصائد نشرت في المجلات الزجلية. روايتان زجليتان شفاه متمردة» و«بين ضريحين» مثلّتا على أكثر من مسرح ولعبت بطولتهما النسائية ماري عطايا ونهوند، مجموعة شعرية عنوانها «افتراس» وقصائد شقت طريقها إلى الإذاعة اللبنانية عبر صوت المطرب ميشال سمعان.
من خلال جميع ما كتبه ناصيف نخلة في الوطن ومغتربه الأفريقي غانا التي هاجر اليها في مطلع شبابه، يبرز السؤال الكبير: هل ناصيف نخلة شاعر؟
إذا كان الشعر هو الوزن والقافية وغزارة الانتاج واغراق الصحف والمجلات بالنشر لاحتلال أكبر مساحة من دائرة الضوء الإعلامي وبريق الشهرة، فإن ناصيف نخلة لم يكن شاعراً، لأنه لم يكتب الشعر حتماً، أجل. إنه لم ينظم شعراً. لم يتخيل حوادث تجسدها الكلمات الموزونة المقفاة. فناصيف نخلة هو الشاعر الوحيد الذي لم يرتبط مع الوحي بمواعيد ولقاءات. ففيما يفرغه على الورق من أحاسيس لا يحتاج إلى مناخات وأجواء خاصة مثل بقية صانعي الكلمة.
الطبيعة الساحرة، زقزقة العصافير، زرقة السماء، همس السواقي، حفيف الأغصان، هذه الموحيات كلها لا تعني له شيئاً. ما يربطه بالشعر لم يكن أهدافاً يسعى إلى تحقيقها أو أبعاداً يحأول اختراقها. كل ما يفعله أنه يسجل حوادث مرت به أو مر هو بها، وحينما يتعرض لحدث ما يترك في داخله أثراً مفرحاً كان أو محزناً، لا فرق. يصبح هذا الأثر مثل الميكروب الخبيث يتجدد في إحساسه يوماً عن يوم إلى أن يجسده بكلمات فيستريح. لذلك لم يكن ما كتبه ناصيف نخلة شعراً في المعنى المجازي بقدر ما هو أشياء نلمسها، نحسها، نتذوقها، نراها مجسدة. الكلمة على شفتيه هي حياة تنبض. تتحرك. تقهقه حيناً. تنزف أحياناً. وأحياناً كثيرة تتوجع وتصرخ غضباً. لكنها في جميع الأحوال ثائرة متمردة كأنها الإعصار الجارف.
مواصفات كلمته قد تكون مرتبطة بمواصفات طبيعته الخاصة التي لا نجد لها وصفاً مناسباً، الا في الطفولة، أجل الطفولة بكل ما تحويه من براءة وتمرد وفوضى ودلع. عاش ناصيف نخلة عمره طفلاً أرعن يملأ الدنيا صراخاً للحصول على لعبة اعجبته ولكن ما أن يحصل عليها حتى يحطمها بحبه العنيف وشوقه اللامبالي، ثم ينحني عليها يناجيها باكياً نادماً:
داعبت زهرة فل: صرخت أمها
عن نهدها المسمر إيدك لمها
لا شفافها لمعنى الحياة تبسموا
ولا عبير الحب عطر كمها
وبّخَتني وكنت من خمر الفجور
سكران، متحجر بأعماقي الشعور
قضّي الليالي حول بستان الزهور
تا إخدع الزهرة الجميلة وشمها
يا ما ليالي صرفتها بين الربى
قطّف زهور وعود انثرها هبا
وما عرفت كيف وعيت من حلم الصبا
مذهول وملون ضميري بدمها
يا ريت فيي طهّر ليالي الشباب
الماضيه: وإنقُذ ضميري من العذاب
وكل زهرة نثرتها بين التراب
غرّق جفوني بالتراب ولمها
هذا الطفل الكبير كان مثل بقية الاطفال يحس ويعبّر عن مشاعره بطريقته الخاصة. إنه يبكي عندما يتألم، يترغل عندما يكون فرحاً. يصرخ عندما يغضب أو يجوع. وهو في جميع الأحوال ليس مسؤولاً عما يفعل. إنه يمارس طبيعته. وناصيف نخلة نفسه كان سبقنا إلى معرفة طفولته، بهذا المقطع من قصيدة «قالب السكر» إذ يقول:
….! لكن الشاعر طفل ما بيكبر
بدو بأيدو لو كمش فرفور
يكبس جناحو بورقة الدفتر
ثم تعود الطفولة الطائشة الكامنة في أعماقه بكل ما تحويه من براءة لتقول بوضوح محبب وتضحية رائعة:
وإنت قصدي تكوني حجر محفور
تمثال، لا بيحكي ولا بيشعر
بضحّي معك عمري بكهف مهجور
أعبد حلى تمثالك الأسمر !
هذا الشاعر الذي يرتفع في هذين البيتين إلى أسمى مراتب التصوف والعشق الروحي، لا يلبث الطفل المشاغب في داخله أن يصرخ وقد جُوبه بلؤم الخيانة:
قصتك … يمكن انا وسكران
طلعت عا فشة خلق قدامي
يا ما على زنودي مرق نسوان
ما ظل حلوة بذكر إيامي
ويا ما على شفافي حرقت دخان
ما كنت مرة صمّد قرامي !
الصورة تتغير بتغير الانفعالات والأحاسيس وتختلف باختلاف الدوافع والأسباب.
لطالما اتهم بعض المتزمتين شعر ناصيف نخلة بالإباحية والتطرف، لكن ذلك لم يكن يعنيه في شيء، فناصيف نخلة كان واحداً من قلة مؤمنة بفاعلية الكلمة وصدقها، لذلك فهو عندما يريد تصوير حدث ما كان يصوره بمنتهى الصدق والواقعية والجرأة. لا يموّه، لا يكذب، لا يدجّل، لا يعهر الكلمة. في جميع ما صوره من وقائع حقيقية لم يكن يهدف، بالإضافة إلى صدقه مع نفسه، إلى التشويه، بقدر ما كان يهدف إلى إبراز الوجه الآخر من الصورة وتوضيح الحدث لطرح العبرة المتوخاة.
كما سنرى في هذه الصورة التي يعالج فيها موضوعاً اجتماعياً بمنتهى العمق والجرأة فيقول بلسان امرأة غيّرت اسمها عندما اضطرّتها ظروف معينة إلى أن تبيع نفسها للشيطان، وكانت تجيبه على اتهامه الظالم بهذا المقطع من قصيدة «رباب»، إحدى أروع ما كتبه ناصيف نخلة:
بخاف تجرح كلمتي كبر الفقير
إن قلت كان الفقر علّة هالمصاب
لو بستحي، ما بستحي بذبح الضمير
وعرّي التراب واطعمو لجوع التراب
بستحي من طفل يغرق بالسرير
عبـرضّعو بالليل فضلات الذياب
بقدر ما كان صادقاً مع كلمته كان صادقاً مع عاطفته. إذا أحب، أعطى كل ذاته فلا يبقى له شيء، ولكن إذا اصطدم بخيانة أو غدر خنق نداء حبه وداس على قلبه وأغلق اذنيه عن كل تبرير أو اعتذار، فمغفرة الخيانة لم تكن واردة في حسابه على الإطلاق. من هنا كان جوابه لها عندما التقاها بعد فراق طويل ولم يتعرف إليها، وعندما عرّفته بنفسها أجاب:
بحياة عينك لا تسمّيها
بيفتح بقلبي جرح ماضيها
ولا تكذبي تقولي أنا هيي
ما بصدّق ولا بغش عينيي
من زمان هيي دفنتها فيي
من بعدما إنت قتلتيها
دفنتها وما قدرت إنسيها..
وبعدني لليوم ببكيها
واليوم إنت مين ما كنت
بحب «هيي» وبكرهك إنت
وأكثر ما بكره بعدما خنت
تعودي لعندي عايشه فيها
إلى مثل هذا التمسك المستميت بالصورة المشرقة التي كانتها «هي» في خياله يصل الشاعر في التشبث بكرامته وكبريائه.
إذا كنا تعمّدنا أن نخصص الجزء الكبير من هذا الحديث عن ناصيف نخلة الشاعر، فلأن الشعر بالنسبة إليه كان قبل كل شيء، بل كان كل شيء في حياته. كان قضيته الكبرى التي يستميت في الدفاع عنها، والحرب لأجلها. الشعر ككل وشعره بنوع خاص كان كل وجوده. هو شخصيته الفريدة التي لم تتلون.
وجهه الذي لم تشوهه الأقنعة الزائفة، هو الجمال الذي كان ينشده في كل ما تتحسسه عيناه ويحلم به خياله الشفاف، وهو الحب الذي عاشه وترشفه حتى آخر قطرة من دمائه، وآخر خلجة نبض وارتعاشة حس في عروقه.
لذا لم يكن يعنيه رأي الناس في ما يخربش على الأوراق من مشاعر وأحاسيس، لا يهمه أن يقرأ الناس ما يكتب. لا يعنيه أن يصنّفه النقاد بالشاعر الطليعي، أو الشاعر الكبير، أو إلى آخر المعزوفة من التقويم والتصنيف التي يتوّج بها بعض الشعراء دوأوينهم الشعرية، لأن الشعر كان قضيته وحده. كان يكتبه لنفسه أولاً، ثم «لها»، فعندما طبع مجموعته الأولى «انا وانا» سنة 1960 سئل: كم نسخة تريد أن تطبع؟ فاجاب: اثنتين فحسب، واحدة لي وواحدة لها، حتى عنوان المجموعة يؤكد هذه الأنانية الشعرية!
الغائب الحاضر
لو أطلقنا وصفاً معيناً على ناصيف نخلة الغائب الحاضر لما وجدنا له أنسب من عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين. كما نتخيل شخصية عمر عبر سيرة حياته، فناصيف نخلة، ضمن طاقته، كان يسير على الطريقة نفسها، لا يتقيد برأي عام، لا يعترف بتقاليد أو بأعراف متبعة. فالسنوات التسع والخمسون التي شلحها عن كتفيه كانت هو تماماً.
ناصيف نخلة المبحر في المجهول المغرق بالصمت، ماذا ترك لنا ؟
حياة وقضية
كلمة لن تموت وحباً لا ينطفىء وذكرى لا تزول. وأفضل ما نختتم به كلامنا، هذه الأمنيات التي لعلّها بعضها تحقق:
وقفت نفسي قبال نفسي تقول مين
حضرتك؟ تاجأوب بمنطق رزين
إنسان فوق الأرض شالحني القدر
تاعيش من فضلاتها وعد السنين
لو كنت صخرة جامدة جامدة في منحرف
وادي بعيد، بقطع وجودي شقف
وكنت ببني من قطع صدري غرف
يِحْتموا فيها اليتامى اللاجئين
لو كنت في مركب سفر قطعة خشب
خانو هياج الموج في ليله وقلب
كنت أو بيكون لوجودي سبب
ناقل طفل صغير لشاطىء الأمين
لو كنت كسرة خبز يشلحها غني
لجْايع فقير لظلم دهرو منحني
بأجل رحيلو يوم عن وجه الدني
بلكي بيوم بينبدل وضعو الحزين
لو كنت مين ما كنت بين الكائنات
إلا أنا … بشعر بنبل الواجبات
لكن أنا عالارض شلحتني الحياة
تا عيش من فضلاتها وعد السنين
«ختام مقال الرفيقة حنينة ضاهر»
قصيدة الشاعر ناصيف نخلة الملاح لمناسبة أول آذار في أكرا غانا
لأي سبب يا رفاق لبنان اننكب
وتحولت أرزاقنا رماد وحطب
لأيا سبب أكبادنا راجت وقود
منصير نسأل بعضنا ونحنا السبب
لولا اقتدينا كلنا بإبن الخلود
ولو تعلّمنا ودرسنا ما خطب
ما كان ضل بشعبنا واحد حقود
ولا كان في ببلادنا بيت انخرب
ولو بدل ما تكون المعابد للسجود
تكون مطرح توعية وعلم وأدب
كنا لغينا الطائفية من الوجود
وما حدا عالتذكرة دمو انسكب
كيف صرنا شعب نقتل في برود
والحب كيف بقلبنا تحول غضب
يا خجلة الأحفاد من فعل الجدود
يا خجلة التاريخ إن عنا كتب
نحنا بجبل لبنان في أعلى الجرود
نحنا روافد سوريا نحنا العرب
لا الطائفية ولا الفرنج ولا اليهود
بيفسدوا في دمنا طهر النسب
وإن كان بدّو الناصري نعمل جنود
وحدودنا نزيّن بصلبان الخشب
واجب علينا قبل نجتاز الحدود
نطهر تراب الأرض مطرح ما انصلب
واجب علينا كلنا إخوة نعود
وما يضل بين قلوبنا حقد وعتب
وضد اليهود بشعبنا نقوي الصمود
ونفدي الوطن في دمنا عند الطلب
هوامش
1 وردتني لاحقاً معلومات من ابنه المواطن أسد، أضفتها إلى ما كان أورده الأمين رشيد في
النبذة الشخصية عنه.
2 رفيقة، وشاعرة مميزة. احتلت مكاناً رفيعاً في عالم الشعر الشعبي، كتابةً وحضوراً إلى المنابر.
صدر عنها بعد رحيلها ديوان شعري عنوانه «الديوان» جمع منتجات لها، نثرية وشعرية.
3 المقالة الثانية عنوانها «ناصيف نخلة والرؤيا المجنحة: طفولة شعرية تستوحي عمر بن ابي ربيعة، من شاطئ الذهب».
رئيس لجنة تاريخ الحزب