تقرير
على رغم التحالف القوي والممتد بين الولايات المتحدة والسعودية، ما تزال بعض الأوساط الأميركية تطرح تساؤلاتٍ حول وجود علاقة لمسؤولين سعوديين بما حدث في أحداث 11 أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة، رغم أن التحقيقات الرسمية للحكومة الأميركية لم تشر إلى وجود أيّ تورّط سعودي في الأحداث، إلا أن تقريراً من 28 صفحة قُدّم للكونغرس عام 2002، وظلّ سرّياً منذ ذلك الحين، قد يكشف عن وجود علاقة وثيقة للسعودية بالأحداث.
وفي وقت بقي الأمر محل شكّ كبير، عادت قضية ذلك التقرير إلى السطح مجدداً هذه الأيام، مع مطالبات أكثر قوة لإظهار الحقائق الموجودة فيه، والتي يؤمن البعض أن خطورتها قد تتجاوز أحداث 11 أيلول وتمتد لأمور أخرى. يعرض تقرير الكاتب الشهير ماكس فيشر على موقع «Vox» الأميركي جميع المعلومات المتاحة في شأن ذلك التقرير السرّي.
ما هي هذه الصفحات السرّية؟
تبدأ القصة عام 2002، تم تقديم تقرير شامل للكونغرس عن أحداث 11 أيلول، في وقت قامت إدارة بوش بحجب دائم لجزء من التقرير مكوّن من 28 صفحةً تشير إلى تورّط محتمل لشخصيات حكومية سعودية بالهجمات، ومنذ ذلك الحين، أثير الجدل حول الإعلان عن محتوى هذا الجزء من التقرير، قبل أن يعود بقوة مؤخراً، بحسب ما ذكره فيشر.
يرى فيشر أيضاً أن الآراء في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالإعلان عن تفاصيل التقرير ما زالت متباينة للغاية، ففي الوقت الذي طالبت فيه بعض أسر الضحايا منحها الحق في مقاضاة السعودية، كانت مثل هذه الإجراءات مخالفة للقانون الأميركي، إلا أن الكونغرس يناقش حالياً مشروع قانون يسمح لهؤلاء بمقاضاة السعودية لتورطها في الأحداث.
آراء الخبراء أيضاً حملت الاختلاف ذاته بحسب تقرير موقع «Vox»، ففي وقت صرّح بعض أعضاء الكونغرس الذين سبق لهم الاطلاع على التقرير لا يحق لهم الإدلاء بأيّ تصريحات حوله ، بأن التقرير قد يحمل إدانة محتملة، في حين صرح أحد أعضاء الكونغرس لصحيفة «نيويوركر» الأميركية بأن المهم في هذا الأمر هو كشف ما إذا كان هناك علاقة للعائلة الملكية بالأمر، أم أن الأمر دون ذلك، وما إذا كان هناك أمور أخرى متعلقة قد حدثت في ما بعد.
نقل قيشر تصريح بوب غراهام، وهو المسؤول حالياً عن الإعلان عن تلك الوثائق، في شباط الماضي قائلاً إن التقرير يتعلق بتمويل العمل الإرهابي في 11 أيلول، وأن أصابع الاتهام تشير بقوة للسعودية كممول رئيس. فيما يظن مسؤولون آخرون في الولايات المتحدة أن تلك التحقيقات كانت متضاربة، وأن التحقيقات اللاحقة قدمت الكثير من الانتقادات لتلك النظرية، كما حذروا من أن الإعلان عن هذا التقرير سيخلق مناخاً من الاتهامات قد يقضي على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي أصبحت هشة بالفعل في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، يرى فيشر أن إدارة أوباما تسعى إلى إسقاط مشروع القانون الجديد الذي يناقشه الكونغرس في شأن مقاضاة السعودية، وهو القانون الذي هدد مسؤولون سعوديون في حال صدوره ببيع أصول داخل الولايات المتحدة تبلغ قيمتها 750 مليون دولار. ويرجح فيشر أن هذا التقرير والقانون الجديد كانا أحد الموضوعات الأساسية في المناقشات بين الرئيس الأميركي، وبين العاهل السعودي.
ما الذي نعرفه عن علاقة السعودية بأحداث 11 أيلول؟
بحسب التقرير، لدى السعودية تاريخ طويل من دعم الجهاديين والحركات الجهادية، كما حدث في الثمنينات في أفغانستان أثناء الحرب على السوفيات، حيث دعمت السعودية ـ بمساعدة أميركا أيضاً ـ مجموعات جهادية عربية اتجهت للقتال في أفغانستان، كان أبرز قادتها أسامة بن لادن، والذي وقع في خلاف مع بلاده في التسعينات، جُرّد على إثره من جنسيته.
وفي وقت عارضت السعودية اتجاهات ابن لادن، كانت واحدة من ثلاث دول فقط اعترفت بحركة طالبان، وفقاً للتقرير. ويشير فيشر أن سجل السعودية الداعم للجهاديين أثر في إثارة شكوك الأميركيين حول وجود علاقة محتملة للمملكة بهجمات 11 أيلول، ما قاد واشنطن لإجراء تحقيقات حكومية حول هذا الأمر بخلاف تقرير الكونغرس، إلا أن تلك التقارير أشارت في ملخصها إلى عدم وجود دليل على ضلوع الحكومة السعودية في تلك الهجمات.
أشار ملخص أحد التقارير، والذي عمل فيه بعض ممن عملوا على تقرير الكونغرس الذي يتضمن الصفحات المثيرة للجدل، إلى الآتي «على رغم الاعتقاد السائد بأن السعودية كانت لفترة طويلة الممول الرئيس لتنظيم «القاعدة»، إلا أننا لم نجد دليلاً على تورط الحكومة أو جهات تابعة، أو حتى مسؤولين بارزين في تمويل التنظيم.
ويشير التقرير إلى أنه في حزيران الماضي، أصدر مكتب المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية نتائج تحقيق داخلي أجرته الوكالة في 2005، تناول الفشل الاستخباري قبل أحداث 11 أيلول، وقد كان الجزء الأخير من التقرير بعنوان «أمور تتعلق بالسعودية»، وهو ما أثار التساؤلات من جديد حول الأمر، حيث تم حجب المعلومات الواردة في هذا الجزء باستثناء ثلاث فقرات فقط ذكر فيها أن التحقيقات تبدو غير حاسمة، وأنه حتى الآن لا دليل واضح على علم، أو نية السعودية، أو تخطيطها للهجمات التي نفذها تنظيم «القاعدة».
يضيف التقرير أن هذا الملخص يمثل كل ما نعرفه عن الأمر، إذ إنه على رغم دعم السعودية للحركات الجهادية تاريخياً، إلا أن الغرض من الأمر كان تحقيق مكاسب سياسية بعينها، مثل قتال الروس في أفغانستان، أو قتال الأسد في سورية. الأمر الثاني هو أن قادة المملكة لا يدعمون الأيديولوجية الجهادية في حدّ ذاتها، حيث يفضل أكثرهم قضاء الكثير من أوقاتهم في حياة رغدة تمتلئ بالسخاء في الغرب. كذلك الحال بالنسبة إلى الجهاديين، ففي وقت ذي قد يقبلون الأموال السعودية، فلا يغير ذلك من رؤيتهم للعائلة الملكية، والتي يرون أنهم مرتدون وتابعون للغرب، بل حتى قد يصل الأمر لهجومهم على الحكومة نفسها.
يؤكد التقرير أيضاً أن العلاقة القوية بين الولايات المتحدة، والسعودية لا تتوقف عند النفط على الإطلاق، فقد تشاركت الدولتان الكثير من الأهداف والأعداء، فكلاهما كان معادياً للاتحاد السوفياتي، ولنظام صدام، وللثورة الإيرانية، كما حرص النظامان على العمل سوياً إلى أن أصبحت العلاقة تشبه الصداقة الممتدة، وبالنظر إلى ذلك، فلا سبب حقيقياً لأن تقوم الحكومة السعودية بالتعاون مع أعدائها الجهاديين لضرب الولايات المتحدة، التي تعد أهم حلفائها وداعميها.
على رغم ذلك، ثمة نظرية أخرى حول الأمر، وقد ظهرت في أحد التحقيقات المتعلقة، وتشير إلى احتمالية تورط مسؤولين سعوديين في الأمر بما يخالف رغبة حكومتهم.
إلى أي شيء تستند الفرضية التي تدين السعودية؟
لمّح كل من تقرير مفوضية 11 أيلول، وتقرير المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية، رغم عدم تأكيدهما، إلى احتمالية استخدام مسؤولين سعوديين موارد المملكة لدعم منفذي الهجوم، بما يخالف رغبة حكومتهم، لكن لا يوجد دليل موثوق يثبت صحة هذه النظرية.
يعود الأمر إلى عام 1990 عند غزو صدام حسين للكويت، حيث دعت السعودية الجيش الأميركي لحشد قوات تقدر بالآلاف داخل المملكة. تسبب ذلك في غضب السلطة الدينية السعودية المحافِظة، إذ رأوا ذلك إهانةً لهم وانتهاكاً لحرمة الأراضي المقدسة، ولمّحت علناً بأنها قد تدعم انتفاضة عنيفة، بحسب تقرير موقع «Vox».
حاولت الأسرة الحاكمة السعودية استرضاء المؤسسة الدينية، فتراجعت عن بعض الخطوات التحرّرية التي أثارت غضب رجال الدين. كما أسّست وزارة الشؤون الإسلامية، وعيّنت بعضاً منهم فيها. دعمت وزارة الشؤون الإسلامية الجمعيات الخيرية الإسلامية ظاهرياً، باعتبارها مهمة إنسانية. لكنها موَّلت أيضاً بعض المتطرفين الإسلاميين بسبب الانتماءات الأيديولوجية لبعض المسؤولين في الوزارة.
لم تكن وزارة الشؤون الإسلامية تحت سيطرة الحكومة بصورة حقيقية، حيث تمتعت بدرجة عالية من الاستقلالية، وقد سمحت الحكومة بذلك تجنباً لإثارة المشكلات.
هنا يطرح فيشر سؤالاً جديداً: هل من الممكن أن يكون بعض المسؤولين في تلك الوزارة، والذين يعملون مستقلين قد وجّهوا مواردهم لدعم خاطفي الطائرات في أحداث 11 أيلول؟ الإجابة هي أنه في السنوات الأخيرة ظهرت بعض التفاصيل غير المؤكدة تقترح صلات محتملة بين وزارة الشؤون الإسلامية، والخاطفين. على سبيل المثال، أحد السعوديين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، لديه علاقات مع وزارة الشؤون الإسلامية، دفع ثمن شقة أقام فيها اثنان من مختطفي الطائرات في 11 أيلول.
مثل هذه التفاصيل، إضافة إلى استقلالية وزارة الشؤون الإسلامية، تدعم نظرية قيام بعض المسؤولين السعوديين بدعم منفذي الهجوم. لا يمكننا استبعاد تلك النظرية، على رغم عدم تأكيدها.
لماذا يظهر الحديث حول هذا التقرير بشكل متكرّر على فترات؟
في وقت يدور الكثير من الجدل بين الأميركيين ـ حتى بعد مرور 15 سنة على الأحداث ـ حول ما إذا كان حلفاؤهم العرب مشتركين في أكبر عمل إرهابي في التاريخ الأميركي، تبقى سرية تلك المستندات وعدم إعلانها عاملاً مؤثراً بشدة في هذا الأمر، كما أن الأمر وصل بالبعض إلى مناقشة العلاقات بين البلدين في حدّ ذاتها، وأنه في حال كان هذا التقرير يحتوي على معلومات غاية في الخطورة، فهل تستحق العلاقة بين البلدين عملية الإخفاء الحالية. يرى التقرير أيضاً أن كثيرين من الأميركيين لا يشعرون بالراحة حول تحالف بلادهم مع السعودية، ويرون فيه مخالفةً للقيم والتوجهات الأميركية.
يضيف فيشر أنه منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، بدت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية مصطنعة ومتكلفة بشكل متزايد، حيث تملك كل دولة منهما أهدافاً متضادةً في ما يتعلق بالمنطقة، كانت سبباً أيضاً في ظهور الجدل من جديد حول جدوى إخفاء أية معلومات تتعلق بالأحداث التي أثرت بشدة في الشعب الأميركي.