مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الثالث يغلق أبوابه… و«بطارية ضعيفة» ينال الذهبية
دمشق ـ آمنة ملحم
لم تحظَ الأفلام المشاركة بمهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الثالث بمجاملة ودّية من لجنة التحكيم. بل جاءت ملاحظاتها صارمة وفق البيان الختامي للمهرجان، الذي تلاه رئيس اللجنة المخرج اسماعيل نجدت أنزور، عاكسة جدّية الحكم ومهنية مطلقيه بعيداً عن أيّ نزعة شخصية.
وجاء في البيان: في سورية، الشباب ليسوا هم المستقبل فحسب، بل هم الحاضر أيضاً. ذلك لأن نسبتهم تزيد عن 60 في المئة في مجتمعنا. ومن هنا يكتسب المهرجان أهميته كمتنفّس للشباب السوري المبدع الذي يطمح لأن يغيّر العالم بالسينما.
وتوجّه أنزور بِاسم لجنة التحكيم بالشكر لإدارة المهرجان لعدم تدخّلها في أعمال اللجنة التي تمّت في جوّ من الشفافية والحرّية التامة. ولفت صاحب «فانية وتتبدّد» إلى أن اللجنة تلاحظ بقلق أن نسبة لا بأس بها من الأفلام المشاركة في المسابقة لا تراعي طبيعة الفيلم القصير وخصوصيته الإبداعية، لا من حيث البنية ولا من حيث طبيعة الخطاب. كما تلاحظ أن أعمالاً مشاركة كثيرة تتخذ من الدراما التلفزيونية مرجعية جوهرية وتقنية.
كما رأت اللجنة أن هناك أفلاماً تصدّت لأفكار كبيرة بإمكانيات ضحلة، ما حال دون تمكّن مخرجيها من تقديمها بالشكل المطلوب. كما أشارت اللجنة إلى ضعف اختيار الموسيقى واستخدامها في معظم الأفلام المشاركة، والتركيز على أماكن التصوير وخلوّ معظمها من البشر كأن الأحداث تجري في أماكن مهجورة، عدا بعض الاستثناءات في بعض الأفلام.
وقدّمت اللجنة مقترحاتها إلى المؤسسة العامة للسينما بأن تعيد النظر في آلية قبول السيناريوات المقدّمة من الشباب، وتعيين مستشارين دراميين لهم، وكذلك إخضاع أصحاب النصوص الفائزة لدورات عملية مكثّقة قبل إعطائهم فرصة لإنجاز أعمالهم في المستقبل.
وحظي في هذه الدورة من المهرجان، فيلم «بطارية ضعيفة» بالجائزة الذهبية مع مبلغ ماليّ قدره 300 ألف ليرة سورية. وهو من سيناريو وإخراج قتيبة الخوص الذي تسلّم الجائزة من وزير الثقافة عصام خليل ومدير المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد والمخرج اسماعيل نجدت أنزور. وذلك لامتلاكه حسّ التجريب وتمكّنه من بناء مشهد سينمائيّ متماسك بعناصر محدودة وإبداع موفّق، وابتكاره زوايا تصوير تتّسم بالجرأة والاحتراف.
وفي حديث إلى «البناء»، أكد الخوص سعادته بالجائزة التي يهديها لروح والده. منوّهاً بشفافية اللجنة التي تعتبر أجرأ لجنة مرّت على هذا المهرجان. لافتاً إلى أن الجائزة تحمّله مسؤولية كبيرة للأيام المقبلة.
وعن الصعوبات التي واجهته أثناء عمله، أشار الخوص إلى أن منحة المؤسسة جيدة لهذا النوع من المشاريع، ولكن العوائق كانت في العلاقة مع الكوادر الفنية في المؤسسة، كمحاولتهم فرض الرأي والعرقلة أحياناً.
وعن مشاريعه المقبلة، أشار الخوص إلى أنه سيكمل الدرب مع «سينما درويشة» التي أسّسها بنفسه، وهي تشبه مشروع دعم سينما الشباب إنما بإمكانيات أقل. متمنياً أن يصل بها إلى العالمية.
أما الجائزة الفضية، فقد قدّمتها الفنانة سلمى المصري لفيلم «سليمى»، سيناريو وإخراج حسام شرباتي، مع مبلغ مالي قدره 250 ألف ليرة سورية، وذلك لقصته المؤثرة وحلوله البصرية المعبّرة ودقة أداء ممثليه، ولرسالته الإنسانية ورشاقة أسلوبه وتناغم مكوّناته.
وأعرب شرباتي في حديث إلى «البناء» عن سعادته بالجائزة. ورأى أن اللجنة كانت عادلة، وأعطت الجوائز لمن يستحقّها. وهو يعدّ نفسه محظوظاً بخطوه الخطوة الأولى لتحقيق طموحه في السينما. موجّهاً شكره لكلّ من دعمه في هذه التجربة. كاشفاً عن مشروع فيلم جديد يحضّر له حالياً.
كما قدّم الناقد فاضل الكواكبي الجائزة البرونزية لفيلم «أنين»، سيناريو وإخراج فادي الياس، مع مبلغ مالي قدره 200 ألف ليرة سورية، وذلك لقوّة الفيلم البصرية وعمق دلالته الفكرية وجودة الصورة السينمائية، وحسن الأداء التمثيلي فيه، وعمق التعبير البصري السينمائي، وكذلك الرمزي عن المأساة السورية.
ونال فيلم «البداية» جائزة لجنة التحكيم الخاصة، قدّمتها الفنانة ندين تحسين بك لصاحب سيناريو وإخراج الفيلم علي الماغوط، مع فرصة لإخراج فيلم قصير احترافيّ ضمن الخطة الإنتاجية للمؤسسة العامة للسينما، وذلك لسلاسة أسلوبه وحُسن اختياره للموسيقى واستخدامه لها، وبُعده عن المبالغة والاستعراض، وجودة إدارة استخدام الممثل فيه.
بدوره، توجّه الماغوط بالشكر للقيّمين على هذا المشروع جميعاً. منوهاً بأنه دخل العالم الفني بداية كممثل، لكنه اكتشف عشقاً داخلياً للإخراج، فتوجّه نحوه بفضل المؤسّسة العامة للسينما التي أتاحت له الفرصة سابقاً مع فيلم «غرفة لا أكثر» الذي سيشارك في مهرجان «لويس لوميير» في باريس في حزيران المقبل، وهو الفيلم السوري الوحيد المشارك ضمن المسابقة الرسمية مع أربعة أفلام من العالم العربي.
وتوجّه الماغوط بطلب من القائمين على الثقافة السورية ككل، ألا يتركوا هؤلاء الشباب الفائزين في المهرجان في منتصف الطريق، فهم بحاجة إلى الدعم المستمر.
وقدم الأمير أباظة مدير مهرجان الاسكندرية الدولي جائزة أفضل مخرج لفيلم «سينما ميكنغ أوف»، سيناريو وإخراج المهند حيدر، مع فرصة إخراج فيلم احترافيّ ضمن الخطة الإنتاجية للمؤسسة العامة للسينما، وذلك لتقنياته العالية وإيقاعه المنضبط ونزعته التجديدية التجريبية.
وقال حيدر لـ«البناء» إنه نال الجائزة الذهبية في الدورة الفائتة للمهرجان، وسعى هذه السنة بالفعل نحو جائزة أفضل مخرج، وخاطر بالمشاركة بفيلم كوميدي معتقداً أنه ربما لن يجذب لجنة التحكيم كونه يذهب إلى لغة سينمائية معقّدة، نظراً إلى ما يحدث في سورية. لكن اللجنة أثبتت عمق التقييم، وقدّرت هدف الفيلم، وأن الكوميديا لها أهمية وسط هذا الحزن. ولأن هذا البلد سيبقى بلد الابتسامات، فهي ليست بلاداً سوداء رغم كل هذا الخراب، بل هناك أمور ومفاهيم جميلة لتظل الابتسامة أقوى وأبقى من الدموع.
وحول ملاحظات اللجنة، أكد حيدر أن الملاحظات تعكس جدّية اللجنة ودراستها الأفلام بشكل دقيق، واتفاقه معها في النقاط التي ذَكَرتها كافة، وكل ما قدّم يعكس رغبة جماعية حقيقية لتطوير هذا المهرجان .
من ناحيه، قدّم الكاتب حسن م. يوسف جائزة أفضل سيناريو لفيلم «موعد مع المطر»، تأليف وإخراج شادي شاهين، وذلك لبنيته الدرامية المتينة وطريقته المبتكرة في التعبير عن مقولته بطريقة غير مباشرة.
وحظي فيلم «ورد» سيناريو وإخراج رهف خضور، على تنويه خاصّ من لجنة التحكيم لجدّية موضوعه ورهافة معالجته وقدرة مخرجته على التعامل مع الطفل الذي لعب دور البطولة فيه.
وأعرب وزير الثقافة عصام خليل عن سعادته بنجاح الدورة الثالثة من المهرجان، وأثنى على الجهود المميزة المبذولة من قبل المؤسسة العامة للسينما. وردّ على الشاب علي الماغوط الذي تمنّى ألا يُترك الشباب في منتصف الطريق بالقول: أبداً، لن نترككم في منتصف الطريق، بل سنساعدكم حتى تتوّجون جميعاً نجوماً في السينما العربية بجدّكم واجتهادكم.
من ناحيته، تمنّى مدير المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد أن تكون المؤسسة قد حقّقت عبر المهرجان غايتها في إتاحة الفرصة للموهوبين، ليعبّروا عن أنفسهم بالسينما، وللجمهور كي يتعرّف إلى عوالم جديدة تشقّ طريقها نحو المستقبل. متطرّقاً إلى رحيل الإعلامي المخرج خلدون المالح بالتزامن مع المهرجان. المالح صاحب التاريخ الفنّي المشرّف وأحد المؤسسين الأوائل للتلفزيون السوري، والمرتبط اسمه بتاريخ الثنائي الأشهر في السينما العربية «دريد ونهاد» وأعمالهما الخالدة: «مقالب غوار»، «صحّ النوم»، «حمّام الهنا»، «ملح وسكّر»، ها هو يرحل بصمت، وفي كل قطرة من دمه سورية الغالية التي لطالما هام حبّاً بها.
وتوجّه الأحمد بالشكر لكلّ من ساهم في أن تغدو هذه الدورة من المهرجان حقيقة واقعة، لا سيما مدير دار الأسد للثقافة والفنون جوان قرجولي، إضافةً إلى العاملين في الدار لتعاونهم النموذجي. وشكر وزير الثقافة الذي يوفّر الدعم الدائم والطاقة المعنوية اللازمة للنهوض بالمهمات الملقاة على عاتقنا.
وختم الأحمد: مسيرة الحق والخير والجمال مستمرة، وإلى اللقاء في السنة المقبلة مع الدورة الرابعة.