«إسرائيل»… وضمّ الجولان

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

في السابع عشر من الشهر الحالي ولأول مرة منذ 49 عاماً عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية على أرض الجولان السوري المحتلّ، ورئيس وزراء حكومة الاحتلال نتنياهو في تحدّ واضح وبكلّ صلف وعنجهية قال: «إنّ هضبة الجولان ستبقى بيد إسرائيل الى الأبد» ولن تنسحب منها تحت أيّ ظرف، وهذه الجلسة الاستفزازية لا بدّ انها ترجع لأسباب عدة وتنطوي على مجموعة رسائل أرادت ان توصلها حكومة الاحتلال الى أكثر من جهة وطرف.

وقبل التطرق إلى ذلك، لا بدّ لنا من القول بأنّ الكنيست الصهيوني سنّ قانون ضمّ الجولان في 14/12/1981، بناء على اقتراح قدّم من مناحيم بيغن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت. وفي تشرين الثاني من عام 2010 سَنَّت حكومة نتنياهو قانون «الاستفتاء العام، بغرض وضع العراقيل امام أيّ انسحاب من أراضٍ تخضع للسيادة «الإسرائيلية»، والمقصود هنا على وجه التحديد الجولان والقدس الشرقية. أكد هذا القانون على انّ أيّ انسحاب «اسرائيلي» من أيّ منطقة خاضعة للسيادة «الإسرائيلية» يحتاج الى اغلبية في استفتاء عام، وقد أيد هذا القانون 61 عضو كنيست من مجموع اعضاء الكنيست الـ120 عضواً.

قبل البحث في الأسباب والرسائل المتوخى إيصالها من هذه الخطوة التصعيدية والاستفزازية، لا بدّ لنا من القول، في ظلّ الإنزياحات التي تشهدها كلّ المكوّنات «الإسرائيلية» منذ عام 1996 نحو اليمينية والتطرف اليمين الديني ، ولتبلغ ذروتها بتشكّل هذه الحكومة اليمينية المغرقة في التطرف، إنّ المحرك الأساسي للسياسة الإسرائيلية لم يعد الأمن، بل أصبح الأمن واحدا من المركبات، والمركب ـ المحرك الأساس أصبح الاستيطان، فنتنياهو وحكومته يرون أنّ الظروف الفلسطينية والعربية والدولية مؤاتية وملائمة لهم من اجل تحقيق اهدافهم في استمرار الاستيطان والاحتفاظ بالأرض والأمن والسلام معاً.

فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها، ومستقبلها نحو المزيد من الفوضى والتشرذم، بينما الحالة العربية دخلت حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية لترتسم لها خرائط جغرافية جديدة على تخوم وحدود المذهبية والطائفية، والإرادة الدولية المشتبكة أقطابها الرئيسية روسيا وأميركا من اوكرانيا حتى اليمن معطلة وغير قادرة على فرض حلول سياسية على «اسرائيل». وكذلك وجدت «اسرائيل» بأنّ الأزمة السورية والحرب الكونية الظالمة التي تشنّ عليها لتغيّر موقعها وموقفها في الجغرافيا السياسية، تلك الحرب اخذت منحىً تفكيكياً وتدميرياً في آن واحد أي تفكيك الجيش والسلطة والمؤسسات وتدمير البنى التحتية ونهب الثروات والخيرات مع عمليات قتل لمئات الآلاف من البشر، وتهجير قسري للملايين وخسائر اقتصادية كبيرة جداً تقدّر بالمليارات. هذه الحالة أوجدت وهماً عند نتنياهو بأنّ سورية ربما تكون لقمة سائغة لِتَقَاسُمِ النفوذ او وراثة النظام الوطني من قبل نتنياهو وحلفائه من السلاجقة الأتراك ومشيخات النفط العربية السعودية وقطر .

الأزمة السورية العميقة والعدوان الذي تتعرّض لها سورية، هما الظرف المناسب في اعتقاد نتنياهو، إلا أن الحقيقة هي في أن الايديولوجية الصهيونية القائمة على الاستيطان والتطرف هي السبب الرئيسي لمثل هذه الخطوة التصعيدية والاستفزازية، فنتنياهو لم يغلف هذه الخطوة كما درجت عليه العادة بما يسمّى بأمن «اسرائيل»، بل قال بشكل واضح بأنّ الجولان المحتلّ جزء من «أرض إسرائيل الكاملة».

ويبدو أنّ تلك الخطوة الاستفزازية، هي محط إجماع كلّ مكونات ومركبات حكومة الاحتلال الحزبية والسياسية: يميناً ويساراً. واللافت هنا، أنّ هذه الخطوة أتت متزامنة مع مناورات عسكرية «إسرائيلية» ضخمة على «الجبهة الشمالية» وتصريحات لنتنياهو قبلها بأسبوعين بأنّ «اسرائيل» نفذت عشرات الضربات الجوية ضدّ اهداف في سورية خلال السنوات الخمس الماضية، بما يؤشر إلى التدخل «الإسرائيلي» السافر في الأزمة السورية بطرق عدة، منها التدخل المباشر لمصلحة القوى التكفيرية والإرهابية «جبهة النصرة» و«داعش»، وهنا يظهر الصلف والعنجهية الإسرائيليان في تحدّي الشرعية الدولية «المعهرة» التي تداعت إلى عقد مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، عند الدخول العراقي للكويت، تحت يافطة وذريعة عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة والخروج على الشرعية الدولية، حيث تشكلت الجيوش وسيّرت البوارج وحاملات الطائرات لـ«ردع» صدام حسين، في حين لم تحرك الشرعية الدولية ساكناً ضدّ الخطوة الإستفزازية «الإسرائيلية».

اما الرسالة الأخرى التي حملتها هذه الخطوة الاستفزازية، فهي رسالة منسقة مع اطراف عربية وإقليمية ودولية عدة منها تركيا والسعودية واميركا وفرنسا، بأنّ اسرائيل لن تسمح باستمرار تقدّم الجيش السوري نحو استعادة كامل الجغرافيا السورية، وان يصبح الجولان جبهة عسكرية مفتوحة ضدّ الاحتلال من قبل قوى مقاومة سورية ولبنانية وايرانية، وهي كانت ترى في «جبهة النصرة» قوة لجدار عازل او منطقة آمنة على غرار قوات لحد المقبورة في الجنوب اللبناني، وكما هي ورقة لتركيا من اجل الضغط على الأوروبيين في قضية اللاجئين السوريين، إما دفع الجزية أو دفعهم للهجرة نحو أوروبا، والموافقة على اقامة منطقة آمنة لتوطينهم في الشمال السوري، والسعودية كانت تبحث عن دور لها بتضخيم قوة «جبهة النصرة» عنوان المعارضة السورية، بما يمكنها من الإمساك بناصية المعارضة السورية، ومن هنا جاء انسحاب وفد المعارضة «السوري» المنبثق عن اللجنة العليا لمؤتمر الرياض، والتهديدات التي أطلقها كبير مفاوضي معارضة جماعة الرياض محمد علوش بإشعال النار تحت أقدام الجيش السوري، لكي يبقى الاصبع السعودي يعبث بأمن واستقرار سورية.

الموقف الإستراتيجي «الإسرائيلي» من الجولان، هو استمرار للمواقف «الإسرائيلية» ذاتها من كلّ القضايا العربية وبالذات القضية الفلسطينية، حيث ترفض «اسرائيل» بشكل مطلق حق العودة للشعب الفلسطيني المشرّد، وفق القرار الأممي 194 ، وتستمرّ بتهويد القدس على قدم وساق وتحوّلها الى «عاصمتها الموحدة والأبدية» في ظلّ صمت دولي مطبق؟

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى