منظومة تفكيك الجيوش العربية…لبنان إلى الواجهة
عامر نعيم الياس
دخل لبنان بجيشه أتون الربيع العربي من بوابة الحدود السورية اللبنانية وتحديداً في منطقة عرسال التي كانت آخر المناطق اللبنانية التي وصل إليها حصار الجيش العربي السوري من جهة الحدود السورية، بعد أن كانت أحد معابر تصدير جهاديي الحريري وسمير جعجع وخالد الضاهر وغيرهم من قوى 14 آذار إلى سورية، قتل 15 جندياً لبنانياً وجرح 35 آخرون بينما اختطف 13 آخرون، عقب تنفيذ جبهة النصرة وداعش، الحليفتان في عرسال، تهديداتهما بالرد على توقيف أحد قيادات النصرة من قبل الجيش اللبناني.
عرسال تحت الاحتلال والبلدة رهينة بأيدي من فتحت لهم بيوت أهلها للتداوي بحجة الطائفة أولاً والثورة المفترضة ثانياً، ثورات الهوية الدينية تساهم في تعميق الفرز داخل المجتمع الواحد على حساب الهوية الوطنية، وهنا قد لا يبدو للبعض احتلال عرسال من قبل النصرة بمثابة خطأ بل هو خطأ أخوة في المذهب، وهذا ما حاولت بعض قوى 14 آذار كالنائب محمد كبارة، ومصطفى علوش الغمز من قناته، فما جرى هو ردٌ مباشرٌ على إيران وتدخل حزب الله في سورية، هنا خرج وليد جنبلاط ليعلن في توقيت فتح جبهة لبنان أمام الإسلاميين الوهابيين ميدانياً، خرج ليعلن التفافته الجديدة «يخطئ من يقول إن تدخل حزب الله في سورية هو من أتى بداعش إلى لبنان»، في موازاة ذلك يخرج قائد الجيش اللبناني ليتحدث عن «مخطط مسبق» للقيام بعملية عرسال، مستغلاً الفراغ الرئاسي وناطقاً باسم الجيش أولاً وما يمثله من بعد طائفي كقائد للجيش ثانياً، فإلى أين يذهب لبنان؟ هل تغامر السعودية بخسارة مكتسباتها أم أن تعدد الجبهات واستكمال مشروع التدمير هو الهدف؟
إن استمرار النواب اللبنانيين من تيار المستقبل في الحديث بالوتيرة ذاتها عن دور إيران وحزب الله في سورية والتركيز على البعد المذهبي في الصراع القائم في سورية أو بمعنى آخر «الحرب الأهلية»، سيؤدي إلى تعقيد الوضع في ظل الدعوات التي طالبت الجيش اللبناني «بالنأي عن النفس» في قضية اختطاف جنوده واحتلال عرسال، فهذه الأمور لا تعكس وجود مراجعة ذاتية حقيقية للموقف، بل البناء على الواقع الراهن بما يساعد في تأجيج التوتر واستنزاف الجميع، وهو ما تبتغيه واشنطن من حربها المتعددة الجبهات في المنطقة، وانكفائها الذي يعطي الحلفاء مساحات أوسع للرقص على دماء شعوب سورية والعراق ولبنان وفلسطين، ولنا في الحالة العراقية المثال الأكبر، فالحكومة الأميركية لا تزال تعترف بالجيش العراقي وتسلّحه، لكنها بالتوازي لا تدفع أدواتها إلى قطع الاتصال مع تنظيم الدولة الإسلامية ولا حتى تدفع باتجاه دعم الموقف الرسمي العراقي بغض النظر عن شخص رئيس الوزراء. ما سبق ينطبق على لبنان وإن كانت السعودية وهي الأداة الأبرز لتحريك الفوضى في المنطقة ودعم حركات الذبح والقتل، لها حصة كبيرة من حكم لبنان بشكله الحالي، فما جرى في الماضي من أحداث استهدفت الجيش اللبناني من عام 2000 في جرود الضنية، و2007 في نهر البارد والمعركة القاسية مع تنظيم فتح الإسلام بقيادة شاكر العبسي، وصولاً إلى أحداث صيدا والقضاء على حصن أحمد الأسير في لبنان، هذه الأمور تختلف عن اليوم فعرسال منطقة حدودية مع سورية والالتفاف حول الجيش اللبناني وتأمين الغطاء والدعم السياسي الكامل له، بما يعني ضمناً التسليم بالتعاون مع الجيش السوري في الجانب الآخر من الحدود لضبطها، سيسحب ورقة القلمون من التداول نهائياً سياسياً وميدانياً، وهو ما سينعكس بشكل أساسي على الجبهة السورية ويؤدي إلى إغلاق ملف الحدود اللبنانية وتهديدها نهائياً، بما يساعد في نقل جزء من القوات السورية لأماكن أخرى، فهل تقبل الرياض وواشنطن بذلك؟
منظومة تفكيك الجيوش العربية والمؤسسات الوطنية، أو ما تبقى منها، وصلت إلى لبنان وبدأت معركتها، فهل يتجاوز الفراغ هذه المؤامرة؟
كاتب سوري