أين الصعوبة في مواجهة الاتحاد الأوروبي للإرهاب؟

شارل أبي نادر

لا شك في أن هناك تحديات ضخمة تواجهها دول الاتحاد الأوروبي في معركتها العنيفة ضد الإرهاب وخاصة ضد تنظيم داعش الذي فرض نفسه وفي أكثر من عملية إرهابية نوعية على الساحة الأوروبية، ومنها عمليتا باريس الأولى بتاريخ 7 يناير 2015 في مكاتب المجلة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو، والثانية بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمير 2015، حيث ضرب وفي عملية أعنف وأكثر دموية الليل الباريسي بتنوعاته الثقافية والسياحية والرياضية، لتأتي العملية الأخيرة في بروكسل بتاريخ 22 آذار/ مارس من العام الحالي والتي ضرب من خلالها أمن وهيبة الاتحاد الأوروبي في عاصمته موجهاً رسالة حاسمة وعنيفة مفادها أن ذراعه طويلة إلى درجة أنّ له القدرة على الوصول أين ومتى وكيف يريد.

قد تكون قوة وخطورة الرسالة التي أرادها «داعش» عبر هذه العمليات والتي تكمن من خلال اختياره الأهداف الأكثر حساسية في المنظومة الأوروبية وهي الثقافية والرياضية والمطارات وشبكات المترو والتي تميّز مجتمعهم وعصب حياتهم، هي التي تفرض على دول هذا الاتحاد تحديات كبيرة ستضاف بالتأكيد إلى التحديات التي خلقتها بالأساس تركيبة الاتحاد التنظيمية والتي ما زالت تعاني من مشاكل إدارية وقانونية وسياسية، وأول هذه التحديات هي ضرورة تبادل المعلومات عن كلّ ما يتعلق بالإرهاب بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة وبين دول أخرى خارج الاتحاد لها دور فاعل ومؤثر في المنظومة الإرهابية ضبطاً ومراقبة من جهة أو تحكّماً وتوجيهاً وتسهيلاً من جهة أخرى، ومن أهمّ هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وبعض الدول الخليجية، وهذا التبادل لا يتمّ بطريقة كاملة وشفافة بل تتحكّم به قيود وإشكالات تفرضها استراتيجية كلّ من هذه الدول، وهي:

للولايات المتحدة الأميركية استراتيجية خاصة بها حول الإرهاب ومواجهته، من خلال مناورة تمكنها من استغلاله لتنفيذ سياساتها المتشعبة والتي تتوزع بين رغبتها بالضغط غير المباشر على الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وعلى كلّ من دوله بشكل خاص، وذلك لأسباب متعددة منها التنافس الاقتصادي ومن ضمنه صراع الدولار يورو، ومنها سباق الفوز بأسواق للأسلحة المتطورة والتي تساعد في رفع معدل النمو في تلك الدول، ومنها أسباب استراتيجية أخرى لها علاقة بـ«إسرائيل» وصراعها مع محيطها، أو بروسيا وشبكة المصالح المعقدة بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي من الناحية الاقتصادية والسياسية والديمغرافية وغيرها.

بالنسبة للعلاقة مع تركيا، من الملاحظ أنّ لحكومة الأخيرة دوراً مشبوهاً في رعاية ودعم الإرهاب بشكل عام لأسباب عقائدية وتوسعية، وهذا الدور يتجه ليكون تورّطاً بالكامل في موضوع عمل الإرهاب على الساحة الأوروبية من خلال ابتزازها لدول الاتحاد الذي تسعى لاهثة للدخول فيه، وهذا ما يدفعها لتنفيذ مناورة خبيثة حول انتقاء أو اختيار قسم من المعلومات المتعلقة بالإرهاب لتقدّمها للاتحاد الأوروبي، وحجب قسم آخر والأهمّ بالطبع عن هذه الدول، وحيث تعتبر تركيا مصدراً أساسياً لهذه المعلومات لكونها المعبر شبه الوحيد بين أوروبا وبين الساحات الملتهبة في سورية والعراق، فهي تلعب دوراً مؤثراً وفاعلاً في التحكم بالمعطيات وبالمعلومات التي تحتاجها دول الاتحاد المذكور في معركتها ضدّ الإرهاب.

بالنسبة للعلاقة مع بعض الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية التي تعتبر من الدول الأكثر تأثيراً وفاعلية في موضوع الإرهاب على الساحة الدولية، لأنها تشكل مصدراً رئيساً للتحريض الديني المتشدّد وللتمويل والذي هو أساس تمدّد وانتشار الإرهاب والإرهابيين، لا يمكننا القول إن للأخيرة قدرة – حتى ولو أرادت – على تبادل أية معلومات ممكن أن تستفيد منها الدول الأوروبية في معركتها ضد الإرهابيين، وذلك لأن معابرها مفتوحة على مصراعيها لأنواع المقاتلين والإرهابيين كافة على حد سواء، حيث تختلط الأمور على أجهزتها المتورطة بتسهيل عبور هؤلاء، وذلك على خلفية معركة المملكة العلنية ضد الدولة الشرعية في سورية وضد الحكومة العراقية غير الموالية لها مذهبياً وسياسياً.

والتحدي الآخر الذي تواجهه دول الاتحاد الأوروبي هو تبادل المعلومات في ما بينها والذي هو الآن، وبالرغم من العمليات الإرهابية الدموية التي هزت اغلب دولها، ما زال يتم بطريقة ناقصة وغير شفافة، لكون هذه الدول لم تستطع حتى الآن من أن تواكب الانفتاح الإداري والسياسي داخل منظومة الاتحاد من الناحية الأمنية، فالخوف من المس بالسيادة يطغى على هذه العلاقة ويمنع تبادل المعلومات بشكل واسع، حيث ترفض أيضاً بعض أجهزة استخبارات هذه الدول تبادل مصادرها وطرق عملها. وهناك حذر متبادل بين بعضها له جذور تاريخية وعلى خلفيات الحروب السابقة بين أغلبها، وعلى خلفيات الصراع الاقتصادي والتنافس القومي الذي يفرض على بعض تلك الدول وضع قيود صارمة على معلومات معينة، مما يؤثر سلباً في تكوين خطة مراقبة ومتابعة كاملة للإرهابيين، وحيث إن أجهزة استخبارات بعض هذه الدول تعمل على مراقبة الأخرى والتجسس عليها في الأمور الخاصة بالتصنيع العسكري وبتقنيات التنصت والمراقبة الذكية والتكنولوجيات المتطورة في الرصد والتصوير وتحاول الاحتفاظ بالمعلومات الناتجة عن هذه التقنيات لأسباب شخصية خاصة.

وأخيراً… قد يكون التحدّي الأهم والذي يجب أن تواجهه الدول الأوروبية مجتمعة للوصول إلى استراتيجية موحّدة وفاعلة ضد ما يتهددها من أخطار تقترب إليها وأصبحت داهمة وشبه أكيدة، هو نزع الغشاوة عن أعينها والنظر بجدية وبصدق إلى حيث ينمو وينتشر ويتمدد الإرهاب، واتخاذ موقف شفاف وجريء حول تحديد وفضح المصدر الرئيسي لهذا الإرهاب والذي أصبح واضحاً وضوح الشمس، وما زالت تتحاشى الاعتراف به لأسباب دنيئة لها علاقة بمغانم اقتصادية ومالية تحصل عليها من عقود ومشاريع مع دول نفطية كبرى هي الآن على طريق الانهيار الاقتصادي والمالي بعد أن تحقق انهيارها الأخلاقي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى