بعد قنبلة أوباما… أميركا والسعودية إلى أين؟

د. خيام الزعبي

سيطرت حالة من التوتر غير المسبوقة على العلاقات الأميركية ـ السعودية، التي شكلت حجر الزاوية في الإرتباط الوثيق بين واشنطن ومنطقة الشرق الأوسط، مرتكزة على الاحتياطات النفطية لدى المملكة السعودية، والتعاون العسكري الوثيق بين الطرفين.

اليوم يعلو التذمّر من قبل السعوديين بعد أن فجّر الرئيس الأميركي باراك أوباما قنبلة عبر تصريحاته حول المملكة، والتي أعرب فيها عن اعتقاده بأنه ليس من مصلحة بلاده التقيّد بتقديم الدعم التلقائي للسعودية ودول الخليج، واتهامه للسعودية بخوض حروب بالوكالة في الإقليم وتأجيج الصراع الطائفي والرعب والفوضى في المنطقة، ولم يخف حدّته بعد زيارة الرئيس أوباما الى السعودية الأسبوع الفائت، وقد ظهر ذلك بعدم استقبال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز شخصياً الرئيس أوباما، وهذا الاستقبال طرح العديد من التساؤلات حول حقيقة العلاقات الحالية بين السعودية وأميركا.

بدأت العلاقات السعودية الأميرکية بالتوتر مع بداية ما سمّي «الربيع العربي»، خاصة بعد تخلي واشنطن عن حليف السعودية الرئيس المصری الأسبق مبارك، وفي سورية رأى السعوديون ضرورة الإطاحة بالرئيس الأسد، ولکن مع مرور الوقت وظهور تنظيم «داعش» الإرهابي، أصبح هدف أوباما محاربة «داعش»، محذراً من سيناريوات أفغانستان والعراق وليبيا، مما أغضب الرياض.

أما من حيث الهوّة المتزايدة بين البلدين هي نتيجة لتراكم أسباب عديدة منها اختلاف الرؤية منذ إبرام الاتفاق النووي مع إيران وما تمرّ به المنطقة من عدم استقرار، وانخفاض سعر النفط إضافة الى تهديد السعودية بسحب ودائعها من أميركا والتي تبلغ حوالي 750 مليار دولار.

يزداد قلق السعوديين حول كيفية إدارة أوباما لهذه العلاقات وتهاونه في التعاون في ملفات متعدّدة في ما يخص الأزمة السورية، ومبادرتها للتقارب مع إيران، إذ لا يثق السعوديون بالتزام الرئيس أوباما، بأمن الخليج، ويخافون تحويل اهتمام أميركا باتجاه إيران، والتي تخوض اليوم ما تعتبره معركة محورية لمصير الشرق الأوسط مع خصمها إيران وهي دولة تعتقد السعودية أنها تتدخل في شؤون حلفائها وهي اتهامات تنفيها طهران جملة وتفصيلاً.

في المقابل وتزامناً مع زيارة أوباما للرياض لعقد القمة الخليجية الأميركية، ارتفعت الأصوات التي تنتقد السعودية والتي تتمثل عبر الجهود المبذولة للحدّ من مبيعات الأسلحة إلى الرياض، وكشف انخراط السعودية المزعوم في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عبر محاولة تمرير مشرع قانون يسمح لأسر ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة الحكومات الأجنبية دون تحصّنها بالسيادة السياسية في المحاكم الفيدرالية، كما رأى أوباما أنّ هناك دورا سعوديا خليجيا متصاعدا، يعتمد على المبادأة بدل الرجوع لواشنطن، وهو ما عدّه خطوات متسرّعة لن تحقق نجاحاً كبيراً في المنطقة، وأكد أنّ قيادة الملك سلمان مختلفة بشكل كبير عما اعتادت عليه واشنطن في السابق.

في سياق متصل أنّ الأهداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، هي ضمان أمن واستقرار «إسرائيل»، وضمان استمرار تدفق النفط، ومواجهة الدور الروسي في المنطقة بكافة الأدوات، وتقاسم النفوذ الإقليمي في المنطقة ما بين إيران من جهة والدول الخليجية والعربية من جهة دون السماح لأيّ طرف بأن تكون له اليد الطولي، واستمرار احتياج دول المنطقة لمبيعات السلاح الأميركية بالحفاظ على التهديد ومستوى الصراع المقبول، والأهمّ من ذلك عملت واشنطن على إرضاء المملكة من ناحية الموضوع السوري، حيث وافقت على قيام السعودية بتقديم مزيد من الأسلحة النوعية الأميركية للمجموعات المسلحة لمحاربة النظام السوري، فالتساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يحصل الطلاق بين واشنطن والرياض في ظلّ الأوضاع الراهنة؟ في إطار ذلك يمكن القول إنّ أميركا غير مستعدّة لخسارة حليف بحجم السعودية بما لها من وزن مالي واقتصادي وسياسي، خصوصاً في ظلّ الوضع الداخلي المعقد الذي تواجهه إدارة أوباما، إنّ التحالف بين أميركا والسعودية هو بمثابة أحد عوامل الارتكاز بالنسبة للشرق الأوسط ويقوم على المصالح المشتركة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع دول الخليج الضغط بأقصى قوتها على الولايات المتحدة، خوفاً من تعرّض العلاقات لضرر عميق، حيث إنها في حاجة إلى واشنطن لضمان حمايتها ومصدر الأسلحة والاستقرار العالمي، فالسعوديون يعرفون أنهم يحتاجون لأميركا أكثر مما تحتاجهم، وأنّ المظلة الأمنية الأميركية هي الوحيدة التي تضمن الحماية لاحتياجات المملكة خاصة في زمن الانهيار الإقليمي.

مجملاً… إنّ ما يحصل حالياً بين أميركا والمملكة السعودية ليس إلا انعكاساً لرؤيتين متناقضتين للتحوّلات الكبيرة في المنطقة، وفي الوقت نفسه فإنّ التوقعات بحدوث شرخ عميق في هذه العلاقات مبالغ فيها لأنّ ذلك من شأنه أن يحدث اهتزازاً عنيفاً للاستقرار في أسعار النفط العالمية. وباختصار شديد إنّ هذا الحادث الخطير وغير المسبوق في العلاقات لا يمكن أن يصل إلى درجة تسميم العلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، وأنّ لغة المصالح هي التي ستحسم في النهاية الأزمة القائمة بينهما.

Khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى