استقالتان

استقالتان

معن بشور

الانحياز غير المفاجئ لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون إلى سلطات الاحتلال والعدوان الصهيوني بلغ ذروته عندما حمّل المقاومة الفلسطينية في غزة مسؤولية خرق الهدنة الإنسانية التي أُعلن عنها باسمه وباسم وزير الخارجية الأميركية، بل عندما لم ير في كلّ الدماء والأشلاء المتناثرة بين أحياء غزة ومخيّماتها سوى عملية «أسر» جندي صهيوني على أرض يحتلها، خلال عملية عسكرية يقوم بها لقتل المدنيين بالمئات! داعياً المقاومة التي لم يعترف أي فصيل منها بالقيام بعملية «الأسر» إلى الإفراج غير المشروط عن «الأسير» المفترض، في مشهد يذكرنا بالمستوطنين المفقودين الثلاثة، الذين استخدم اختفاؤهم لشن أوسع عمليات الإرهاب والاعتقال في الضفة الغربية، ثم استخدم مصرعهم لتبرير القيام بأخطر حرب عدوانية يشنها العدو على أهلنا في غزة وعموم فلسطين.

تصريح «الأمين العام» أتى مباشرة بعد تصريحات أميركية مماثلة، ما يؤكد التبعية المطلقة لكبير الموظفين الدوليين للإملاءات الأميركية، وهي تبعية تكررت مراراً، وأحياناً على نحو بالغ الإذلال حين اعتذر في اللحظة الأخيرة عن حضور اجتماع في طهران، بعدما أبدى استعداده للحضور وحدد موعداً لسفره إلى العاصمة الإيرانية. فهل يعقل أن يستمر شخص بهذا الكمّ من الذيليّة لواشنطن في إدارة المنظمة

التي أريد لها أن تكون «بيت العالم» وساحة لحلّ أزماته ودرعاً لأمنه واستقراره؟! هل يعقل أن يستمرّ رجل لا يملك حتى هامش المناورة والتمايز عن حرفية الالتزام بالإملاءات الأميركية، خاصة أنه في الموقع المفترض أن يكون حكماً في المنازعات الدولية، وناصراً للمظلومين، ومدافعاً عن المواثيق والقرارات الدولية؟!

لذا لا بد من أن نقول لبان كي مون «استقل من منصب شغله قبلك عمالقة وفي مقدّمهم داغ همرشولد وكورت فالدهايم، بل شغلته شخصيات حاولت أن توازن بين انصياعها لواشنطن واحترامها لنفسها مثلما كانت حال أوثانت وبطرس غالي وكوفي انان».

الكلام ذاته ينبغي أن نوجهه إلى أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي الذي نفتقد تصريحاته وتحركاته واتصالاته منذ بداية العدوان على قطاع غزة، في حين كان يملأ المطارات والشاشات والقاعات لدعوة «المجتمع الدولي» إلى التدخل عسكرياً في سورية، على غرار ما فعله زميله السابق عمرو موسى حين ساهم في استدعاء «الناتو» لتدمير ليبيا، والتدمير لا يزال مستمراً إلى اليوم!

هل يعقل أن يبقى كبير موظفي النظام الإقليمي العربي في منصبه من دون أن يتحرك ضميره ووجدانه، ولو بإشارة يعلن فيها «أسفه» على دماء تهرق، وأرواح تزهق، ومنازل تهدم، ومدارس تدمّر، ومستشفيات تقصف، ولو باجتماع «عربي» يدعو إليه ليعلن عبر ما كان يسمى بـ»بيت العرب» رفضه هذا الحريق الذي يطول قلب هذا البيت وحياة أبنائه ونبض الكرامة في الأمة.

هل نحن فعلاً أمام من يحتلّ موقعاً احتله يوماً محمود رياض رفيق جمال عبد الناصر، وشغله بجدارة الشاذلي القليبي، وكانا ينتقلان بين أزمة وأزمة، ومحنة ومحنة، منتصرين لأمتهم، مدافعين عن حقوق أبنائها.

كيف يخلو «الأمين عام» لضميره ووجدانه؟! كيف يغمض للنوم عينيه وهو يقف صامتاً كي لا نقول متواطئاً أمام شلالات الدم وزلازل الدمار التي تعصف بالأهل في غزة؟! ألم يتذكر «سيادته» صولاته وجولاته التحريضية لأجل «تدخل إنسانيّ» في سورية؟! ثم ألم يتذكر «معاليه» سفرته المشهورة إلى نيويورك لكي ينتزع قراراً دولياً بتدمير بلد عربي مؤسس في الجامعة العربية على غرار القرار 1973 بتدمير ليبيا؟!

أليس أفضل ما يفعله اليوم السيد نبيل العربي الذي استبشر كثر بتولّيه المنصب الديبلوماسي العربي الأرفع، خاصة بعد دوره في محكمة لاهاي الدولية في إعداد القرار الرافض جدار الفصل والضم العنصري في فلسطين هو أن يستقيل من منصبه مشاركاً مئات ملايين العرب الإعراب عن اشمئزازهم من موقف النظام الرسمي العربي مما يحصل في غزة، خاصة حين يقارنونه بموقف النظام نفسه مما حصل في ليبيا، ثم في سورية التي حملت دوماً لواء العمل العربي المشترك منذ تأسيس جامعة الدول العربية، فجنت بعد ذلك قراراً دُبّر ذات ليل وفاحت منه رائحة الغاز بتعليق عضويتها في تلك الجامعة؟!

لأجل أطفال غزة، لأجل حياة الناس وحريتهم، لا بد من استقالتين من أمينين عامين، أحدهما شارك في تحويل «بيت العالم» إلى فوضى، والآخر ساهم في تحويل «بيت العرب» إلى خراب ودمار.

الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن.

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى