التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الأميركية: العدوان على غزة الصامدة… نتنياهو في مأزق وكيري يجهد لإنقاذه من الهزيمة

مأساة الطائرة الماليزية وإسقاطها في الأجواء الأوكرانية رافقت اهتمامات وسائل الإعلام الأميركية بالعدوان على غزة وتفوّقت عليه بالحجم لدى بعض مراكز الأبحاث.

يستعرض قسم التحليل محطات عديدة في العدوان الصهيوني على غزة، ويسلط الأضواء على الحركة السياسية الأميركية ودوافعها وأهدافها، ويطلّ على ثغر العدو الصهيوني في الميدان واضطراره إلى سحب مخزون ناقلة مدرعة للجند من طراز M-113 من ساحة المواجهة بعد نجاح قوى المقاومة في اصطيادها وتدمير عدد منها، ومقتل معظم حمولتها من العسكريين.

العدوان على قطاع غزة

أعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن «عقم» العدوان على غزة «إذ إن «إسرائيل» لن تجني نصراً إلاّ على المستوى التكتيكي» وستبقى تواجه سلسلة من التحديات الناجمة عن دوافع أمنية «وتغامر مرة أخرى بحتمية مواجهة عدوانية أوسع مع الفلسطينيين وانهيار السلطة الفلسطينية المعتدلة». ونبّه المركز قادة الكيان الصهيوني الى أنهم «سيضطرون إلى الذهاب في مواجهة إقليمية أوسع تشمل العالم العربي وإيران… وفي المحصلة لن تضع الحرب أوزارها في أي معنى حقيقي، وستنطلق من ُعقالها وتتصاعد الى أفق غير مرئي». ومضى محذراً من أن محصلة العدوان الحاصل سوف يفضي الى «هدنة تشكل مقدمة لجولة قتالية أخرى…».

تناول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الأداء العسكري المتطور لقوى المقاومة الفلسطينية التي اختزلها بحركة حماس حصراً، في جولة حرب غير متكافئة، معتبراً أنّه يتعين على «إسرائيل» ودول أخرى معاينة سبل تكيّف حماس مع المبدأ العسكري القتالي لـ«إسرائيل». ومضى موضحاً أن «أهمية تلك المعاينة والمراجعة تمتد الى آفاق أبعد من حماس… لتشمل حزب الله في لبنان وجبهة النصرة في سورية والدولة الإسلامية في العراق الى حركة بوكو حرام في نيجيريا» فما يجمعها في المحصلة هو «القدرة على التعلم من الأخطاء والاستيعاب السريع للاستراتيجيات الناجحة عبر شبكاتها العاملة التي تتشوق لاستخلاص الدروس من تجربة حماس».

أداء المقاومة الفلسطينية العسكري كان أيضاً موضع اهتمام مركز ويلسون من زاوية ما تريده «إسرائيل»: «دعونا نقول بوضوح إن الهدف هو تجريد القطاع من السلاح، ما يستدعي وقف الأعمال العدوانية بمستويات مختلفة عما شهدته في الجولات القتالية سابقاً». ويوضح المركز «أن مقتل 13 جندياً «إسرائيلياً» في اشتباك واحد يوم الأحد 20 تموز يجعل عسيراً تصور إقدام نتنياهو على نزع سلاح القطاع بالقوة فهذه مهمّة تستوجب إعادة احتلال القطاع لفترة زمنية طويلة…».

بينما سعى معهد كارنيغي الى تناول المسألة عبر ما أسماه «مفاهيم خاطئة عن حماس… فما يعنيها هو أهميتها وقدرتها على صوغ خطاب يخاطب إحساس الفلسطينيين العميق بالإحباط والظلم». ومضى المعهد قائلاً إن حركة حماس «تخلت عن مواقعها في حكومة السلطة لمصلحة عناصر عيّنهم محمود عباس، كما اضطرت إلى ممارسة نشاطاتها من تحت الأرض لكنها استطاعت ترميم سمعتها وصقلها أمام جمهورها بدافع جرأتها في مواجهة «إسرائيل» … ».

المسألة الطائفية

ذكّر معهد المشروع الأميركي بأن «الشيعة لا يكنّون العداء للولايات المتحدة بالضرورة، بل يسعهم الوقوف معها كحلفاء معتبرين»، محذراً صنّاع القرار من مواصلة جهود «شيطنة الشيعة بأنهم من أتباع إيران نظراً إلى عدم دقة ذلك، كما أنه يؤدي الى نتائج عكسية». وحث المعهد الجانب الأميركي على «مخاطبة كلا الطائفتين واستيعابهما، للحد من النفوذ الإيراني… كما يتعيّن على الولايات المتحدة الإقرار بتنوع المجتمعات المحلية الشيعية واستنباط سياسات تلائم خصوصيات كل منها على حدة».

الأكراد بين تركيا وإيران

رصد المجلس الأميركي للسياسة الخارجية التغييرات الإقليمية من جراء التقارب التركي الإيراني و«تنطوي على عدة جوانب إيجابية… ويؤشر دفء العلاقات السياسية إلى إمكان إعادة اصطفاف أوسع تدور في أوساط السياسة التركية التي تكبّدت كلفة سياسية واقتصادية عالية نتيجة دعمها قوى المعارضة السورية». وأوضح المجلس ان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان «يئنّ من وطأة الانتقادات المكثفة، لدورها المزعوم كمموّل فعلي للإرهاب». وأردف أن مراجعة السياسة التركية نحو سورية، على ما له من أهمية، ينمّ عن مساءلة ما جنته تركيا من مكاسب منه، فضلاً عن تطابق أهداف تركيا وإيران في ما يتعلق «بالاضطرابات الحاصلة في العراق… وتعاظم دور الأقلية الكردية في البلدين».

معهد واشنطن أعرب بدوره عن اعتقاده بأن نجاح رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة «سيكون بيد الجالية التركية والكردية المقيمة في الخارج… فباستطاعتهما توفير ما قد ينقصه من نسبة 50 في المئة من الأصوات الانتخابية التي يحتاج إليها»، مشيراً الى ُبعد العامل الكردي الذي «ينطوي على عدد من المطبات، لا سيما أن أردوغان تراجع عن التزامات سابقة قطعها في هذا الشأن».

التدخل العسكريّ الغربيّ

تداعيات التدخل العسكري لدول حلف الناتو في ليبيا ومالي شكل محطة اهتمام معهد صندوق جيرمان مارشال، مناشداً المؤسستين العسكريتين في فرنسا وبريطانيا الحفاظ او استعادة مستويات الجهوزية العسكرية الشاملة التي تتيح الانخراط في عدد من المواجهات في وقت متزامن… نظراً إلى غياب الإرادة السياسية في أميركا باتخاذ المبادرة. وأوضح أن ما يتعين على الدولتين القيام به هو الإقلاع عن النموذج الراهن بتطوير القوات المقاتلة الذي لا يمكن تحمّل تبعاته على المدى الأبعد والالتفات بدلاً منه الى مفاضلة نهج تطوير متوازن لقوات مختلفة مسلحة بتقنيات متطورة وأخرى أقلّ تطوّراً.

التحليل

نجحت المقاومة الفلسطينية، بتشكيلاتها كافة، في استراتيجيتها لاستدراج جيش الاحتلال الصهيوني الى حرب برية وفق قوانين «حرب العصابات،» وكبدته خسائر بشرية ومادية لا يُستهان بها، خاصة لدى الأخذ في الحسبان أن جيش الاحتلال دفع بأفضل قوات النخبة لديه، لواء غولاني للقوات الخاصة. وفرضت عليه التراجع مكرها عن غطرسته المعهودة والإعلان عن خسارته 34 عسكرياً الرقم في ازدياد متسارع ، فضلاً عن إقراره بباكورة إنجاز المقاومة وتدميرها عدداً من أحدث مدرعاته، «الميركافا»، والأبرز أسر أحد جنوده مثلما المقاومة قبيل العدوان، وإرباك حركة الملاحة الجوية من مطار اللد وإليه.

التحقق من حجم الخسائر البشرية في جانب جيش الاحتلال سابق لأوانه، مع الاشارة الى أنّ مصادر المقاومة تؤكد مقتل ما لا يقلّ عن 80 جندياً وإصابة نحو 360 جندياً في الحد الأدنى، وقيل إنها خسارته العسكرية الأكبر ميدانياً منذ حرب تشرين 1973. الخسائر البشرية بين الشعب الفلسطيني هائلة بجميع المقاييس، نظراً إلى أنّ العدو «الإسرائيلي» يدرك أن المدنيين هم الخاصرة الرخوة في المسيرة الشاملة لحرب التحرير. لكن عزم الشعب الفلسطيني، بقواه ومؤيديه، على المضي في التصدي للعدوان يدفعه إلى القول إن ضحاياه هم جزء من ضريبة التحرير ويتمنى نيل الشهادة.

لدى كل مواجهة حقيقية مع جيش الاحتلال، منذ تحرير الجنوب اللبناني في أيار 2000، وامتداداً إلى سلسلة المواجهات المتعددة، يلاحظ مبادرة قيادته السياسية والعسكرية السعي للتوصل الى وقف إطلاق النيران، خلافاً لمواجهاته السابقة التي كان العرب فيها الطرف الذي يستجدي وقف العدوان، تارة بوساطة «عربية» وتارة بدخول أطراف دولية أخرى، وهذه المرة سينتهي به الأمر الى التسليم بالعناصر الأساسية لشروط قوى المقاومة وأهمها فك الحصار بشكل فوري ونهائي.

وضع الجبهة الداخلية لدى العدو الصهيوني لا يطمئن مؤيديه، قياساً بما ألفه من صلف وغرور واستهانة بالعرب، اذ سرعان ما أعلن عدد من الجنود والطيارين امتناعهم عن الخدمة والمشاركة في هذا العدوان، وقدم إلى المحاكمات العسكرية، علماً أنهم نشأوا على عقيدة عسكرية ترمي إلى حسم سريع للمعركة وهذا ما أخفقوا فيه. وتتصاعد الإصابات البشرية بين صفوفه، ويدرك جمهور المستعمرين حجم الإصابات التي تلقاها في مؤسساته ومنشآته، ولم تسلم من التهديد منشآته النووية كرسالة سياسية غير مسبوقة. وفاقم المأزق لدى قادة الكيان استهتار المؤسسة العسكرية بمصير الجندي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية، ورفضه الاعتراف بذلك في بداية الأمر ثم الإقرار بأنه مفقود، حتى تلقى صفعة معنوية من ذوي الأسير الذين أقروا بوقوعه في قبضة المقاومة.

جملة العوامل أعلاه تساهم في تنامي قلق جمهور المستعمِرين من مستقبل المواجهة الراهنة ومصيرها، والضغط على «بقرته المقدسة» في المؤسسة العسكرية بوقف العدوان حتى يتسنى له العودة إلى ممارسة حياته الطبيعة بدلا من البقاء في الملاجئ ونزوح عدد لا بأس به من مستعمريه في منطقة النقب الى مناطق أخرى، وتقطّع سبل العودة للذين قصدوا السياحة خارج فلسطين المحتلة.

مناورات مغلّفة بهدنة إنسانية

على المستوى الدولي، استجابت إدارة الرئيس أوباما لاستجداءات قادة الكيان من سياسيين وعسكريين، وباشرت منذ اليوم السادس عشر لبدء العدوان على غزة «إعادة صوغ المبادرة المصرية ومعالجة البُعد الاقتصادي في غزة شرط وقف إطلاق الصواريخ » وسارعت إلى إرسال وزير الخارجية جون كيري إلى المنطقة للتوصل إلى وقف إطلاق النار. تعثرت المساعي السياسية مع رفض قوى المقاومة شروط الاستسلام المطروحة، والإصرار الجمعي على فك شامل للحصار وفتح المعابر مقدمة لأي جهد وساطة.

إن معظم المشروع الأميركي في هذا الصدد ينصب على انتزاع موافقة قوى المقاومة لوقف إطلاق النار، وهذا ما أوضحه وزير الخارجية في مؤتمره الصحافي المشترك مع وزير خارجية مصر، ويستند الى عاملين: وقف إطلاق النار لدوافع إنسانية تمتد من 5 الى 7 أيام، يليها عقد لقاءات منفصلة بين الجانبين في مصر لمناقشة المطالب الأخرى خلال 48 ساعة.

الآلة العسكرية تستمرّ في التدمير

زجّت «اسرائيل» بنحو 5 ألوية قتالية في عدوانها على قطاع غزة، معززة بغارات سلاح الطيران وقصف مدفعي من البوارج الحربية في عرض البحر، وطواقم أسلحة المدرعات والهندسة المنوطة بمهمة تحديد الأنفاق وتدميرها. واجهت قوى العدوان مقاومة شرسة مدروسة وفق أسس عسكرية يغلب عليها طابع الاحتراف، وأوقعت ولا تزال خسائر بشرية مباشرة بين صفوفه دفعته إلى المراوحة في الحيّز الجغرافي المفتوح في محيط القطاع وإبطاء حركة طواقم قوات الهندسة في التقدم ولجوئها إلى تدمير المباني السكنية تميهداً لتقدم قوات المشاة.

باتت العربات المدرعة أحد الأهداف المفضلة لقوى المقاومة، لا سيما ما يستخدمه جيش الاحتلال من نماذج عربات قديمة لنقل الجنود من صنع أميركي من طراز M-113، الذي فتك به ثوار فييتنام في الستينات من القرن المنصرم. هيكل العربة مكوّن من مادة الألومنيوم لخفة استخدامه في الإنزالات الجوية ويسعه مقاومة ذخيرة الأسلحة الخفيفة، ولا يصلح لقتال حرب الشوارع ولا يصمد أمام القذائف الصاروخية أو الأسلحة المضادة للدروع.

تلفت وسائل الإعلام الأميركية الأنظار الى حصيلة مواجهة قتال الشوارع التي دارت رحاها في غزة مع المقاومة الفلسطينية بعد إصابة إحدى عرباته المدرعة مباشرة بقذيفة مضادة للدروع أدّت إلى مقتل سبعة جنود صهاينة كانوا على متنها لشنّ العدوان، واثنان من جنودها كانا مزدوجي الجنسية الأميركية و«الاسرائيلية». ويشار الى أن حدثاً مماثلاً وقع في قطاع غزة عام 2004 دمرت فيه عربات مدرعة لنقل الجند ما أسفر عن مقتل أحد عشر جندياً صهيونياً دفعة واحدة.

الجدير ذكره، أن طبيعة الإصابات التي استهدفت العربة M-113 كانت من اتجاهات متعددة، من الخلف والجوانب، ما يدلّ على قدرة رجال المقاومة على نصب طوق ناري حول عدد من الوحدات الصهيونية الغازية. وأولى نتائج تدمير عربة الجند المدرعة تجسّدت في رفض نحو 30 عنصراً من جنود الاحتياط الصهاينة ركوب عربة M-113 إذا كانت وجهة سيرها غزة، ما دفع بقادته العسكريين إلى إخراج سائر نماذج تلك العربة من ساحات القتال عاجلاً. وعلق قائد الجبهة الجنوبية لجيش الاحتلال، سامي ترجمان، قائلاً إنّ جيشه «كان على علم بالثغر التقنية في عربة M-113 لكنّه لم يحصل على الموارد اللازمة لتوفير حماية تامة لكل جندي ينخرط في قتال غزة». وتتالت في أعقاب ذلك طلبات المؤسسة العسكرية وتوسّلاتها لتخصيص الحكومة مزيداً من الموارد المالية الإضافية لشراء عربات قتالية أحدث.

بعد خروج عربات مدرّعة ناقلة للجند من أرض القتال، عمد قادة جيش الاحتلال الى تعويض مفعولها بتكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي والبحري واستهداف منازل المدنيين واتساع الرقعة لتشمل أحياء سكنية كاملة، ورمي الحمم النارية على المشرّدين، ما يفسر الارتفاع الهائل في عدد الشهداء والجرحى الذي بلغ نحو 6500 مدني، مع بدء اليوم التاسع عشر للعدوان، ومحاصرة بلدة خزاعة بعد ارتكاب سلسلة مجازر فيها.

بيد أن قوات الاحتلال لم تستطع التقدم أو التوغل داخل حدود قطاع غزة رغم الكتلة النارية الهائلة وتسخير الموارد البرية والجوية والأقمار الاصطناعية لتيسير تقدم مخططاتها المتعثرة، واستغلال قوات المقاومة مناطق التدمير والأنقاض كدروع حامية لاستمرار الاشتباك مع الوحدات الغازية. واكتشف قادة العدو ضراوة المقاومة وابتكارها أساليب متجددة واضطر إلى الإقرار بفعالية شبكة الأنفاق وصعوبة اكتشافها وتدميرها.

أحد الصحافيين الصهاينة تندّر بتلك الشبكة قائلاً: «إنّ غزة استطاعت التمدّد ببناء طابق تحت الأرض… إنها غزة السفلى» وشبّهتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بأنها «مثل شبكة مترو أنفاق تحت الأرض تربط شبكة أخرى من منشآت تصنيع الأسلحة وممرات أسفل الحدود البرية مع «إسرائيل» على بعد نحو ميلين». زعم قادة الكيان العسكريون أنهم اكتشفوا عشر فتحات أنفاق فحسب في حي الشجاعية.

صعوبات التقدم الميداني الناجمة عن وجود شبكة الأنفاق فرضت على قادة «إسرائيل» إعادة النظر في أساليبهم الراهنة لاكتشاف الأنفاق. وأوضحت صحيفة «تليغراف» البريطانية أن نخبة من القوات الخاصة من وحدة «تلبيوت» حي تل البيوت في القدس المحتلة عكفت على تطوير نظم لاستشعار الأنفاق بلغت كلفتها نحو 59 مليون دولار، وأجرت تجارب عملية عليها في تل الربيع. وأضافت أن النظام فائق التطور يستخدم مجسات خاصة وأجهزة إرسال لا يزال في طور الأبحاث والتطوير، وإن نجحت التجارب كافة ففي الإمكان دخوله الخدمة خلال سنة.

بين المؤسسات «الإسرائيلية» العاملة في هذا المجال، برزت شركة «ماغنا» التي تصنِّع أجهزة مراقبة تنشر على الحدود مع مصر، وتزود بها المنشآت النووية اليابانية. وحضت الشركة قادة الكيان على حفر نفق بطول 70 كيلومتراً على امتداد الحدود مع غزة مزود بنظام إنذار حساس من شأنه «توفير إخطارات أولية لأي نشاطات حفر تتقاطع مع النفق، أسفله او أعلاه».

ردود الفعل الأميركيّة

أصدرت قوى المقاومة مذكرة تحذير لحركة الطيران المدني الدولية المتجهة من «مطار اللد» وإليه، منذ بدء المواجهة ودشنتها بقصف عاصمة الكيان الصهيوني، تل الربيع، بعدة صواريخ. في مرحلة لاحقة من اشتداد العدوان أطلقت صاروخاً وقع على بعد مسافة قريبة من محيط المطار، ما دفع بهيئة الطيران الفيدرالية الأميركية إلى إطلاق إنذار عاجل لشركات الطيران الأميركية المسيرة لرحلات مباشرة الى مطار اللد بتدهور الأوضاع الأمنية واقتداء معظم شركات الطيران الأوروبية بالمثل بيد أن الرحلات المتجهة من مطارات عربية، مثل عمان والقاهرة والدوحة، الى «مطار اللد» لم تطبق إجراءات السلامة المقترحة. ويشار في هذا الصدد الى أن بعض الشركات الأميركية طبقت إجراءات احترازية بعدم الوصول إلى «مطار اللد» قبل إصدار هيئة حماية سلامة الطيران إنذارها.

على الفور تحرك نتنياهو حاضّاً ذراع «إسرائيل» المتمثلة بمنظمة «إيباك» على ممارسة نفوذها والتدخل العاجل لإلغاء قرار هيئة الطيران المدني لما يمثله من أخطار سياسية واقتصادية ومعنوية على بنية الكيان كله. الرئيس الأميركي أوباما ليس في عجلة من أمره لإثارة مسألة الغارات الجوية مع نتنياهو، لإدراكه أن الأخير يتكيف مع سياسته في الاغتيالات بطائرات «الدرونز» التي لا تزال تحصد الأرواح البريئة ففي آخر حصيلة لها اغتالت 26 مدنياً في باكستان في غضون أيام معدودة.

بات «استخدام القوة المفرطة» اتهاماً بلا معنى توجهه واشنطن نحو خصومها، وتطبقه بحذافيره الى جانب حليفتها «إسرائيل» بتكرار الإغارة على المواقع ذاتها الآهلة بالسكان المدنيين لإيقاع أكبر عدد من الإصابات بينهم. ولم تصمد الإدارة طويلاً أمام المطالب بضرورة انتقادها انتهاكات «إسرائيل» لإدراكها أنها تنفذ أسلوب الاغتيالات الخسيس عينه في مناطق متفرّقة من العالم.

تراكم كلفة العدوان «الإسرائيلي» على غزة حفّز قادة الكيان على طلب مساعدات مالية عاجلة بقيمة 225 مليون دولار، إضافة إلى مبلغ 621 مليون دولار صادق عليها مجلس الشيوخ في 17 تموز الفائت ويبدو أنها الصيغة المضمرة لتسديد نفقات العدوان من قبل «الوسيط النزيه».

في مستوى الحركة السياسية، أفلحت جهود وزير الخارجية جون كيري في إعادة تغليف عناصر «المبادرة المصرية» وعقد مؤتمراً صحافياً في القاهرة بمشاركة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قدم فيه عرضاً بوقف إطلاق النار بدءاً من الساعة 7:00 صباح يوم السبت، لمدة 12 ساعة نزولاً عند طلب «هدنة إنسانية»، وألحقه ببند إضافي يقضي بعقد اجتماع دولي في باريس لبحث تفاصيل وقف إطلاق النار.

فور انفضاض المؤتمر الصحافي المشار إليه أبلغ بنيامين نتنياهو كيري «موافقته»، ومعارضة طاقم حكومته، لا سيما كتلة وزرائه الموصوفين بالمتطرفين والتي تسعى إلى إعلاء الحلّ العسكري وإعادة احتلال قطاع غزة، ما يعزز ما ورد سابقاً من أن العدو الصهيوني درج على استجداء طلب وقف إطلاق النار في كل مواجهة منذ اندحاره عن الجنوب اللبناني، ويكرّره الآن في قطاع غزة، ما يلفت النظر إلى فشل مخططاته في إنزال ضربة قاصمة بالمقاومة الفلسطينية. الأوساط السياسية الصهيونية وصفت المقاومة الفلسطينية بأنها «غير معنية بالامتثال لوقف إطلاق النار» إذ تحقق نجاحات ميدانية، وأن مدى «صواريخها يصل الى عمّان» اي أبعد مدى من مدينة طبريا. وتريثت قوى المقاومة قليلاً قبل أن تعلن موافقتها على «هدنة 12 ساعة برعاية هيئة الأمم المتحدة».

اجتماع باريس «الشكلي» جمع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وقطر وتركيا، وغابت عنه مصر صاحبة المبادرة . وكان إعلان كيري من القاهرة بمثابة التفاف على «المبادرة المصرية،» رغم اقتادئه بعناصرها وتحجيم دور مصر إقليمياً عبر استبعادها واستبعاد المقاومة الفلسطينية، هدف المبادرة والاجتماع.

ضمن ما تؤشر إليه حركة كيري، ولعله الأهم في محطات جولته، هو تيقن الولايات المتحدة من عدم قدرة «إسرائيل» تحقيق أهدافهما الإقليمية تحجيم المقاومة والقضاء عليها أن قوتها التدميرية لا تحقق النصر المنشود بل تراكم الضحايا والقنابل الموقوتة المعادية لسياستها. وربما فقدت أميركا الثقة بوكيلتها وأسرعت وتيرة حركتها لإنجاز ما عجزت عن تحقيقه «إسرائيل» عسكرياً قبل فوات الأوان، لا سيما لانشغالها في ملفات أخرى ملتهبة وإعادة الاعتبار إلى مسار المفاوضات الذي لا يكاد ينطلق حتى يتعثر ويتراجع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى