الجزائر الوفية لتاريخها
حميدي العبدالله
المواقف الجزائرية منذ اندلاع الأزمة في سورية، ومعارضتها لجميع القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، أرجعها كثير من المحللين إلى عامل أساسي يكمن في أنّ الجزائر اكتوت بنار الإرهاب في عقد التسعينات، ولا تزال حتى الآن تتعرّض لهجمات الإرهابيين. والجزائر من تجربتها الخاصة تدرك وتعرف الكثير عن دور الدول الغربية ودول في المنطقة في دعم الإرهاب، حتى وإنْ لم يصرّحوا بذلك. فعلاقة قطر مع تنظيم «القاعدة» لا يمكن بأيّ حال إخفاؤها، وكذلك تركيز قناة «الجزيرة» على الجزائر وتوجيه الانتقادات الحادّة، واستضافة الكثير من قادة التنظيمات التي حملت السلاح ضدّ السلطة في الجزائر. وحتى الولايات المتحدة التي كانت تسعى لاقتسام النفوذ في أفريقيا مع فرنسا كانت لها أدوار خفية في دعم الإرهاب والاستثمار فيه داخل الجزائر في محاولة منها لإقناع الجزائر عن طريق ضغط الإرهاب والحاجة إلى الدعم لاستضافة «القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا».
لكن ليس استهداف الجزائر من قبل الإرهاب ومعرفتها العميقة بالقوى الدولية والإقليمية التي تدعمه هو العامل الوحيد الذي يفسّر موقف الجزائر من القضايا العربية، وتحديداً الموقف من سورية. لا شكّ أنّ تاريخ الجزائر المفعم بالوطنية، والمليء بالتضحيات كان له دور كبير في رسم مواقف الجزائر، ولا سيما إزاء سورية، فسورية مثلها مثل مصر عبد الناصر من بين الدول العربية القليلة التي وقفت إلى جانب الشعب الجزائري عندما ثار ضدّ الاستعمار الفرنسي، وذهب مئات الشباب السوري الوطني، ولا سيما من الأحزاب القومية، لتقديم المشورة والمساعدة، ولا سيما الأطباء، لعناصر جيش التحرير الجزائري الذي كان يرابط في المناطق المحرّرة من الجزائر. تاريخ الجزائر المفعم بالوطنية كان له دور كبير في رسم السياسات الجزائرية على المستوى العربي، وبديهي لأنّ سورية قلب العروبة النابض، والوفية للقضايا العربية والتي التزمت بسياسة دعم القضايا العربية وفي مقدّمتها قضية الجزائر، تنتظر من دول وفية لتاريخها أن تقف إلى جانبها في مواجهة الحرب الإقليمية والدولية التي شنّت ضدّها، وكان سلاحها الأمضى هو الإرهاب.
إذن، لم يكن مفاجئاً أن تعارض الجزائر القرارات العربية التي استهدفت سورية، وليس مفاجئاً أن لا تستجيب لقرارات سحب السفراء، كما فعلت دول أخرى، وللأسف على رأسها دولة بحجم مصر التي كان السوريون ينتظرون منها موقفاً يردّ الجميل لموقف الشعب السوري عندما هبّ للوقوف إلى جانب مصر عندما تعرّضت للعدوان الثلاثي الذي شاركت فيه فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني عام 1956.