ليس المهمّ من يقود الولايات المتحدة الأميركية!

د. سلوى الخليل الأمين آن آربور ـ ميتشيغان

حين غادرت لبنان منذ أسبوعين باتجاه الولايات المتحدة الأميركية وفي برنامجي خطة سير متنوّعة، كان الظنّ أنّ هذه البلاد تحيا ضجيج الحالة الانتخابية الرئاسية مع كلّ مستلزماتها الدعائية، خصوصاً أنها تحضّر لانتخاب رئيس جديد يقود الولايات المتحدة إلى مسار كوني عالمي مربك بالمشاكل المتنقلة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، والذي على المرشحين إدراكه حتى لو تعدّدت برامجهم الانتخابية. مع العلم أنّ الحكم في هذه البلاد منوط ببرنامج يتمّ وضعه من قبل مراكز القرار الممثلة بالبنتاغون ووزارة الخارجية والكونغرس، الذين يستطيعون في لحظة ما، تعطيل قرارات رئيس الجمهورية.

المهمّ أنني لم أجد في شوارع المدن التي زرتها بداية من فيلادلفيا، وصولاً إلى مدينة أتلانتيك سيتي السياحية، وبعدها إلى نيويورك، ومنها إلى مدينة فيلانوفا وجامعتها العريقة، وأخيراً إلى مدينة آن آربور في ولاية ميتيشغان حيث جامعتها العريقة أيضاً، أيّ أثر لإعلان أو يافطة أو صور تتصدّر الشوارع أو وسائل الإعلانات للمرشحين الأقوى وهما: دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.

حاولت وأنا أحط في تلك المدن أن أنزل إلى الشارع مستفسرة عن سير الانتخابات، وعن المرشح المفضل الذي يملك حظوظ النجاح. كانت الأجوبة كلها واحدة، حتى من المهاجرين الذين يحملون الجنسية الأميركية، وهي: شرح برنامج المرشح الجمهوري ومدى فائدته للشعب الأميركي والبلاد وكذلك بالنسبة لمرشحة الحزب الديمقراطي وبرنامجها االمستقبلي المعدّ لصالح الوطن والشعب، وهنا لكلّ رأيه وتوجهه الخاص.

لكنني لم أكتف بما سجلته في أجندتي من معلومات زوّدني بها سائق التاكسي الذي نقلني من أتلانتيك سيتي إلى نيويورك وهو شاب مصري جامعي، وجارتي في القطار من نيويورك إلى مدينة ترنتون وصولاً حتى مدينة فيلانوفا، وغيرهم ممّن كنت ألتقيهم، وإنما استمعت لآراء بعض الشخصيات المهمة التي التقيتها في نيويورك وآن آربور، وحتى عبر الهاتف بحكم صداقاتي التي استطعت أن أزرعها في هذه البلاد، خصوصاً مع العديد من الطاقات اللبنانية المبدعة والفاعلة على الساحة الأميركية.

كانت الآراء متناقضة، فمنهم من حدثني عن المرشحة الأقوى في الحزب الديمقراطي، وهي السيدة هيلاري كلينتون، التي تستحق الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية بسبب كونها إمرأة ذات تاريخ سياسي عريق يسجل لها، فهي تمتلك الخبرة المتمكنة من جعلها تؤدّي رسالتها كقائدة للولايات المتحدة الأميركية بنجاح مؤكد، رغم بعض الثغرات التي تؤخذ عليها، حين كانت وزيرة للخارجية، من جراء تأييدها التدخل الأميركي في ليبيا إبان انتفاضات ما سمّي بـ»الربيع العربي»، لكن ما يغفر لها بنظر مؤيديها والعديد من الأميركيين المستقلين، أنها تحمّلت بجرأة وشجاعة ومسؤولية عملية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي العام 2012، الذي أسفر عن مقتل أفراد من الطاقم الديبلوماسي في القنصلية الأميركية، ويصف البعض ممّن سألتهم عن مواقفها بالقول: إنها موهوبة في الخدمة العامة وفي اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة، ولديها سجل حافل وخبرة معمّقة وليست سطحية في إدارة المواقع التي تبوأتها، حين كانت عضواً في لجنة الدفاع في قضية «ووتر غيت»، وهي المحامية المتخرّجة من جامعة يال العريقة. كما أنها أثبتت جدارتها وكفاءتها وقدراتها المتمكنة حين كانت زوجة للرئيس بيل كلينتون حيث أعطيت صفة السيدة الأولى، وهذه الصفة لا تمنح لأيّ زوجة رئيس أميركي، إلا إذا كانت قادرة على العمل والإنتاجية والحركة الفاعلة التي تصبّ في صالح الشعب والبلاد، كما أنها انتخبت كسيناتور في الكونغرس الأميركي في العام 2001 ومارست دورها بكفاءة ودراية حتى العام 2009. إذاً… هي لديها الخبرة السياسية الكافية كي تقود الولايات المتحدة الأميركية بخطوات مدروسة ومحسوبة.

إذ أنّ أهمّ ما يميّز برنامج السيدة هيلاري كيلينتون الانتخابي، أنها تؤمن بالجمع بين القوة العسكرية والديبلوماسية وتدافع بشراسة وقوة عن الحقوق الشعبية، إلى جانب إيمانها بتوفير العلم للجميع، خصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة. كما أنّ من ضمن برنامجها العمل على تخفيض الرسوم الجامعية المرهقة وجعلها في متناول كلّ طبقات المجتمع، وهي أيضاً من مشجعي المرأة على خوض كلّ المجالات، لهذا تدعم وصولها بقوة إلى مواقع القرار، كما انها تسعى إلى تخفيض الضرائب عن الفقراء والطبقة المتوسطة عبر زيادتها على الأغنياء، إذ ليس من العدل، كما تصرّح، ان تكون الضريبة موحدة للجميع، بالرغم من تفاوت المداخيل بين الطبقات الشعبية والمتوسطة والغنية. كما أنها ستسعى حتماً إلى متابعة النهج السياسي الذي اختطه الرئيس أوباما بالنسبة لإيران. أما بالنسبة إلى السعودية فستعمل على تنفيذ ما دعا إليه الرئيس أوباما في رحلته الأخيرة إلى الرياض حين دعا السعوديين إلى عدم تجاوز الخطوط الحمر في المنطقة، والقبول بالعيش بسلام مع إيران القوية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما كتبته الصحف الأميركية خصوصا جريدة «نيويورك تايمز» الشهيرة.

أما المرشح الجمهوري دونالد ترامب الآتي من حقل المال والأعمال والاقتصاد، فهو يعدّ رجلاً لامعاً وناجحاً بنى أمبرطوارية مالية امتدّت في طول البلاد وعرضها، فنادق ومؤسسات وكازينوهات وعقارات، لهذا يعتبرونه ضليعاً في لغة المال والاقتصاد، وبالتالي سيعمد إلى إغراق أميركا في النعيم الاقتصادي، وهذا ما جعلني مضطرة إلى توجيه السؤال التالي: وماذا عن عنصريته التي أبداها اتجاه المسلمين، ألم يحرك عبر هذا التصريح العنصرية النائمة منذ زمن عند الأغلبية من الشعب الأميركي الأبيض، خصوصاً أنّ المسلمين في أميركا يعدّون بالملايين عدا المهاجرين وأغلبيتهم من العرق الأسود، أجابني محدّثي وهو أسود: لا تظني سيدتي أنّ بمقدوره أن يطبّق ما يقوله بخصوص المسلمين، أنا أميركي مسلم، ونحن نشكل قوة في هذا البلد ليس بمستطاع أيّ رئيس تجاوزها مهما بلغ من قوة، وبالتالي من يحكم هو المؤسسة والقوانين والدستور، ونحن كلنا نخضع لهذه القوانين من الرئيس حتى أصغر مواطن، أنا من مؤيدي دونالد ترامب لأنه رجل يؤمن بالتحديات التي هي سبب النجاح، ونحن كشعب أميركي نريد لبلدنا الازدهار الدائم بعد النكسة الاقتصادية التي مرّت، وما زلنا نعاني من نتائجها السلبية.

وأضاف محدثي: انّ ترامب يؤمن باجتهاد الإنسان ونجاحه في الحياة، لهذا فبرنامجه خال تماماً من مطالب الطبقة الشعبية، يحصره فقط في حماية الاقتصاد الأميركي ورجالاته، وهذا ما يهمّنا كمواطنين أميركيين، فالرخاء يقابله اقتصاد منتج وفعّال، علما أنّ الضرائب يؤدّيها الجميع بنفس الخطوط المتوازية، حيث لا فرق بين غني وفقير، بعكس برنامج منافسته ممثلة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، إلى جانب أنّ دونالد ترامب لا خبرة لديه في المجال السياسي، وعفوي في خطاباته، ويقع في أخطاء كثيرة خلال مهرجاناته الانتخابية، سرعان ما يسارع مستشاروه إلى سحبها من التداول الإعلامي أو تصحيحها وتفسيرها بما يتناسب مع خطط الحزب الجمهوري المستقبلية، الذي أحرجه ايما إحراج ترشحه للرئاسة، خصوصاً بعد أن حصد أعلى النتائج ضدّ منافسيه في الحزب الجمهوري في الانتخابات التحضيرية، علما انه شخصية استفزازية مثيرة للجدل بسبب تعابيره الصريحة والعفوية الخالية من العمق السياسي والتفكير الإيديولوجي بعكس مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون الآتية من مسار سياسي طويل وعميق المضمون.

في النهاية أياً يكن من سيربح الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية فإنّ البرنامج هو الحكم، وأنّ ما هو مقرّر في الدوائر العليا لصالح الولايات المتحدة الأميركية وشعبها هو القدر المرسوم بإتقان، فالحكم عملية تجانس والتزام بين حزبين قويين يقودان الولايات المتحدة الأميركية إلى الكونية العالمية، التي لا اختلاف عليها، مهما ارتسمت التناقضات على المسارات الانتخابية بنبرة عالية… في النهاية تبقى السياسة الخارجية هي الأهمّ، وهي المدى الأوسع لرئيس الجمهورية الذي يتقن إدارة البرامج الموضوعة إما سلماً كما فعل الرئيس أوباما مع إيران وبرنامجها النووي، وإما حرباً عشوائية مدمّرة كما فعل بوش خلال اتخاذ القرار باحتلال أفغانستان والعراق، وعلى ما يبدو أنّ المرشحين القويين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون باتا على قناعة تامة بأنّ سياستهما في الشرق الأوسط ستبدأ بلجم تجاوزات المملكة العربية السعودية، خصوصاً بعد إنجاز مهامها بالقضاء على كلّ حركات القومية العربية، وبعد انتهاء المدّ الشيوعي، وإنْ برزت روسيا كقوة قادرة على التحرك عالمياً وبشكل مواز لأميركا، إلا انّ القرار ربما بات ساري المفعول في دوائر القرار الأميركي خصوصاً بعدما نشرته جريدة «نيويورك تايمز» في صفحتها الأولى عن اتهام السعودية بتمويل «القاعدة» والتسبّب بحادثة البرجين في نيويورك وتدميرهما وردّ عادل الجبير وزير الخارجية السعودي بطلبه سحب الخبر فوراً من التدوال أو تعمد السعودية إلى سحب ملياراتها من الاستثمارات داخل الولايات المتحدة الأميركية.

كلّ هذه الأمور انعكست على حركة المرشحين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون بحيث أبديا كلاهما كلّ تجاوب مع مطلب لجم السعودية، بحيث دعا دونالد ترامب إلى مطالبة السعوديون بدفع ثمن الرعاية التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية للسعودية خلال عصور وقرون، وأنّ عليها تقديم التمويل لمحاربة «داعش ـالدولة الإسلامية الإرهابية المتطرفة»، وليس بشار الأسد كما تصفه السعودية.

تبقى «إسرائيل» وعملية دعمها وتفوّقها من الأمور التي لا خلاف عليها، وإنْ اشتدّت المناكفات حالياً بين الرئيس أوباما ونتانياهو، في النهاية فإنّ «إسرائيل» قاعدة أميركية ناشطة ومتحركة في قلب الأمة العربية، التي لا يتوانى بعض حكام العرب من تقديم فروض الطاعة لها.

في النهاية لا يهمّ من سيتربّع على كرسي الرئاسة الأميركية في البيت الأبيض الأميركي، بل الأهمّ هو من سيعمل لاحقاً لمصلحة الشعب والوطن في الداخل والخارج، وهذا ما يهمّ المواطن الأميركي بمختلف توجهاته السياسية والحزبية.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى