الدراما السورية منقسمة بين داخلي عميق واقعي… وخارجي هجين مسيّس

جهاد أيوب

الدراما العربية أصبحت مرتبطة بشهر رمضان، ونادراً ما تطلّ علينا مسلسلات خارج دورة رمضان، كما أن المنتج والممثل وربما المخرج لا يحبون أن تكون المنافسة خارج رمضان ـ موسم الشغل، وجمع المال بما وجد، وبسرعة التنفيذ كي لا يُسرق الوقت. وهذه قد تكون الرصاصة القاتلة. ولو أننا ننظر إلى كل السنة كشهر رمضان، لكانت النتيجة مختلفة كلياً. لذلك، تخوض الدراما العربية بكل تفاصيلها وأنواعها منذ سنوات، مرحلة حرجة في استمراريتها، وقد ينعكس عليها ذلك سلباً وتقوقعاً إنتاجياً في السنين المقبلة بسبب الوضع الاجتماعي القلق والخائف، والمرتبط بالواقع السياسي التائه بعدما وصلنا إلى حالة اقتصادية وأمنية عربية حرجة، وهذا أثّر على تركيبة الدراما المحلية في غالبية الأقطار العربية وبالتحديد في مصر وسورية ولبنان، ما أوجد لعبة الدراما المشتركة. صحيح أننا سابقاً كنّا ندعو إلى الشراكة العربية الفنية من أجل الاستفادة من الخبرات وتوسيع دائرة الانتشار والكسب الإنتاجي، إلا أنه، وفي خضمّ أوجاع بلادنا، جاءت المشاركات مسلوقة متسرّعة ومن باب التواجد والحاجة المادية، وسريعة العطب من خلال عدم توضيبها بشكل جيد، وعدم تنفيذها في المكان الجيد الذي يلائم طبيعة القصة ولهجتها.

ربما تنبه الإنتاج اللبناني لهذه المشكلة، فأوجد شراكة لبنانية ـ سورية تعتمد على قصص من خارج البلدين، وتعتمد على اللهجة البيضاء كما حصل في «تشيللو» و«العرّاب» و«العرّاب نادي الشرق» وأعمال نجدت إسماعيل أنزور.

غالبية الدراسات السابقة التي تمحورت حول الواقع الاجتماعي اعتمدت على ما يحدث في فنّ الغناء والشعر والمسرح والمواضيع التي يتطرقون إليها. وكانت النتيجة تصبّ في أن الحالة السياسية هي التي توجد هذا النوع من الفن والشعر. اليوم، أصبحت الدراما هي المقياس، وهي الصورة الحقيقية لواقع الحال بعيداً عن الكذب والتجميل. لذلك، وبكل بساطة، نستطيع القول إنّ الدراما العربية منذ أكثر من خمس سنوات خافتة، و«سلق بيض»، ومشوّشة، وكمية الشوائب التي عانت منها لا تحصى ولا تعدّ. وقد تخيفنا إذا تمدّدت إلى السنين المقبلة بنمطية الأحداث السياسية المغرَقة بالهزيمة.

حتى الآن، لا تزال الدراما العربية تعنى بقصص الحبّ والخيانة، والثراء الفاحش. وأخيراً، قُدّم ما هو معنيّ بالمقاومة والمجتمع الطائفي إنما بنطاق ضيّق ومحدود. وغاب التاريخي ومعه السيرة الذاتية. بينما الأعمال المضحكة لم يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة. كما أن القنوات الفضائية العربية، ومنذ الحروب العالمية على سورية وبتمويل خليجي وكذلك حرب السعودية على اليمن، تعاملت مع الدراما بشيء من الفقر الإنتاجي، وبعدم استقطاب النجوم، وبميزانية متواضعة.

ملاحظات سريعة: دراما السنوات الأخيرة سمتها الانفتاح على اليهود من خلال رسم خط دراميّ مفتعل في أكثر البرامج العربية شهرة وشعبية، وإقحامه في «باب الحارة 7» و«الحيّ اليهودي» بسذاجة. هذا الانفتاح والاقحام لا يُفهمان على أنهما مجرد «حدّوتة» أو صدفة. لا نريد أن نطرح الموضوع كقضية سياسية وما شابه، فقط نلفت النظر إلى أمر ليس بريئاً.

المعضلة

لكلّ دراما عربية معضلة خاصة تميّزت بها. ربما القاسم المشترك غياب التنوّع، وعدم وجود بنية تحتية ينطلق منها العمل الذي اعتمد على فكرة و«حدوتة» لا على قصة عميقة بالبعد الدرامي وبالأحداث. ما أوجد الملل في المتابعة، وتعمّد تطويل الحكاية والخبرية في غالبية الأعمال. والأخطر، الانكشاف الذي وقع في أسره الممثل العربي من خلال مقارنته بالممثل الغربي بعد استسهال عملية الاقتباس والاستنساخ. وغالبيتنا قرأت أو شاهدت الأعمال الغربية، وتلمست إحساس الممثل الغربي الذي يصرّ أن يُخرج شخصيته من الدور، ويرسم ملامح الشخصية المركّبة والمطلوبة منه، ما يُحدث ولادة ثاقبة وناجحة أمام الكاميرا تكون من لحم ودم، ونَخالها حقيقية. بينما الفنان العربي يبني الشخصية المطلوبة على قياسه، وأمراضه، ونفسيته، وحالته، فيلغي قيمة الشخصية المرسومة والمطلوبة على حساب نجوميته.

كما غاب عن العمل الدرامي العربي المقتبس من الغرب أن الاقتباس يحتاج إلى تشويق وبناء دراميّ جيد، وحبكة تستحق المتابعة كونها هي القصة، ورؤية مخرج. وهذا ما لم يحدث تحديداً في أعمل مقتبسة مثل «تشيللو» و«العرّاب». أما المعضلة الكبرى فتكمن في أن غالبية المخرجين العرب اعتمدوا على مقدرة الفنان من دون أن يديروه، وتناسوا أن تميّز فنان بأدائه لا يعني نجاح المسلسل كما حال تيم حسن في «تشيللو»، والتشنج والصراخ الدائمين لا يعنيان التمثيل الصحيح، وما أكثر الصراخ والتشنّج في الدراما العربية، خصوصاً المصرية والسورية والخليجية!

دراما لبنانية

كان من الممكن اليوم أن تكون الدراما اللبنانية منافسة بجدّية المواضيع، وقوة الإخراج وحضور الممثلين اللافت، رغم ملاحظاتنا الكثيرة. وقد تنبهت في إنتاج 2015 إلى تداعيات التاريخ وتأثيره على مصداقية الفكرة والاحداث فغاصت بصناعة الدراما التلفزيونية التاريخية بجدّية كما حال «درب الياسمين» و«عين الجوزة» و«أحمد وكرستينا» ـ نحتفظ بملاحظاتنا النقدية الكثيرة على هذه الأعمال ـ لكنها عانت من سرعة التنفيذ، واستسهال الدور من دون أبعاده، والإنتاج الفقير ما زال يحاصرها، إضافة إلى تدخل المنتج اللاغي دور المخرج والكاتب في اختيار الممثلين، وربما أماكن التصوير وما شابه، وهذه علة خطيرة قد تبعد العمل اللبناني عن المنافسة، وقد تحرق الفكرة الناجحة كما حصل عام 2014 في «عشرة عبيد صغار»، حيث وقع في الفشل المخيف. واللافت في الدراما اللبنانية لعام 2015 غياب التعرّي الغبيّ وغير المبرّر عن أجساد الممثلات اللبنانيات، وهذه بادرة جيدة إذا استمرت إضافة إلى الكمّ الكبير والجيد من مشاركة وجوه شابة واعدة.

الدراما السورية

الدراما السورية ليست ـ رغم قساوة المرحلة ـ بأفضل حال، ولا تجد من ينافسها رغم القلق والخوف والتشتت وكلّ ما بان على وجوه الممثلين السوريين ونظراتهم وأدائهم وتعبيرهم، وعدسة الكاميرا الضيقة، وقد انقسمت في السنوات الأخيرة بين الداخلي والخارجي: داخلي عميق تناول أحداث سورية بجرأة وموضوعية تحتاجان إلى مناقشة، فقد عانى من التصوير في أماكن ضيقة ومساحة محدودة مثل «امرأة من رماد»، و«عناية مشدّدة»، و«حرائر». وخارجي هجين حاول الدخول إلى عمق الأحداث والمعاناة السورية لكنه تناولها بسذاجة وخفّة وبزكزكات سياسية ساذجة كما الحال في «غداً نلتقي». ومع ذلك، لا نستطيع القول إنّ الدراما السورية غير موجودة، فهي حاضرة يحسب لها الحساب رغم جرح الوطن الذي أصاب كلّ الحركة الدرامية وفي الصميم.

ما يميزها أنها انغمست في حياة أناسها والحركة الاجتماعية المستجدة عليها بقدر ما تستطيع، وتصوير معاناة الحرب حتى التطرّف. وما أضرّها أنها ابتعدت عن الكوميديا المتميزة واستبدلتها بأعمال تعتمد على الجنس ومنها «صرخة روح 3».

الخليجي

الدراما الخليجية تطرّقت إلى واقعها في بعض الأعمال بجدّية مع المحافظة على نمطية المبالغة في الصورة والشكل والأداء عند بعض الممثلين. يضاف إلى أن الإصرار على مشاهد البكاء غير المنطقي لا يزال يحاصرها مع ظاهرة الإغماء أو فقدان الوعي بمناسبة ومن دونها. وأيضاً التأثر بالقصص الهندية التي لا تعرف بداياتها وتداعياتها وكثافة أحداثها ومفاجآتها، أي القصة تولّد القصص، والقصص قد يكون لها أكثر من أم وأب لبطل واحد، رغم اختلاف الشكل والمضمون والطبيعة والنفس، خصوصاً في «أمنا رويحة الجنة».

والغريب في الدراما الخليجية حتى البرهة، أننا نشاهد شخصية فقيرة مادياً ومعنوياً ولكنها تعيش في قصر، ولديها أفخر الساعات وأحدث السيارات والهواتف المتطوّرة.

من حسنات عام 2015، أن بطلات الدراما الخليجية ابتعدن عن ارتداء الدراعات، والتنافس في ما بينهن على الألوان الفاقعة مع أنهن حافظن على النفخ، والشفط، والبوتوكس، والرموش المخيفة، والماكياج المصري الصارخ، وقد يخرج في كثير من الأحيان من الشاشة.

المصرية

تعيش الدراما المصرية انفصاماً لا تحسد عليه ما بين الواقع والهروب من الحقيقة والحلم إن وجد. ورغم باعها الطويل والأحداث الأخيرة في تغيّر الحكم، لا تزال تحافظ على النجم الأوحد وهو الحاصد أكثر من ميزانية العمل. والنصّ يُكتب لأجله والباقي حشو. ولا نغيّب عقدتها من الخواجة شكلاً ومضموناً، لا بل قلّدته بسذاجة، واستنسخت أعماله من دون رؤية فنية واعية شكلاً ومضموناً، ولم تدرك طبيعة كلّ عمل، وأن الجمهور ليس غبياً. لهذا، ومنذ سنوات، يغيب التميّز عنها رغم الإنتاج الوفير في بعض الأعمال ومنها «ألف ليلة وليلة»، واعتمادها على الممثل النجم، ومصر تملك كمّاً كبيراً من الممثلين.

لم نجد في الدراما المصرية الأخيرة رؤية إخراجية تستحق الوقوف عندها، إضافة إلى مساحة الصراخ المزعج المنتشر في كلّ عمل مصري، وسرعة البرق في نطق الوجوه الفنية الجديدة كما لو كنّا في حلبة مصارعة حوارية غير مفهومة، ناهيك عن هجرة نجوم الصف الأول. فقط عادل إمام تواجد على طريقته كبطل أوحد في «أستاذ ورئيس قسم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى