الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية… ما لها وما عليها… وبين الحضور والغياب أين نجحت وأين أخفقت؟ 2/2
تحقيق: سعد الله الخليل ـ لورا محمود
خلال السنوات الخمس الأخيرة، شهد الإعلام السوري الذي لم يكن قادراً على إقناع السوريين بما يجري، حالة من التشكيك فيه وفي قدرته وإمكانياته. خصوصاً مع وجود وسائل إعلام متخصّصة ذات كفاءة وتقنية عالية، ولها باع طويل في العمل الإعلامي المؤثّر. ما جعل الإعلام السوري يواجه ظروفاً استثنائية تحتاج إلى نظرة أكثر واقعية وأكثر مهنية، لاجتراح بنية إعلامية قادرة على المجابهة، فتكون صفّاً واحداً ومسانداً للعملين العسكري والسياسي.
واليوم، نواجه تساؤلات عدّة أهمها: هل استطاع الإعلام السوري الرسمي المتمثل بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن يكون مؤثراً في الحرب الدائرة؟ هل استطاع أن ينقل معاناة المواطن السوري اليومية؟ وهل ثمة قفزة نوعية في التعاطي مع الخبر وإمكانية إيصاله إلى المشاهد؟ وماذا عن التغطية الإخبارية التي واكبت الجيش السوري مع تعدّدية المحطات الإذاعية والتلفزيونية وتنوّع الشريحة المستهدفة؟ وما تداعيات الأزمة على الإعلام السوري؟ هل ثمّة كوادر بشرية استطاعت مواكبة كلّ ما يحدث في الميدان العسكري والأروقة السياسية؟
الوساطة الحاضرة والإعلاميّ المظلوم
لطالما كان حضور المذيعين وأدائهم في الهيئة مثار نقاش وتساؤل. وعن واقع المذيعين في التلفزيون قالت مستشارة المدير العام لشؤون المذيعين الإعلامية أجفان قبلان: شهد عام 1999، اختبار المذيعين والمذيعات الأخير، وتقدّم عدد كبير ونجح بعضهم كمهنيين، ونجح عدد من الأسماء المهمة لونا الشبل ونزار الفرا ، وكانت لهم بصمتهم في المجال الإعلامي. واختارتهم اللجنة الفاحصة المؤلّفة من أسماء مهمة، كالبجيرمي. وبصراحة، نسبة الوساطة كانت قليلة يومذاك، وبعدها بثلاث سنوات، اختير عدد من الأسماء المهمة وفق معايير مهنية صحيحة، ولم يعد هناك وجود للمسابقات، وأصبح أيّ شخص يحظى بوساطة، بإمكانه أن يصبح مذيعاً أو مذيعة. فيما غابت خلال السنوات العشر الأخيرة المعايير الحقيقية لانتقائهم.
وأضافت قبلان: العمل الإعلامي حلم لأيّ شخص. فالشهرة والأضواء تغري الجميع. البعض أثبتوا جدارتهم، وآخرون يمرّون ملوّحين، وثمّة أسماء عملت في الإعلام ولم تترك بصمة. الوساطة تستطيع إدخالك إلى هذا المجال، لكنها لا تستطيع أن تجعل منك إعلامياً مهماً. رغم وجود مذيعين أتوا بالوساطة وكانوا مهنيين وأثبتوا وجودهم نتيجة اجتهادهم الشخصيّ.
وتابعت قبلان: حاولنا خلال الفترة الأخيرة اختيار مذيعين وفق معايير محدّدة من حاملي الشهادات العلمية، فلم نجد مذيعاً يحمل شهادة البكالوريا، إضافة إلى الثقافة وسرعة البديهة والحضور والحوار الجيد والذكاء واللغة. ولا ننكر أن المذيعين اليوم لديهم هذه الصفات، خصوصاً الذين تدرّبوا في الإذاعة كـ«صوت الشعب»، و«إذاعة دمشق» التي تعتبر مدرسة في العمل الإذاعي.
وعن إمكانية أن نرى إعلامياً نجماً على الشاشات الرسمية قالت قبلان: بعد دورة المذيعين والمذيعات، أرى أنّ هناك عدداً من المذيعين قادرون على أن يكونوا إعلاميين، ولديهم كلّ مقوّمات الإعلامي الناجح. ولكن إمكانية أن يكونوا ضمن الهيئة وفق القوانين الجديدة، أظنّ أنّ هذا الأمر صعب.
وعن السبب الذي يجعل المذيع السوري ينجّم في قنوات أخرى، بينما في التلفزيون السوري لا يستطيع ذلك قالت قبلان: التلفزيون السوري تلفزيون دولة أو حكومة، وليس من أولويات الإدارة أن تصنع نجماً. البرنامج هو الذي من المفروض أن يكون النجم. المحطة الخاصة تبحث عن المذيع الذي يجذب المشاهد، فهي تصنع برنامجاً لهذا المذيع وتسوّق لبرنامجه لأنها تستفيد مادياً، فيما الربح والرعاية لم يكونا من أولويات التلفزيون الرسمي باعتبار وجود المؤسّسة العربية للإعلان المسؤولة عن هذا الموضوع.
وأشارت قبلان إلى أنّ التلفزيون الحكومي لا يحاول أن ينجّم المذيع ويصنع له برنامجاً بِاسمه رغم امتلاكه الإمكانيات، ولكنه لا يستغلها بالشكل الصحيح، ولا يستغل الإعلاميّ أو المذيع بشكل صحيح من قبل إدارته.
ولفتت قبلان إلى غياب الإمكانيات التي تخدم البرامج بشكل صحيح، بل تسير الهيئة في ضغط النفقات، والجميع يتحمّل حالة الحرب التي تمر بها سورية. فالمذيع السوري لا يملك طاقم إعداد يعمل معه ويدعمه ويؤمّن له كلّ الظروف ليصبح نجماً وفق القوانين الموجودة. الإعلاميّ مظلوم جدّاً.
إذاعات جديدة وتأهيل وتدريب
على رغم أنّ التلفزيون أحد أهم العناصر الإعلامية كونه يدخل إلى كلّ بيت، يبقى للإذاعة سحرها وتأثيرها. وعن دورها في ما تمر به سورية يقول مدير إذاعة «صوت الشعب» موسى عبد النور: تنوّع الوسائل الإعلامية بالنسبة إلى الإعلام الرسمي أمر مطلوب، وحتى التنوّع بالشكل الواحد في الصحافة والإذاعة والتلفزيون يغني أيضاً. ومع تطوّر وسائل الإعلام، صرنا أمام توجّه نحو الاختصاص أكثر. لذا، نلاحظ وجود محطات إخبارية ومحطات منوّعة، وما زالت محطات عدّة تأخذ الطابع الشامل والتي تتوجه إلى كل شرائح المجتمع. وهذا التنوع يخدم الرسالة الإعلامية ويخدم الهدف الذي نشأت من أجله هذه المحطات.
وأضاف عبد النور: بالنسبة إلى الجانب الإذاعي، في البداية كانت «إذاعة دمشق». وبعد تطوّر هذه الإذاعة، أصبحنا أمام حاجة إلى وجود تنوّع في البرامج وتنوّع في الاتجاهات، والتركيز على الجانبين الخدمي والمحلي. فأُسِّست إذاعة «صوت الشعب» في 15/6/1978 التي ركّزت على هذه الجوانب، وتوجّهت إلى كلّ شرائح المجتمع، وركّزت أيضاً على برامج المنظمّات الشعبية ودور المحافظات السورية، ما لها وما عليها، كل هذه الامور جعلت من هذه الإذاعة محطة أساسية على صعيد الاهتمام بشرائح المجتمع كافة.
ومع انتشار الإذاعات المنوّعة التي تتوجه بطابع فنّي منوّع، كانت «صوت الشباب» لتلبّي حاجة كهذه. وتطوّر الامر بعد ذلك باتجاه الجانب الإخباري وما فرضته ظروف الأزمة والتعاطي مع الأخبار والاحداث لحظة بلحظة. فكان إطلاق إذاعة «سوريانا» في 6/10/2012 وتطوّرت بشكل سريع.
وأوضح عبد النور أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ. فكان التوجه نحو الإذاعات المحلية في الساحل السوري عبر إذاعة «أمواج»، وفي الحسكة عبر إذاعة «سنابل»، وفي السويداء إذاعة «الكرمة»، وفي حمص إذاعة «زنوبيا»، وكان لهذه الإذاعات المحلية دور في التعاطي أكثر مع قضايا تلك المناطق وتراثها ونجاحاتها وإبدعاتها.
وأكّد عبد النور أنّ هذا التنوّع في كل جانب من الجوانب بالتأكيد يغني الحالة الإعلامية. وأيضاً يعطي دفعاً أكبر للأهداف المتوخاة من التوجه الإعلامي، سواء عبر الصحافة أو الإذاعة أو التلفزيون.
وعن الجوانب: البشري والمهني والبرامجي للإذاعات المحلية قال عبد النور: حاولت الهيئة أن تتدارك نواحي الضعف من خلال دورات سريعة ومكثّفة لتأهيل الكادر العامل. فليس سهلاً أن تطلق أربع أو خمس إذاعات خلال فترة قصيرة في عدد من المحافظات التي ربما تكون بعيدة، والكادر العامل فيها قليل، وربما غير مدرّب ويحتاج إلى تأهيل يتبعه جهد بالتخطيط البرامجي، وإيجاد أفكار برامجية وكيفية التعاطي معها. الإدارة حاولت الاستفادة من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في دمشق لتوسّع التجربة وتنوّعها وتطوّرها لتذليل الصعوبات وعقبات الخطوات الأولى.
بعيداً عن الخطابات التنظيرية والتعبوية
أفرزت الأزمة مجموعة من التجارب الإعلامية التي كان لها حضورها الخاص، والتي طوّرت نفسها. ومنها إذاعة «سوريانا أف أم». وعن التجربة حدّثنا مديرها وضاح الخاطر الذي اعتبر إذاعة «سوريانا» الإخبارية ، البنت الصغرى لـ«إذاعة دمشق» وقال: قبل ستة أشهر تقريباً، وتحديداً في السادس من تشرين الأول، أكملت «سوريانا» سنتها الثالثة، وكان ميلادها هذه المرة بنكهة مختلفة، إذ أُطلِق بثّها الفضائي، لتنضمّ إلى مجموعة قنوات «سلايد شو». ومن هنا أصبح الجمهور أوسع أضعافاً كثيرة، وهذا ما حمّلنا مسؤولية أكبر، فلم يعد المستمع محصوراً بابن دمشق وريفها حيث كان يصل الإرسال سابقاً ، إنما أصبح بإمكان أيّ شخص في العالم متابعتنا فضائياً، وبات بإمكان أهلنا في القلمون وإدلب وحماة ومصياف والمدن الساحلية أن يتابعونا على موجات «أف أم»، ونأمل قريباً أن نصل إلى كل السوريين على كامل التراب السوري، هذا إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«يوتيوب»، و«ساوند كلاود»، و«تيلغرام». إضافة إلى البث الدائم على الإنترنت عبر الرابط:
RadioSouryana/live.rtv.gov.sy
ولدى سؤاله عن التفرّد الذي تميزت به هذه الإذاعة أجاب الخاطر: ببساطة شديدة، لا ندّعي التفرّد بأيّ شيء، ولكن بإمكاننا القول إن لدى «سوريانا» شبكة مراسلين في غالبية القرى السورية، وفي معظم المدن العربية والعالمية، وهذا ما قد يميّز «سوريانا» عن باقي وسائل الإعلام السورية. إضافة إلى القضايا التي تطرحها فهي مستمدة من أحاديث السوريين اليومية، وهمّنا كان وما زال أن نكون قريبين من الناس لنعرف بشكل فوري ما علينا أن نقوم به برامجياً وإخبارياً.
وأضاف الخاطر: القاعدة الرئيسة التي حاولنا أن ننطلق منها في علاقتنا مع الناس، أن نستمع لأحاديث أهلنا في بيوتهم، وأن نحاول الارتقاء لهمومهم وأوجاعهم، والتي هي همومنا وآلامنا بطبيعة الحال. وبصراحة شديدة، لم يعد السوري قادراً على تحمّل الخطابات التنظيرية والاستعلائية والتعبوية، وكل ما يحتاج إليه إعلامياً في هذه الفترة، أن يتلقى خطاباً قريباً من مشاكله، وبعيداً عن إبداء الآراء التي سئم منها طويلاً. ومن هنا خصّصنا معظم برامجنا لهذا المجال. فعلى سبيل المثال، لدينا برنامج يُعنى بمشاكل السوريين الخدمية، والتي باتت الشغل الشاغل للجميع. وهذا البرنامج يبثّ من الأحد إلى الخميس في تمام الساعة الثالثة عصراً، تحت عنوان «خدمات»، يعده ويقدّمه غيلان غبرة.
وأوضح الخاطر أن الشأن الاقتصادي ضاغط جداً، وما يعرض من برامج في المحطات حالياً يخفي في غالبيته العلة ويغطيها، لذا تعاملنا في برامجنا بجرأة وقسوة أحياناً مع الهمّ المعيشي لدى السوريين، لأن معركة الرأي العام لا تُكتسَب بالشعارات، بينما الناس لا يجدون خبزاً للأكل، ولا وقوداً للتدفئة، وأحياناً لا يجدون لباساً يقيهم البرد المميت.
هذا ما يخص البرامج الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، أما عن البرامج السياسية والفترات الإخبارية، تحدث الخاطر أن هذه البرامج تحتل المساحة الأوسع في بث المحطة، والتي تأتي على الهواء مباشرة خلال الساعات الأربع والعشرين، فقد ركزنا بداية على الشريط الإخباري، كونه عنوان أيّ محطة نقدّمه بجمل قصيرة، ومن دون أي تغيير في المصطلحات ومن دون أيّ تنظير، لأن السوري بات كاشفاً لأيّ تنظير وبات أستاذاً في التقاطه وانتقاد الخطاب الذي يسوّقه.
وأضاف: بدأنا بإظهار بعض الأسماء في «المعارضة الخارجية»، والتي لا تتعامل معها معظم وسائل الإعلام السورية، سواء ضمن البرامج الحوارية، أو نشرات الأخبار للتعليق على المواقف المختلفة. وانطلقنا بذلك من أن تغييب الموقف إعلامياً لا يعني إلغاءه على الإطلاق.
وبالنسبة إلى المنافسة مع الإذاعات الأخرى، رأى الخاطر أن هذا الأمر لا يشكل أي هاجس لديه، وقال: همّنا الأوحد أن نقترب من الناس وهمومهم، وأن نرتقي لدرجة آلام الشعب السوري العظيم. وعندما نسمع عن عمل مميّز ما، في إذاعة أو محطة ثانية، أشعر على الصعيد الشخصي بشيء من الفرح، ولا أرى إلا أننا نكمّل لبعضنا.
المراكز الإخبارية… غياب قسريّ
في ظلّ الحرب على سورية التي طاولت نيرانها مساحات واسعة من الأرض السورية، بدت الحاجة إلى تفعيل دوار المراكز الإخبارية التي استُحدِثت مطلع التسعينات لتغطية الأنشطة والفعاليات في المحافظات، ووسّعت نشاطها لتجربة البثّ المحلي من اللاذقية، وشمل غالبية المحافظات.
وفي هذا السياق، يقول نايف عبيدات مدير المراكز في الهيئة: من البث المحلي انطلقنا إلى الإذاعات المحلية، بدءاً من «أمواج FM» في اللاذقية و«الكرمة» في السويداء عام 2013، و«زنوبيا» في حمص 2014، و«السنابل» 2015. وتابع عبيدات: منذ اندلاع الأحداث في سورية، تعرّضت المراكز الإخبارية للنهب والسرقة والحرق. فمركز درعا استُهدف منذ 8/ 4/ 2011، وتوالت الاعتداءات على مراكز حمص وحماة وتدمر وحلب ودير الزور والرقة، إضافة إلى عدد من محطات الإرسال والمكروويف، وآخرها خروج مركز إدلب عن الخدمة بتاريخ 28/ 3/ 2015.
ويؤكد عبيدات أنه رغم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمراكز، أوجدت الهيئة البدائل الضرورية لمتابعة العمل، وفضح عمل المجموعات المسلحة وتوثيق إجرامها، والإضاءة على إنجازات الجيش العربي السوري ونقل هموم المواطنين عبر الشاشة السورية.
ويلفت عبيدات إلى الصعوبات التي تواجه عمل المراكز، وأهمها تعدّد الجهات الوصائية على عمل المراكز الإعلامية محافظ، أمين فرع، أجهزة أمنية تتحكم بصيغة المادة الإخبارية، خصوصاً أخبار الجيش. ناهيك عن والانقطاعات المتكرّرة في خدمة الإنترنت والاتصالات، وصعوبة إيصال المعلومة والصورة إلى الأخبار في الوقت المناسب.
ويطالب عبيدات بجملة إجراءات لا بدّ منها لضمان استمرارية العمل، كالإسراع في تزويد المحافظات الساخنة بالمعدّات اللازمة للبثّ عبر الإنترنيت والبث الفضائي، وتأمين أجهزة إرسال لمحافظات السويداء وحمص وحلب والحسكة لمواجهة ما تبثه المحطات «المعارِضة» التي تبثّ سمومها أمام المواطن السوري. وتأمين التجهيزات اللازمة لعمل المراكز من كاميرات وحواسيب وأجهزة إضاءة، وتكثيف الدورات التدريبية لكوادر المراكز.
بناء الثقة
يقرّ مدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المهندس رامز ترجمان، بأن الإعلام السوري بشكل عام، والهيئة بشكل خاص، يواجه مشكلة أساسية تتمثل ببناء الثقة مع المواطن السوري. فكانت المهمة الأولى ردم هذه الهوة وبناء جسور الثقة بين المواطن والإعلام، كون المواطن السوري لم يكن يتابع الشاشات السورية إلا في شهر رمضان ليشاهد الدراما السورية.
وأضاف: خلال الأزمة، طُرح شعار شفّاف وواضح لبناء هذه الثقة بالاعتماد على المصداقية والشفافية في التعامل مع الأخبار، ونقلها إلى المواطن. واعتمدنا هذه الصيغة واستطعنا خلال فترة لا بأس بها، بناء الثقة اعتماداً على وعي هذا المواطن.
وتابع ترجمان: عملنا على جذب المواطن السوري من خلال نقل ما يجري على أرض الواقع مباشرة. كجلسات الجامعة العربية رغم كلّ ما كانت تتضمّنه وما يقال من إساءات للدولة السورية. من هنا، بدأنا بناء جسر ثقة مع المواطن، ونقلنا ما يجري على الأرض كالتظاهرات ومقارنة الأعداد الموجودة مع تلك التي تتحدث عنها قنوات أخرى «الجزيرة» و«العربية» . ومع هذا، تعرّض الإعلام السوري منذ اليوم الأول للهجوم.
ويرى ترجمان أن مساحة الثقة التي نشأت بين الإعلام والمواطن دفع الإعلام ثمنها بشكل مباشر، باستهداف كوادره وبناه التحتية. ووصل لإنزال القنوات السورية من على الأقمار الصناعية وما شكّله من حالة استنزاف للإعلام. فلو لم يكن الإعلام مؤثراً لما تعرّض لما تعرّض له. حجب القنوات عن الفضاء يعني أن الرسالة التي ينقلها الإعلام السوري أصبحت تصل إلى المواطن السوري بشكل خاص والمواطن العربي بشكل عام، وتؤثّر بهما، لفضح الكذب والتضليل الذي مارسته الامبراطوريات الإعلامية الضخمة المدعومة بالخبرات والمال.
ويرى ترجمان أن الهيئة نجحت في بعض الجوانب وأخفقت في جوانب أخرى، ويقول: نجحنا في مؤتمر «جنيف 2» وأخفقنا في التعاطي ربما مع بعض الأمور الأخرى، وكانت لهذا الإخفاق مبرّراته ومعطياته.
الإمكانيات الغائبة
في الحديث عن القدرات والإمكانيات يقول ترجمان: من يطلب إعلاماً محارباً، عليه أن يلبّي احتياجاته المالية واللوجستية. فالمطلوب اليوم من الإعلام المزيد من العمل، وعليه أن يواجه على الجبهات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية كافة، وعليه أن يقول إن الشعب السوري مصمّم على الحياة رغم كل المآسي التي تعرّض لها. والمطلوب استهداف كل شرائح المجتمع في ظل تشتّت الشعب السوري بين الحالة الاقتصادية المستشرية والحالة الإنسانية الصعبة، في ظلّ الحرب الاقتصادية والكونية التي تمارَس عليه، وذلك بالاعتماد على حماسة الشباب العامل رغم الضغط المادي والنفسي والاجتماعي الذي يعاني منه في ظل مجموعة من القرارات الضاغطة من ضبط النفقات وتخفيض المحروقات، في ظل ارتفاع فترات انقطاع الكهرباء بدلاً من زيادته.ا وهذا أثّر على الأداء الإعلامي بشكل سلبيّ.
وأشار ترجمان إلى أن كل القرارات الحكومية التي خفّضت المخصّصات شملت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ولم تستثن الهيئة العامة من أيّ قرار. وهي تحاول الحصول على استثناء لتأمين متطلبات أجهزة الارسال والمولّدات في ما يتعلق بالمحروقات فقط.
وتابع: نحن علينا ضغط كبير، فالعمل تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة، والمخصّصات قلّت. لذا، يجب أن يعامل الإعلام بنظرة مختلفة عن باقي المؤسسات وعلى الحكومة أن تغيّر هذه الصورة. فالإعلام سلاح فعّال إذا أحسنت استثماره ودعمه، وتحصد نتائج مهمة. ودليل ذلك أن الكادر الإعلامي الذي استطاع أن يبثّ تغطية مباشرة على الهواء لأحداث تحرير المحطة الحرارية في ريف حلب، استطاع أن يؤثر على المجموعات المسلّحة لتنسحب من أكثر من 34 قرية بسرعة. فالإعلام ترك ردّ فعل سلبياً لدى هذه المجموعات الإرهابية.
وأضاف ترجمان: العدو ضخّ المليارات في المجال الإعلامي، والإعلام السوري واجه فرقة من القنوات التلفزيونية يقودها مايسترو أميركي ـ صهيوني. قناتا «الجزيرة» و«العربية» عملتا على تحريك الجانب الطائفي واستهدفتا النسيج الاجتماعي السوري، وعملتا على الجانب الاقتصادي إضافة إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. فالإعلام لا يجوز التعاطي معه بهذه الطريقة، وهذ الأمر من أهمّ مشاكلنا المستمرّة مع الحكومة السورية. فعندما يؤمنون أن الإعلام فريق من فرق الجيش العربي السوري أعتقد أن خمسين في المئة من مشاكلنا ستُحلّ.
ولفت ترجمان إلى أنّ الشعب السوري مصمّم على الحياة ضمن إمكانياته واستطاعته. والدليل على ذلك حضوره في فعاليات ثقافية ورياضية واقتصادية كثيرة. وطبعاً هذه الأمور مطلوب من الإعلام نقلها، إضافة إلى إطلاق الهيئة مجموعة من الإذاعات التخصصية المحلية للتواصل مع الشارع السوري خلال الأزمة، رغم تضييق الخناق على الإعلام.
ويشير ترجمان إلى استهداف البنى التحتية للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ويقول: كان لدينا في سورية أربعون محطة إرسال، والآن عشرون محطة تعمل فقط. دُمّرت عشرون محطة، وهناك أكثر من ثلاثة مراكز إذاعية وتلفزيونية خارج الخدمة، حيث تم تدميرها وسرقتها كمركز درعا ومركز حماة ومركزَي حلب ودير الزور . ورغم هذا الضغط المادي، استمررنا في العمل. وبعض المراكز رغم التدمير ما زالت تعمل بإمكانياتها المحدودة.
وأضاف ترجمان: لا ننسى أنّ هناك حظر على قنواتنا وعلى الهيئة. فلا نستطيع أن نشتري الأدوات التي نحتاج إليها كالكاميرات أو قطع تبديل ، لا سيما أنه في ظلّ تغيير الأسعار وعدم استقرارها، من الصعوبة تأمين هذه القطع. فنحن كهيئة لا ندفع إلا بالليرة السورية، ونتيجة الضغط المستمر من قبل بعض مؤسسات الدولة على الحكومة، والطلب بإيجاد حلّ، فقد تم التسعير بالعملة الصعبة والدفع بالليرة السورية، وذلك ليحافظ التاجر على حقه في حال تغيّرت الأسعار. وهذه واحدة من الصعوبات التي يواجهها الإعلام الوطني.
ولفت ترجمان إلى حالة الإصرار الموجودة لدى الطاقم العامل رغم أن الهيئة مستهدفة بكوادرها وبناها التحتية، وما تعرّضت له من سقوط قذيفة «هاون»، وأضاف: قدّمنا الشهداء والجرحى، ومع ذلك نجد الموظفين يعملون ليلاً ونهاراً، وبدوام كامل رغم ما يواجهونه من صعوبات نتيجة الظروف التي فُرضت عليهم بسبب عملهم في الهيئة، من استهداف، إضافة إلى ما يواجهونه مثل كلّ الشعب السوري. إلا أنّ إرادة البقاء والاستمرار انتصرت.