لبنان… و«لبنان الضدّ»!

جمال العفلق

لبنان بلد الشهداء والمقاومة، لبنان حضارة وانفتاح، تاريخ نضال ومصدر تنوير لا يمكن إنكاره. اختلفنا أو اتفقنا، لا يمكن أن ننسى بيروت العاصمة المقاومة التي قدمت منذ آب 1915 أول دفعة من شهداء الاستقلال، وتشاركت ساحتا البرج في بيروت والمرجة في دمشق بشهداء السادس من أيار 1916 على يد السفاح العثماني، وتهمتهم أنهم وطنيون.

هو لبنان الذي كسر ظهر «إسرائيل» بمقاومتة وصمود شعبه، فكان التحرير وكان طرد قطعان الصهيونية وعملائها.

اليوم «إسرائيل» تأتي من مكان آخر، فالجنوب اللبناني أثبت أنه عصيّ عليها وفشلت في 2006 في معاودة ما فعلته في الثمانينات، فاختار هذا العدو الدخول من مكان آخر عبر مرتزقته المتأسلمين المصنوعين في معسكرات تدريب استخباريّة موّلتها أموال عربية… وعلى أرض عربية. تلك القطعان التكفيرية التي موّلها ودعم وجودها «لبنان الضدّ» مثلما حدث في سورية وفي العراق. غطاء سياسي وتمويل وحرب وقودها الطائفيون والبخّ الطائفي. ثمة مَن يحارب في لبنان اليوم ويريد اقتطاع أرض منه لإعلان إمارة اسلامية جُلّ أهدافها تمزيق الوطن اللبناني وإعادة الفوضى التي عاناها لبنان لمدة خمسة عشر عاماً وقال عنها الناجون إنها حرب عبثية.

الذين يحملون السلاح اليوم هم أنفسهم الذين قال عنهم الوطنيون في لبنان إنهم مرتزقة موّلتهم جماعات سياسية ودينية في لبنان قالت آنذاك إنها تزودهم البطانيات والحليب. شحنات أسلحة وصلت عبر موانئ بيروت لتمرّ عبر عرسال، ومنها ما بقي في عرسال لساعة الصفر، والباقي يكمل طريقة الى سورية لتنفيذ أعمال القتل والتهجير.

لبنان الذي اختار المقاومة، هبّ رجاله لمنع الانزلاق ووقف تمدد تلك الجماعات التي أثبتت أن لا ولاء لها ولا وطن لها وأنّها مصنوعة لتدمر حيث يطلب منها.

وإن لم تكن اليوم في صدد إثبات من كان على حق ومن كان على خطأ في تدخل لبنان في الحرب السورية، علينا ألاّ ننكر دور المقاومة التي قرأت الخطر المحدق في لبنان منذ ثلاث سنوات. ولطالما حذر لبنان من امتداد العدوان القائم على سورية الى أراضيه. لكن «لبنان الضدّ» رفض جميع التوضيحات والإثباتات، وبقي مستمراً في دعم تلك الجماعات التي أخذت من الغطاء الإنساني حجة لها لتنظيم صفوفها، في انتظار الأوامر عند الساعة صفر التي ترافق معها إطلاق ما يسمى بـ«ائتلاف الدوحة»، مناشدة للتهدئة ومطالبة الأمم المتحدة بحماية اللاجئين في لبنان، بغية تصوير القضية على أنها بين مدنيين عزل وجيش مدجّج بالسلاح بين اللاجئين الذين يطالب «ائتلاف الدوحة» بحمايتهم وها هم يحملون السلاح اليوم ضد الجيش اللبناني!

ما العدوان الصهيوني الفاشل على غزة إلاّ واحد من تلك الأسباب التي دفعت نحو التسريع في العمليات ضد الجيش اللبناني، فما تعانيه قطعان الصهيونية في عدوانها على غزة أوجب فتح جبهة جديدة، ما يثبت مجدداً مدى التنسيق بين قطعان الصهيونية في فلسطين وقطعان المرتزقة الذين يشنون حرباً بالوكالة من العراق الى سورية الى لبنان فمصر وتونس وليبيا واليمن.

هذا ليس افتراء، إذ صدرت حديثاً مذكرات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ضمن كتاب أطلقت عليه عنوان «خيارات صعبة» وتعترف فيه بأن «الدولة الاسلامية» هي من صنع أميركا، وبأنها زارت 112 بلداً لضمان الاعتراف بهذه «الدولة» المزعومة فور إعلانها المقرر في الشهر السابع من عام 2013، لكن المتغيّرات على الأرض وعدم تمكن تلك الجماعات من الاستيلاء على سورية والعراق كان متوقعاً، وسقوط «الإخوان» في مصر ووصول العسكر الى الحكم والتفاف الشعب المصري حول الجيش خلط الأوراق من جديد. وتؤكد كلينتون في مذكراتها أن الحرب في سورية والعراق وليبيا هي من صنع أميركا.

لكن المشروع مستمرّ، فلبنان يحارب اليوم الجماعات نفسها التي هَجّرت أهل الموصل وقتلت شعب سورية وقطعت الرؤوس ومثّلت بالجثث، تلك المجموعات تلقت الأوامر ببدء عمليات التخريب في لبنان ولا تزال تحظى ولو على نحو سرّي بدعم من نوع ما يقدمه إليها «لبنان الضدّ» الذي غرق في العمالة والتبعية لأصحاب مشروع تقسيم الشرق الأوسط، لقاء السلطة وحفنة من الدولارات!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى