العلاقة الأميركية – السعودية «تصدّعت»
روزانا رمّال
لم يعد ممكناً أن يمدّد أميركياً لخدمة توظيف المال السعودي، أسواق وبدائل أخرى تبحث عنها واشنطن رفعت على أساسها الحظر عن إيران معلنة إقصاء الدور السعودي في الخليج على أساس أو شرط التعاون مع طهران، إذا أرادت السعودية طوعاً البقاء ضمن منظومة الدول المؤثرة في المنطقة بما يحفظ لها بعضاً من إرثها القديم لوصاية معنوية إسلامية وخليجية وهذا تحديداً ما شدّد عليه الرئيس باراك أوباما في حديثه للصحافي جيفري غولدبرغ في مجلة اتلانتك الأميركية، طارحاً أهمية أن تتعاون السعودية وجيرانها من الدول الخليجية مع إيران كحقيقة جديدة.
ليس أوباما وحده المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الذي لا يراعي اليوم منطق حفظ القيمة المعنوية لحليف كالرياض في جلساته الأخيرة العامة أو الخاصة بل إنّ هذه الظاهرة تنسحب أيضاً على المرشح الجمهوري دونالد ترامب «المسموع» جداً لدى الشارع الأميركي بما يمثله من شخصية مثيرة للجدل، وهو يقول للأميركيين «إنّ السعوديين لا يصمدون دون حمايتنا بضعة شهور أو أيام أو ساعات، وإنهم لا يشكلون شيئاً بالنسبة لنا كأميركيين أكثر من مصدر مالي نتخلص منه ساعة نشاء أو ساعة ينفد مخزونه». يؤكد ترامب في أحد خطاباته اللافتة على ما يختبئ وراء نيات السعودية في الحرب على اليمن وهو «النفط» الذي يكاد ينفد لديها. وعلى هذا الأساس بحثت عن بديل في اليمن تدرك اليوم عدم قدرتها على السيطرة عليه بالشكل الذي طمحت إليه.
الهجوم «الديمقراطي» و»الجمهوري» على المملكة العربية السعودية الذي انسحب على الصحف والمواقع الالكترونية الأكثر تأثيراً في واشنطن، خصوصاً في طرح مسألة معاقبة السعودية على تورّطها في أحداث 11 أيلول وغيرها من ملفات الفساد تؤشر إلى «حالة عامة» تجتاح الشارع الأميركي تجعل من الرئيس باراك أوباما غير آبه لما سيورث الرئيس المقبل بعده من مواقف حساسة مع الرياض وعلاقات متصدّعة. واللافت بهذا الإطار ما كان قد روّج له السعوديون وظهر جهاراً على لسان وزير الخارجية عادل الجبير في تراشقه لبعض المواقف مع وزير الخارجية جون كيري في معرض الحديث عن حلول للأزمة السورية، وهو قول الجبير: «إننا ننتظر قدوم الجمهوريين إلى الحكم»، وهو ما لم يثبت بعد مواقف دونالد ترامب المرشح الجمهوري الأقوى حتى الساعة أنه ممكن، فترامب يناصب العداء الواضح للسعوديين، وغير مستعدّ لتعزيز العداوة مع الأسد وله انتقاداته الخاصة بشأن «إسرائيل»، من هنا فإنّ الخناق يضيق أكثر فأكثر على الرياض التي لم تعد متأكدة من موقعها مع أيّ إدارة جديدة جمهورية كانت أو ديمقراطية.
حالة إدمان نفطية في السعودية عطلت تنمية القطاعات كثيراً هذا ما يوضحه ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في معرض تقديمه لخطة تنمية لعام 2030. وهي عبارة عن خطة إنمائية تتخلى عن النفط كأساس لهذا الإدمان الذي يؤسس العلاقات مع الرياض. وهذا وحده اعتراف أساسي من الحكام السعوديين بأنّ ناقوس الخطر قد دقّ، وانّ النفط الذي سيشحّ يجعل تغيير الواقع والمنطق أمراً مفهوماً ما استدعى التوجه نحو خطط بديلة بعيدة المدى تخفف الاعتماد على النفط.
يلتفت الشارع الأميركي مؤخراً وبشكل مثير إلى ما يجري على الساحة الاستثمارية السعودية والى حركة العملات وأسعار النفط مصوباً نحو أزمة حقيقية بدأت السعودية تعيشها، ما يعني أنّ على واشنطن إيجاد بديل عن المال النفطي المخصص لتنفيذ سياسات أميركية حول العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وفي المقابل يتطلع جزء أساسي من الرأسماليين إلى علاقات جيدة مع إيران كسوق جديد يجمع بين الانفتاح وتعزيز الاستثمارات بالمنطقة عملاً بالمنطق الأوروبي نفسه. وقد بدأت شركات وسلسلة مطاعم أميركية بالمسارعة نحو التركيز في إيران بشكل يضع أيّ حكومة مقبلة ضمن مسؤولية الحفاظ على ما جرها الشعب إليه وما هو مقبل او متوقع في الفترة المقبلة.
يشير خبراء اقتصاديون لقناة «سي إن إن» الأميركية إلى أنّ «معظم السعوديين يعملون في القطاع العام كما أنّ 75 من إيرادات الدولة تأتي من النفط، وانّ انخفاض أسعار النفط في الفترة الأخيرة من 100 للبرميل إلى 36 أوصل السعودية إلى أزمة مالية.
لأول مرة منذ 25 عاماً تسعى الرياض للاقتراض من بنوك دولية عدة بهدف دعم الاحتياطي المالي لديها والذي تراجع بشكل كبير خلال العامين الماضيين وهما العامان اللذان خاضت فيهما الرياض بزخم حربي اليمن ومعها سورية التي ضخت فيها مالاً استثنائياً من أجل التخلص من النظام الحالي، وهنا بلغ الإنفاق العسكري نسباً طائلة جعلت السعودية غير قادرة على إدارة أكثر من أزمة أو جبهة عسكرية في وقت واحد. وفي هذا الإطار بدا واضحاً سحب الهبة المخصصة للبنان أولاً وتجييرها للجيش السوداني لما له من أولوية في ما يخصّ الحرب القائمة في اليمن وقد لوحظ أيضاً شحّ الموارد المالية في مؤسساتها الإعلامية إقليمياً وسياسة تقشف ملحوظة.
ليس وارداً عند الأميركيين التساهل في موضوع دقيق كصورة العلاقة بين واشنطن والرياض، ولا وارداً أيضاً عند الصحافة الأميركية التهاون في نوعية العلاقة الاستراتيجية، لكن تصدّعها يشرح بشكل مباشر تراجع القوة المالية والنفطية الذي فقد قدرته على التأثير على صناعة القرار الأميركي.