يريفان تحيي الذكرى المئوية لمذبحة الأرمن

على ضوء الشموع والمشاعل، أحيا الأرمنيون في العاصمة يريفان، الذكرى الـ100 لبدء المجازر التي تعرض لها مليون ونصف مليون من الشعب الأرمني، في عهد الدولة العثمانية منذ قرن من الزمن.

أكثر من 15 ألف أرمني، شاركوا في مسيرة تحت ضوء المشاعل في عاصمة جمهورية أرمينيا يريفان، لإحياء هذه الذكرى بالتزامن مع احتفالات رسمية تقيمها الحكومة الأرمنية، ويعززها هذه السنة قيام الممثل السينمائي الأميركي جورج كلوني بزيارة أرمينيا في إطار مراسم تقديم جائزة استحدثت مؤخرا، لتكريم شخصية عملت على دفع القضايا الإنسانية إلى الأمام.

ربما لن يستطيع الأرمن محو تلك الصفحة السوداء من تاريخ أمتهم، ولن ييأسوا من محاولات إقناع العالم، وخصوصا تركيا، بالاعتراف بمذبحة الأرمن التي وقعت عام 1915، وهو ما أكده رئيس الوزراء الأرمني في الذكرى الـ100، هوفيك آبراهاميان، الذي قال إن أرمينيا ستستمر في مطالبتها بالاعتراف الدولي بـ»الجريمة الكبرى» رغم مرور 101 عام منذ وقوعها.

وفي واقع الأمر ليس هذا فقط ما يسعى إليه الأرمنيون، بل يطالبون الأتراك بالاعتراف بهذه المذبحة التي ارتكبها أسلافهم العثمانيون.

وبهذا الصدد، دعا آبراهاميان، القيادة التركية إلى الاعتراف بما سماها الحقيقة، مضيفا أنه كلما أسرعت أنقرة بالاعتراف بتلك الحقيقة التاريخية كان ذلك أفضل، على حد قوله.

هذا ولم يغفل، رئيس الوزراء الأرمني عن دعوة المجتمع الدولي إلى شجب «المذبحة الجماعية الأولى في القرن الـ20، من أجل تجنب مذابح أخرى في المستقبل»، على حد تعبيره.

ويأتي تصريح آبراهاميان، بعد يوم من قيام متظاهرين أرمنيين بحرق العلم التركي خلال المسيرة التي شارك فيها نحو 15 ألف متظاهر في العاصمة يريفان.

وعلى الرغم، من اعتراف حوالي 20 دولة، بينها روسيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، و42 ولاية أميركية رسميا بوقوع تلك المجازر كحدث تاريخي، إلا أن أنقرة تصر على أن ما حدث هو حرب أهلية قُتل فيها بين ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني، ومثلهم من الأتراك، ولا تزال تركيا متشبثة بموقفها القائل إن مقتل هذا العدد من الأرمن ناجمة عن ظروف الحرب والتهجير. وقد تم تمرير الفقرة 301 في القانون التركي عام 2005 التي تجرم الاعتراف بالمذبحة الأرمنية في تركيا.

ورغم الموقف المتعنت لأنقرة إزاء قضية الأرمن، فإنه طوال العقود السابقة يسعى الأرمن إلى الإبقاء على قضيتهم حية، من خلال تنظيم الفعاليات السنوية والتحرك في المحافل الدولية، مستندين في تحركهم إلى قانون حظر الإبادة الجماعية، الذي أقرته الأمم المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، كما يطالبون بحقوق تاريخية داخل تركيا، على أساس أن لهم أراضيَ تسمى بأرمينيا الغربية، وهو ما ترفضه تركيا.

هذا وعزا بعض الخبراء السياسيين رفض تركيا الاعتراف بالمذابح لارتباطه بتبعات ذلك الأمر، إذ سيكون لزاما عليها، حسب رأيهم، صرف تعويضات مالية ضخمة قد تتجاوز مئة مليار دولار، كما أنه من الممكن في هذه الحالة أن تطالب أرمينيا بحقوق لها في تركيا، الأمر الذي يهدد بالطبع وحدة الأراضي التركية، لذلك ترفض أنقره إثارة هذا الأمر وتنكره على مر التاريخ، سواء قبل إعلان الجمهورية التركية عام 1923 أو بعده.

وبحسب تحليلات بعض المؤرخين، فإن الإبادة الفعلية للأرمن بدأت في نهاية القرن الـ19، إذ يدور الحديث عن القتل الجماعي الذي وضع أساسه في أعوام 1894-1895 بغية تقليص عدد الأرمن في تركيا والقضاء عليهم قضاء تاما في المستقبل.

ويعتبر يوم 24 نيسان عام 1915 رسميا بداية لإبادة الأرمن الجماعية، إذ استمر القتل الجماعي في فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، حتى عام 1922، حين دخلت القوات التركية مدينة إزمير، بحسب تقييمات بعض المؤرخين.

ورافقت عملية الاستيلاء على المدينة مجزرة ضد السكان الأرمن واليونانيين، فحرقت الأحياء الأوروبية للمدينة تماما، واستمرت المجزرة 7 أيام، وتسببت في مقتل نحو 100 ألف شخص.

ويتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، بينما تشير مصادر أرمنية إلى سقوط أكثر من مليون ونصف المليون أرمني، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الآشوريين والسريان والكلدان واليونانيين.

وعندما دخل البريطانيون إلى إسطنبول في 13 تشرين الثاني عام 1919، أثاروا المسألة الأرمنية وقبضوا على عدد من القادة الأتراك لمحاكمتهم، غير أن معظم المتهمين هربوا أو اختفوا، فحكم عليهم بالإعدام غيابيا، ولم يتم إعدام سوى حاكم مدينة يوزغت الذي أباد مئات الأرمن.

وبسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم، لا سيما سوريا ولبنان ومصر والعراق، وبات 24 نيسان من كل عام مناسبة للتذكير بتلك الجريمة الخالدة في ذاكرة شعب يأبى النسيان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى