سرّ الحياة

قالت له: أخاف ألا ألتقي بك في طريق نتّفق فيه على كل شيء ونبقى على خلاف دائم، فأبحث عنك في زوايا هجرتها أنت، وتجدني أنا في أماكن لا أرغب وجودي فيها.

قال لها: في الزوايا المهجورة ألف حكاية تنبض بالحياة، وتواجدنا في مكان ما قد يكون صحيحاً لو لم تكن هناك رغبة أو شهوة لتواجدنا فيه. فالرغبة ليست معياراً تقاس به صحة الأمور من خطأها، كما أنّ هجرة الأماكن لا تعني بالضرورة هجرة الأرواح والذكريات.

قالت له: أريد أن أسافر من دون أن أحمل في حقيبتي هموماً وأوهاماً. أريد أن أضحك وأغرّد مثل عصفورة من دون أن يغلب على ضحكتي أنين يصدح بالآهات. أريد أن ألعب مثل طفلة بريئة، وأتنقّل على ضفاف الزمن بحرّية من دون أن ينتظرني حساب أو عقاب. على غفلة يمرّ كل شي من أمامي، فلم أعد أميّز أين أنا في مراحل العمر، ودائماً أسأل نفسي: هل ما زلت طفلة صغيرة؟ أم صرت أنثى ناضجةً، أو عجوزاً هرمت ولم تأخذ فرصتها في الحياة؟

قال لها: سرّ الحياة يكمن في غموضها لا في تفسيرها. فمرآة أرواحنا تختلف عن المرآة التي نرى فيها أشكالنا وأحجامنا. لو حصلنا على كل ما نريده فقدنا متعة الطموح، وكذلك فرحة الوصول. فالفرح نكهة يتمنّى الجميع تذوّقها، ولكن ان تذوقناها من دون مرارة وعذاب يسبقانها، تموت لحظة ولادتها ولا نشعر بقيمتها.

قالت له: كما سرّ غموضك الذي أتوق إلى اكتشافه، وكما شوقي إلى الحديث معك فأرتب كلماتك الرائعة وأحفظها في ذاكرتي لأعود إليها يوماً لأنك تميل إلى الصمت، ونادراً ما تتكلم، وأنا بأمسّ الحاجة إلى بوحك بأسلوب منمّق يأسرني ويفوق درجات الإعجاب.

قال لها مازحاً: لكنني عاتب عليك يا أميرتي الصغيرة ولن ينفعك هذا الكلام والإعجاب!

قالت له في حيرة واستغراب: ولِما أنت عاتب يا عمري وأغلى الأحباب؟

قال لها: لم تكفكِ لحظات وجودي معك، كفرصة جميلة تسعدك وترضيك في هذه الحياة.

قالت له مبتسمة برقة وحنان: أنت نبض قلبي الذي لا تدخل دقاته في وزن ومقياس، وأنت نور عينيّ والحبّ كلّه والبهاء. فما كنت يوماً بالنسبة إليّ مجرّد فرصة يقيمها الرضا من عدمه، وأنت سبب وجودي وبقائي في هذه الحياة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى