ما الذي يُعيق التغلّب على «داعش» في العراق؟
شارل أبي نادر
لقد كان كلّ شيء يوحي بأنّ معركة تحرير الموصل هي على الطريق، وبأنّ ساعة الصفر لبدء الهجوم وتدمير إرهابيّي أبي بكر البغدادي في عاصمة دولته قد اقتربت، وبدأت وحدات التنظيم الإرهابي تسرّب تهديدات مخيفة حول تفجير سدّ الموصل وإغراق مدن وبلدات سهل نينوى بالمياه، وبدأت تظهر خلافات الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق حول تقاسم السيطرة والنفوذ مستقبلاً في الموصل بعد تحريرها، وكأنّ الموضوع حاصل لا محالة.
كانت وحدات الجيش العراقي قد أصبحت جاهزة عدّة وعديداً، فالقوات الجوية العراقية تسلّمت طائرات «أف 16» وطوافات «أباتشي» الأميركية، وذلك بعد جهد جهيد، وانتشرت بطاريات مدفعيته المحمولة المتطوّرة على الخطوط الأمامية شمال بيجي في مواجهة الشرقاط، والتحقت مع الوحدات على الأرض كتائب المتطوّعين الذين كانوا يخضعون لتدريبات خاصة على الاقتحام والمواجهة المتقاربة، ووحدات الحشد الشعبي أصبح واضحاً بالنسبة لها ما هي المواقع والنقاط التي يمكن لها التقدّم إليها ومساندة ودعم الجيش العراقي بإحكام الطوق الخارجي دون الدخول في عمق المدينة، وجهّزت خطة لمسك المحاور الجنوبية والجنوبية الشرقية للموصل، من دون أن تثير حساسية فرقاء كثر داخل العراق وخارجه.
من ناحية البشمركة، ظهروا جاهزين ومندفعين للاشتراك بالمهاجمة من اتجاه بعشيقة شرقاً ومن اتجاه مخمور في الجنوب الشرقي، وبدأوا يضغطون مقتربين من خطوط «داعش» الأمامية جنوب المدينة، فحاصروا قصبة البشير وضغطوا على القيارة التي تمثل مدخل الموصل الاستراتيجي جنوباً على نهر دجلة، وبدأ عناصر «داعش» باستعمال سلاحهم الاستراتيجي وأطلقوا أول دفعة من الانتحاريّين في محاولة لتبديد وتأخير هذا التقدّم الذي أصبح وكأنه يشدّد عليهم الخناق.
وفجأة… غابت طلعات القوات الجوية الأميركية عن سماء صلاح الدين ونينوى والموصل، وخلت الأجواء من طائرات الأميركيين دون طيار والتي توصلت فعاليتها في المرحلة الأخيرة حد ملاحقة قادة وكوادر وعناصر «داعش» بشكل إفرادي وتغتالهم في منازلهم، واختفت نشرات الوحدات الأميركية التي كانت تُصدر يومياً حول أسلحة وقدرات وحدات مكافحة الإرهاب التي أصبحت على الأرض العراقية في القواعد العسكرية الأميركية في كلّ من عين الأسد في شمال غرب الأنبار وفي الحبانية شرق الرمادي وفي شمال الفلوجة. وبدأ قادة التحالف الأميركي وديبلوماسيوه يتكلمون عن صعوبة التغلب على «داعش» في وقت قصير، وبأنّ ذلك يحتاج الى سنوات، وبأنّ على الدولة العراقية بذل المزيد من الجهود لتطويع حشود ضخمة من عشائر السنة والتقرّب منهم إذا أرادت الانتصار على «داعش» في العراق.
ثم ظهرت وبسحر ساحر مشكلة سياسية داخل مجلسي الوزراء والنواب على خلفية فساد بعض المسؤولين العراقيين ومطالبة زعماء عراقيين باستقالة الحكومة وتعيين وزراء بعيدين عن الفساد، وتقدّمت هذه المشكلة على اهتمامات الحكومة كلها وبدأت التظاهرات الشعبية الحاشدة تضغط يومياً في أحياء العاصمة وعلى مداخل المنطقة الخضراء، واضطرت وحدات الجيش والأمن وجهاز مكافحة الإرهاب إلى فصل أعداد كبيرة من عناصرها لحماية الحشود، خصوصاً أنّ ذلك ترافق مع عمليات انتحارية لـ«داعش» تركّزت على مداخل العاصمة الحساسة والمؤدّية إلى أماكن الحشود، وظهر التنظيم وكأنه ينسّق في ذلك مع قوى خفية استعملته لإشغال هذه القوى العسكرية والأمنية ولإبعادها عن الجبهة شمالاً باتجاه الموصل أو غرباً باتجاه الفلوجة.
من ناحية أخرى، وكأنّ القوى التي كانت تتحضّر لمهاجمة «داعش» كان ينقصها ضربة من داخلها لتفقد توازنها وتظهر عاجزة عن إكمال معركتها، فجاءت الاشتباكات بين البشمركة من جهة والحشد الشعبي التركماني في طوزخورماتو قرب كركوك من جهة ثانية لتُكمل ذلك، وأصبح موضوع تطويق هذه الاشتباكات والتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين هذه الوحدات التي من المفترض أنها كانت رأس الحربة في محاربة التنظيم الإرهابي هو الشغل الشاغل للحكومة العراقية.
وأخيراً… يبدو أنّ التحالف الدولي لمحاربة «داعش» في العراق وفي سورية والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لم يتخذ القرار حتى الآن بمحاربة وهزم التنظيم، ويبدو أنّ الأخير ما زال حتى الآن لاعباً أساسياً في سيناريو خبيث تقوده هذه الدولة التي لم تكتفِ حتى الآن بما سبّبته من دمار وبما سرقته واغتصبته من ثروات في العراق، ويبدو أنها ما زالت مصرّة على امتصاص دم الشعب العراقي وتهجيره وتفتيته، ويبدو أيضاً أنّ الحكومة العراقية قد استسلمت لهذا القدر وهي الآن لا حول لها ولا قوة.
عميد متقاعد