الحرب على الخصوم تقرّب أردوغان من النظام الرئاسي

د. هدى رزق

لا زالت الحرب بين الرئيس التركي رجب اردوغان والداعية محمد فتح الله غولن مفتوحة، إذ يتمّ القبض باستمرار على مجموعات من الموظفين ورجال الأعمال الاتراك الذين يشتبه بانتمائهم الى هذه الجماعة. تستمرّ الحرب التي فتحت منذ 2013 الى اليوم وهي تسبّبت بطرد أفراد وضباط من الشرطة وقضاة وأكاديميين بالآلاف. لن يهدأ اردوغان قبل ان يطمئن الى السيطرة الكاملة على الجماعة وإنهاء فعاليتها. فالقضاء يأمر باعتقال رجال أعمال ورؤوس شركات كبيرة من اجل الضغط عليها..

«الدولة الموازية» هو لقب جماعة غولن، والتهمة الموجهة الى آخر دفعة معتقلين هي تحويل المال للجماعة والترويج لها، وغسل الاموال.

تستعمل الحكومة جميع الوسائل من الشرطة الى القضاء الى الإعلام من اجل ضرب هذه الجماعة بعدما شكلت العصب الاقوى في تثبيت العدالة والتنمية في الحكم الذي وضع يده على مفاصل القضاء والشرطة واخضع القيادات العليا في الجيش. هي حرب الهيمنة التي يخوضها الرئيس مع خصومه السياسيين ولا يمكن تبرئتهم قبل تأكده من انتهاء فعاليتهم. هذا ما حصل في محكمة الاستئناف العليا في تركيا حيث تمّ إلغاء الإدانات في قضية اركينغون او مؤامرة الانقلاب على حكومة العدالة والتنمية 2007. عزت المحكمة سبب الإلغاء الى عدم كفاية الأدلة بشأن وجود تنظيم إرهابي وجرى نقض الأحكام السابقة بسبب استناد المحكمة الى شهود سريين وعمليات تنصّت غير قانونية على مكالمات أعضاء الاستخبارات الوطنية وعمليات تفتيش جرت خلافاً للقوانين.

تعود جذور هذه القضية الى العام 2007 وادّعاء وجود مؤامرة بعد العثور على متفجرات في منزل ضابط سابق في الجيش، وبعد سبع سنين جرت محاكمة سياسيين وصحافيين وضباط بتهمة التآمر. وفي عام 2014 وصفت شبكة اركينغون بانها منظمة إرهابية مسلحة وقبلها في العام 2012 حكم على 300 عسكري بالسجن بينهم ضباط كبار بتهمة التآمر عام 2003. اعتبرت هذه العملية بمثابة ضربة للجيش وتصفية حساب لإضعافه.

لكن اردوغان تنصّل العام الماضي من هذه القضية وألبسها لجماعة غولن، فهو يتخلص من خصومه الواحد تلو الآخر، بدءاً بالجيش وليس انتهاء بحليفه غولن. هو فتح اليوم المعارك مع كلّ الخصوم، فيما يستقطب اعضاء حزب الحركة القومية، بعد حربه على حزب العمال الكردستاني.

تأتي هذه الأحداث كردّ مباشر على تلقي الحكومة التركية ثلاث رسائل قوية حول الديمقراطية الممارسة في الداخل، ولا عجب انّ شركاء تركيا الغربيين، من البرلمان الاوروبي الى مفوضية حقوق الانسان الى وزارة الخارجية الاميركية قد اخرجوا تقاريرهم في التوقيت نفسه، كلّ من اجل غايته، وبعدما اعتبرت المعارضة التركية ان الغرب يبيعها من اجل مصالحه.

انتقد التقرير السنوي لمسائل حقوق الانسان الصادر عن وزارة الخارجية الاميركية ضرب الحكومة التركية لحرية التعبير، وأدان التطبيق التعسفي للقوانين وعدم حماية حقوق المدنيين في جنوب شرق البلاد، واقتحام شركات إعلام، والاستيلاء على خمس منها تنتمي الى جماعة غولن، وتعيين الحكومة لمجلس امناء في هذه الشركات، والهجوم على مقرّ صحيفة «حرييت». وتطرق التقرير الى اتهام 30 صحافيا بموجب قانون مكافحة الارهاب، كما اعتبر التقرير انّ الحكومة لا تحمي الفئات الضعيفة من السكان ما ادّى الى تعرّضهم للقتل من جراء المعارك مع حزب العمال الكردستناني، ما شكل تهديداً للحريات وللحقوق المدنية للمواطنين.

وفيما دعت الولايات المتحدة الحكومة التركية الى العودة الى استئناف الحوار مع حزب العمال الكردستاني، ردّ اردوغان بأنّ فكرة العودة عن تجميد المحادثات مستحيلة ولن تتمّ حتى تنتهي الأعمال العسكرية ويتمّ سحق حزب العمال الكردستاني ومسلحيه وهو يقول إنّ واشنطن تستعمل كلّا من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لقتال «داعش» في سورية والعراق، مؤكدا أنها لن تقف الى جانبه.

تلاقي سياسة اردوغان دعماً شعبياً من قواعد حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية وفي آخر استطلاع للرأي تبيّن انّ فئة كبيرة من المواطنين الأتراك تقف الى جانب استعمال الدولة قوتها ضدّ موجة العنف وتدعم خطة أردوغان في التحوّل الى النظام الرئاسي.

تبرّر الحكومة استعمال العنف المفرط والأسلحة الثقيلة بسبب مطالبة حزب العمال الكردستاني بالحكم الذاتي ومحاولته السيطرة التامة على المدن في الجنوب الشرقي وقيامه بأعمال انتحارية، وهي ربطت مطلب الحكم الذاتي بإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري عن المطلب نفسه في سورية، مستغلاً ضعف الدولة.

يعتبر اردوغان انّ خسائر حزب العمال الكردستاني اصبحت ضخمة مما حمله على القيام بحملة تجنيد قسرية تسبّبت باستياء العديد من السكان المحليين، وهو يرى انّ الحزب على وشك الانهزام… وينتظر اعلان حزب العمال الكردستاني الفشل في مخططه.

لكن مراد كارايليان وهو احد قياديّي حزب العمال الكرستناني المغمورين قال بأنّ ما يجري في جنوب شرق تركيا يشكل الفرصة الاخيرة لحزب العمال، فلا بدّ له من القتال حتى الرمق الأخير.

وفي توضيح لما يجري على هذا الصعيد صرح رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح ديمرتاش انه تفاوض مع القيادة الكردية في قنديل منذ اربعة اشهر من اجل انهاء القتال والعودة الى طاولة المفاوضات، الا ان الحكومة التركية رفضت الأمر.

اما تقرير الاتحاد الاوروبي فهو يحاكي المزاج العام في السياسة الاوروبية حول سير الامور في تركيا، فاتَّهم حكومة العدالة والتنمية بترهيب الصحافة، وكانت له الانتقادات نفسها التي وجهها التقرير الاميركي، واعتُبر هذا التقرير الأقوى من حيث ملامسته لضرورة اصلاح القضاء وإبعاده عن السياسة، كذلك الوفاء بشروط كوبنهاغن من اجل الدخول إلى الاتحاد الاوروبي… لكن تركيا أكدت العمل على الوفاء بالمعايير التي طلبها الاتحاد الاوروبي وتتوقع ان تحصل على تنفيذ الاتفاق ـ الصفقة مع المستشارة الالمانية ميركل الذي وُقِّع في اسطنبول في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث طلبت ميركل يومها من الرئيس التركي وقف الهجرة الى اوروبا.

تركيا تعتبر نفسها شريكاً للاتحاد الاوروبي وبأنها تحاول السيطرة على الهجرة غير الشرعية، وهي كذلك تعتبر أن من حقها فرض شروطها من اجل وقف هذه الهجرة وتقاسم أعباء اللاجئين، وكذلك تنشيط عضويتها في الاتحاد وإلغاء تأشيرة دخول الاتراك الى دول الاتحاد. وقد انتقدت الصحافة الاوروبية الصفقة واعتبرت شروطها ابتزازاً لاوروبا وخاصة استعمال تركيا للاجئين من اجل الحصول على مكتسبات، وتهديدها ـ تركيا ـ بانه يمكنها التراجع عن هذه الصفقة ان لم يَفِ الاتحاد الاوروبي بوعوده.

وفي تقرير أخير للاتحاد الاوروبي حول الهجرة صدر في 20 نيسان برزت أهمية إمساك تركيا بمفتاح اللاجئين واستعمالها لهم بما يفيد مصالحها اذ انخفض تدفق المهاجرين من 6929 شخصا في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بعد الاتفاق مع ميركل الى 100 مهاجر. ويتوقع ان تصل المستشارة الالمانية اليوم 23 نيسان: «يوم السيادة الوطنية» في تركيا لزيارة مخيمات اللاجئين في مدينة غازي عينتاب جنوب شرق البلاد المتاخمة لسورية، وهي حكماً ستشيد بالتقرير.

يبدو انّ الانتقادات الغربية للحكومة على صعيد الحقوق والحريات والحرب مع العمال الكردستاني، لا تساوي حبرها بالنسبة للحكومة التركية التي ستحصل على تنفيذ الصفقة، فهي تراهن على ضعف موقف اوروبا تجاه مواطنيها في حال عادت موجة الهجرة اليها، وتراهن على تغيير اللهجة الاميركية بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية تماماً كما تفعل حليفتها السعودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى