لماذا تتقدّم التسوية في اليمن وتنتكس في سورية؟
ناصر قنديل
– كلما بدا أنّ الطريق يزداد تعقيداً أمام التسوية اليمنية جاءت الانفراجات المفاجئة تقول العكس، وكلما بدا أنّ المسار السياسي للتسوية في سورية يحمل تقدّماً جاءت المفاجآت تقول العكس، هذا بالرغم من أنّ حجم الجهد الدولي المخصّص للتسوية في سورية، لا يقارن بالرعاية الأممية للتسوية اليمنية المقتصرة على محاولات المبعوث الأممي من جهة، وبعض المساهمات العُمانية والكويتية، بينما يرعى كلّ خطوة تفصيلية في سورية لقاء يضمّ وزيري خارجية الدولتين الأعظم في العالم أميركا وروسيا وأحياناً رئيسي الدولتين، وللتسوية في سورية إطار دولي إقليمي داعم هو مجموعة فيينا، حيث يجتمع الخصوم الإقليميون الذين تتصدّرهم إيران والسعودية، واللتان تلتقيان تحت قبة مسار فيينا حول سورية، رغم عدم حصرية دوريهما في الحرب والحلّ فيها في ظلّ حضور روسي وأميركي مباشرين ومثلهما ولو بنسب مختلفة تركي وفرنسي و»إسرائيلي»، بينما يكاد ينحصر البعد الإقليمي لحرب اليمن وتسويتها بالرياض وطهران وتعجزان عن اللقاء لرعاية التسوية فيه، ورغم ذلك تتقدّم التسوية في اليمن وتتعقد في سورية.
– الأكيد أنّ مكانة سورية وحربها والتسوية فيها أشدّ تعقيداً بكثير من اليمن، ومنها وعبرها ترتسم معادلات التوازنات التي سيُبنى عليها نظام إقليمي جديد ونظام دولي جديد، وفقاً لتصريحات زعماء الدول المنخرطة في الحرب والمعنية بالتسوية، لكن الأكيد أيضاً أنّ المسار الذي بدأ بالتفاهم على الملف النووي الإيراني شكل نصف الطريق لبلورة هذه التوازنات، والأكيد أيضاً أنّ تقدّم مسار التسوية اليمنية يحسم أنّ خيار التسويات هو الحاكم لأزمات المنطقة وحروبها، والأكيد أيضاً وأيضاً أنّ عناصر الحسم في مكوّنات التسوية في سورية، كحتمية دور الرئيس السوري والجيش السوري، لم تعُد مادّة خلاف في العمق رغم الكلام الكثير حولهما، فالحرب على الإرهاب التي صارت أولوية عالمية، هي التي قرّرت وحسمت وحدّدت الشركاء، وحيث تبدو سورية في مقدّمة ساحات هذه الحرب، ويفترض أن تتسارع التسوية فيها بقوة الحاجة لتسريع توافر أسباب الفوز بهذه الحرب.
– صحيح أنّ المعادلة التي تحكم أزمات المنطقة المتتابعة فصولاً وحروبها المتصلة ستخضع عملية إقفالها وفقاً لمعادلة خياطة آخر الجروح أولاً وأولها آخراً، لكن الصحيح أيضاً أنّ كون حرب اليمن مدعوّة للإقفال أولاً لا يستدعي تفجير مناخات التسوية في سورية، بل يكفي تبريد الأزمة وتبريد التسوية، والسير ببطء بانتظار إقلاع المسار اليمني، كما يجري في أولوية إقلاع الطائرات على مدارج المطارات بالتتابع، وما نتحدّث عنه ليس سبب تباطؤ المسار السوري، بل سرّ انتكاساته المتكرّرة.
– ثمة ثلاثة أسباب يمكن ربط التآكل في مسار التسوية السورية بها، أولها أنّ في هذه التسوية لا مكان لـ«إسرائيل» وهي أول المعنيين بكيف تكون سورية بعد التسوية، والثاني هو أنّ مصير الحكم في تركيا صار مرتبطاً عضوياً بمستقبل الحكم في سورية، مهما كثرت عمليات التذاكي ومهما توسّعت دوائر المناورات، والثالث أنّ الجهات التي تتفاوض في اليمن هي الجهات التي تتقاتل، فالسعودية مقابل الحوثيين في الحرب والتسوية، بينما في سورية يمثل وفد المعارضة المفاوض مجرد واجهة أعجز من أن تصنع تسوية، فهو واجهة عسكرية لتنظيم «القاعدة» ممثلاً بـ«جبهة النصرة»، التي لا مكان لها في أيّ تسوية، وهو واجهة سياسية للسعودية وتركيا و«إسرائيل» الذين لا يدفعون من دماء جيوشهم وناسهم ثمن التصعيد، بل يسدّدونه من دماء السوريين لرفع سقوفهم التفاوضية بحثاً عن مصالح أنظمتهم وحكوماتهم، وهذه المعارضة التي ترتضي عبثية دورها التخريبي لتخديم الغير، تدرك سلفاً أنّ أيّ تسوية تحتكم في النهاية لصناديق الاقتراع ستعني نهايتها الحتمية، فهي تشتري وقت الحاجة إليها بمال يدّخره قادتها لما بعد التسوية التي ستعني معها هذه النهاية.
– سيبقى مسار التسوية السورية متعرّجاً ومحكوماً بحسم في الميدان حلقة بحلقة، كما جرى في تدمر، وأرياف حلب واللاذقية قبلها، حتى تخرج الأطراف الإقليمية المعطلة من المشهد السوري، والجغرافيا السورية، وتصير التسوية عندهم تحت شعار القبول بالمرّ خشية مما هو أشدّ مرارة.